الجزء 3..

227 13 1
                                    

صباحا نهض من سريره متثاقلا لا يقوى على الحركة، وصل إلى الطاولة حيث يضع دواءه شرب مسكنات الألم التي وصفها له الطبيب ثم عاد لسريره..

دخلت أمه في تلك اللحظة إلى الغرفة:

- هل مازلت نائما ليست من عاداتك أن تظل نائما صباحا هل تشعر بالتعب..؟!

- لست متعبا فقط أردت الاستغراق في النوم أكثر..

- لقد بزغت شمس الصباح هذا اليوم، توقف المطر عن التساقط ليلا ما رأيك أن نخرج للمدينة معا، لم نذهب بجولة منذ فترة طويلة..

- حسنا أمي سأستحم وأغير ملابسي وأنزل..

- سأحضر فطورك ريثما تنتهي، لقد غادر والدك مبكرا للعمل..

حاول الجميع مدراة حزنهم منذ أن عرفو بمرض ابنهم، ففجأة اسيقظوا ليعرفوا أن ابنهم يعاني من ورم بالدماغ لم يعد ينفع معه علاج أو جراحة، وأن ما تبقى له ليعيشه هو شهور معدودة قد لا تتعدى ستة أشهر، فقرروا العودة إلى مسقط رأسهم بانجلترا حيث عاشوا سابقا قبل رحيلهم إلى أمريكا من خمسة عشر سنة، العودة إلى الديار كانت خيار "ستيفن" فهو من أراد قضاء شهوره الأخيرة بمدينته "ريبون" حيث ولد وعاش سنواته الأولى..

ما استطاع والديه فعل شيء سوى الرضوخ لرغبة ابنهم الأخيرة، أرادت أمه حثه على تجربة الخضوع للعملية والعلاج لكنه رفض أن يقضي تلك الأشهر المتبقية من حياته على سرير بالمشفى، في حين أنه قد لا يغادر غرفة العمليات حيا، قرر فعل تلك الأشياء التي عجز عن فعلها سابقا فلم تسعفه الأيام لتحقيق عدة أشياء أرادها في الماضي فقرر تدارك ولو القليل مما فاته..

ما أراده حقا هو لقاء صديقة طفولته "هانا" لقد تربيا معا بنفس الحي ودرسا بنفس المدرسة وكانا يتشاركان نفس الطاولة، ظن أنها ستكون مازالت نفس الفتاة التي تركها ورحل، أن تكون مازالت تعيش بسعادة مع والديها اللذين كانا يحبانها كثيرا ويهتمان لأمرها..

لكن عندما رآها بعد تلك السنوات تفاجأ بأن الفتاة التي كان يعرفها سابقا قد اختفت، وأنها تغيرت كثيرا للدرجة التي لم يعد قادرا على التعرف عليها، فتاة شاحبة الملامح تركض من عمل لآخر لعلها تستطيع جمع تكاليف معيشتها ودفع أقساط دينها..

كان يظن أنه الوحيد الذي سارت حياته في المنحى المعاكس لما أراده دائما، لكن عندما رآها اكتشف أنها تعيش حياة بائسة أكثر منه، حتى أنها فكرت في إنهاء حياتها ومعاناتها بالانتحار..

كانت "هانا" تركض مسرعة عندما اصدمت بوالدة "ستيفن" في الشارع عندما كانا يتمشيان بالمدينة..

- آسفة، أعتذر منك..

اعتذرت من والدته وأسرعت دون أن ترى أنه كان هناك رفقتها، حتى أنها لم ترفع رأسها وإلا كانت تعرفت على والدته فهيم تعرفها جيدا عندما كانا صغارا، فقد تعودت أن تترجاها دائما من أجل أن تصنع لها فطائر الجبن كلما زارت منزلهم..

- ألا تشبه هذه الفتاة صديقة طفولتك "هانا" سمعت من والدك أنك كنت تبحث عنها منذ عدنا إلى المدينة..

- ابتسم: للأسف يا أمي إنها نفسها، إنها تركض بالأرجاء فلا ترى أمامها..

- سمعت أن ظروفها كانت صعبة بعد فقدانها لوالديها، لقد كنا أصدقاء مقربين لكننا لم نعلم ما أصابهم، منذ رحلنا عن المدينة لم نتواصل مع أحد من أصدقائنا، لقد كنا سيئين ولم نستطع تقديم المساعدة إليها..

- لقد كنا نتراسل لسنة بعد رحيلنا إلى أمريكا لكنهم غيروا عنوانهم دون أن أعلم السبب لذلك لم أعد أعرف عنها شيئا.. عرفت من أبي أن أسرتها أفلست ووالدها فقد كل ممتلكاته، وبعد الحادث الذي تعرضو له نجت منه "هانا" وحدها، وقد عاشت للآن دون تلقي مساعدة من أحد، لابد أنها كانت شجاعة لفعل ذلك والاستمرار في هذه الحياة بمفردها..

- ألم تلتقيها وتتحدث معها بعد؟! لابد أنها ستكون سعيدة بعودتك..؟!

- لم نعد أطفالا يا أمي بعد الآن، لقد التقيتها وتحدثنا لكنها لم تتعرف علي..

- ألم تخبرها من تكون؟! إن الزمن يغيرنا كثيرا لقد مرت خمسة عشر سنة لابد أنه من الصعب أن تكون مازالت تتذكر ملامحك جيدا..

- لا أعرف يا أمي أظن أنه من الأفضل أنها لا تتعرف علي فلم يعد يفيد تعرفها علي بشيء..

- لما تقول شيئا كهذا إنك تجعلني أستاء لأني كنت أما سيئة ولم أعلم بما تعانيه مبكرا..

- أمي إن ما أعانيه ليس ذنب أحد، إنه قدري و القدر لا يستطيع أحد إيقافه لم أقل ذلك لأجعلك تستائين قلته لأني أردت مشاركتك بشعوري فقط...

عادا إلى البيت، "ستيفن" اختلى بنفسه في غرفته وجلس على مكتبه يفكر بكل ما حصل في حياته الأشهر الأخيرة، معرفة والديه بمرضه جلب لهما الألم فقط، لكنه لم يكن قادرا على إخفائه عنهم، لا يدري ماذا يفعل كيف يخفف عنهما ويخفف عن نفسه كل ذلك، ما الذي سيفعله بشأن هانا هل سيخبرها بالحقيقة أم سيكتفي بأن يحاول أن يصبح صديقها من جديد، لو لم يخبرها بشأن تلك الستة أشهر عند الجرف لكان من السهل الآن حقا إخبارها لكن أن يزيد عدد الذين يشاركونه ذلك الألم شيء قاس لا يستطيع أن يحملها إياه فيكفيها كل السوء الذي تملكه بحياتها..

يتبع

#عمر_واحد_لا_يكفي

#Rain_Drops

© Rain

عمر واحد لا يكفي(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن