الفصل التاسع

20 1 0
                                    

خرجت مع أريا الى تلك الحديقة الكبيرة ، و فخامتها لا تختلف عن القصر ، حيث تتوزع الزهور بأنواعها المختلفة ، لطالما كرهت تنوع الزهور ، كنت اعشق  حقول الخزامى ، حيث يتوزع اللون البنفسجي في كل انحنائات الناظر ،
جلست الفتاتان على ارجوحة الحديقة ،كانت خطة ديسمبر منذ البداية ان تخرج معها محاولة سحب بعض المعلومات منها ، لذلك ظلت  صامتة لبرهة من الزمن ، محاولة التفكير بسؤال ،جوابه يكون شفائا لجروحها .
وَلَكِن أريا سبقتها بذلك ، حيث كانت تعلم ما يدور في عقل تلك الطفلة ، نظرات عينيها البنية تفضح مشاعرها و مايدور داخلها ، لتسألها ،
-ديسمبر ، اين هم عائلتك ؟
بسؤالها ذاك ، ذبلت عيناها ،وكأن شمعة الحماس التي كانت تضيئها قبل دقائق انطفئت ،
كرهت هذا السؤال ، الأصح انها كرهت الحديث عنهم ، فلا احداث لهم تملئ سطور حياتها ،
ابتسمت قليلا ناظرة الى السماء، مقاومة تلك الدموع التي تجمعت في عينيها ، هي لا تكرههم ، هي فقط غاضبة منهم لأنهم لم يفهموها ، لم يحاولوا على الاقل ، تذكرت أشقائها ، التي قطعت علاقتها بهم على الرغم من انهم يسكتون في بيت واحد ، لم تتكلم معهم كلمة واحدة طوال فترة طفولتها و مراهقتها ، لم تكن تلك الفتاة الانطوائية و المنعزلة ، بالعكس ، كانت اجتماعية وابتسامتها محفورة على وجهها ، كانت في فترة معينة اسعد فتاة ، عائلة تحبها ، و اصدقاء يحيطون بها من كل مكان ، أقربائها يمتدحونها دائما ، كانت الاولى على مدرستها في طفولتها ، الا ان كبرت قليلا ، و اخذت تفهم الحياة شيئا فشيئا ،
كرهت الفترة التي تلي الطفولة ، المراهقة ، كانت دائما تقول في سرها ان المراهقة تحدي و اختبار ، لطالما فشلت فيه ، بدأ كل شيء من حولها يتغير ، بعد انتهاء مرحلة الابتدائية ذهبت الى مدرسة متوسطة في الحي المجاور ، واجهت العديد من المشاكل في اول اسبوع و ذلك بسبب ان والدا ويل قد جعلوه يذهب الى مدرسة قريبة من حيهم غيرْ تلك التي ذهبت اليها ، ولكن بعدها اقنعتْ والدته انها افضل مدرسة في الحي و سيتفوقان  فيها ، لم تكن تريد ان تَنتهي هذه الصداقة ، ويل بالنسبة اليها اليد التي ترفعها بعد سقوطها في كل مرة ،كانت هنالك معلمة  ذات صوت رجولي ، و تمتلك عينان خضراوتان ، كانت العديد من الطالبات يخفن منها و يبغضونها ، لم يَمر يوماً ان لم تجعلها تُخفض رأسها لتخفي دموعها ،  في احد الايام قام و يل بالدفاع عن صديقته بعد ان بدأت بالبكاء بسببها كالعادة، صرخ عليها طالباً ان تتوقف عن إهانتها ، طفح كيلهُ ، ارسلتْ الإثنان الى غرفة المديرْ ، فصل ويل لمدة اسبوعْ بينما أُرسلتْ هي الى الحجز ، حصل شجارٌ كبيرٌ بين عائلتها و عائله ويل ، حاولت إطفائه باي وسيلة لكن والدة ويل كانت مصرة على إشعال الفتيل ، تبعت هذه المعركة العديد من المشاكل التي لطالما علمت انها هي السبب ، كرهت نفسها ، و سُميت باللعنة من قبلها ،ولكن ويل لم يتركها ، استمرت صداقتهما على الرغم من رفض العائلتان رفضا  هذه الصداقة ،ولكنهم لم يعطوا الامر أهمية كبيرة في النهاية ، فصداقتهما أكبر من ذلك.
اما بالنسبة لعلاقتها مع فتيات الفصل ،فكانت على اسوء ما يكون  ، على الرغم من انها كانت تضحك كثيرا مع زميلاتها في الفصل ، الا انها في كل كلمة تسمعها منهم ، كانت تفقد شيئا من برائتها ، حديثهم عن التبرج و الإعجاب و العلاقات ، كانوا يضحكون عليها عندما تتكلم عن احد الألعاب او البرامج التليفزيونية ، كانت تكره المدرسة لهذا السبب ، لان لا احد مثلها ، كانت تفضل منزلها على الرغم من عدم وجود  احد لمحادثته سوا ذلك الدفتر الكبير ، المزين بشعار أشخاص عزيزين على قلبها ،
بعد انتهاء فترة المتوسطة كانت تنوي تغير نفسها جذريا ، كانت تعتقد ان الخطا فيها لعدم وجود شخص بجانبها ، غير ويل طبعاً ، الا يعقل ان الجميع على خطأ و هي على صواب ،
الثانوية ، استعدت لأول يوم منها ترجوا الله ان يتغير كل شيء من حولها ، نحو الأفضل بالتأكيد ، كانت تنوي ان تكون من مشاهير المدرسة ، استغرب ويل من هذا التغير ولكنه شجعها ، ظل واقفاً بجانبها طوال طريق فشلها ،بعد ذلك ،اختارت اول مقعد من الفصل بجانب زميلتها ، والتي رحبت بها ، بعد ان اعتذرت من صديقتها الاخرى لعدم تمكنها من الجلوس بجانبها ، على الرغم من ان مكانة الثانية أعز من غيرها ، تلك و هذه و جميع الضمائر المؤنثة اتعبتها في ذلك الوقت ،كانت تجبر نفسها على الاستماع الى تلك التفاهات ، عن الجمال و المظهر و حكايات خيالية حاكتها مخيلة تلك المراهقات ، مصرين على ان لها وجود في ارض الواقع ، بدأت تشعر بأنها شاخت وهي لازالت في السادسة عشر من عمرها ،كان الكتمان و الغربة يأكلونها شيئا فشيئا ، كانت تتجاهل ذلك الشعور الذي يجولها ، شعور ان لا نصيب لها في هذه الحياة ، معللة ان هذه مجرد هرمونات مراهقة و مشاعر لا وجود لها ، اهملت نفسها ببقائها مع أناس لا مكان لها بينهم ،
حتى حسم الامر ، بيوم تعتبره مشؤوم ، لا يزال صورته معلقة في ذاكرتها ، عندما اتهمها الجميع بأنها "مجنونة" و مريضة ، حرصت أشد الحرص على ان تتخلص من هذا اللقب ،ولكن في كل تصرف كان الآخرون ينظرون له و كان المرضى النفسيين فقط من يفعلونه ،انهارت أشد انهيار و لم ترى من يساندها ، الا ويل وتلك الفتاة التي ظلت بجوارها ، والتي رفضت الجلوس بجانبها في بداية العام ، شعرت بكم هي غبية على تضيعها تلك الفرصة ، على تضيع فرصة الجلوس بجانب تلك الروح الطاهرة ، في كل مرة تتذكر هذه الذكريات السيئة تشعر بكم هو صغيرٌ عقلها ، بتفكيرها بهذه الأمور ، او بالاصح لحدوث هذه الأمور ، ان مثل هذه الذكريات يجب ان تحرق و ان لا يعترف بها الزمن ، ولكن عقلها كان مصراً ان تصب في فِكرها في كل ليلة قبل ان تخلد الى النوم،ولكنها  بخير الان على الاقل لانها اتبعت ذاتها وا اخيرا، و فعلت ما تريد ان تفعله من دون الاهتمام الى آراء الاخرين.

منذ ذالك اليوم المشؤوم على حد ما تقول، قررت ان تنتقل الى هولمز تشابل ، حصلت على شهادة الطب النفسي ، و سرعان ما اخذت احتياجاتها ذاهبة بأقرب رحلة الى تلك المدينة الهادئة ، على الرغم من رفض عائلتها بذلك القرار ، حيث خيروها بين البقاء ، او الذهاب من دون عودة ، و لكنها كانت ناضجة كفاية ، اختارت الذهاب دون عودة ، لان تلك المدينة لم و لن تحتضنها .

أجابت تلك الفتاة الجالسة أمامها بنظرات القلق التي لحقت وجهها ، لسكوتها لفترة من الزمن
لتجيبها بأول كلمات في ذهنها ،
-أوليس الحب ان تبقى وإن كان لديك الف سبب للرحيل ؟
انا رحلت عنهم لعدد يُعد على الاصابعْ .

فَراغْ مُزدَحمْ ||F.Sحيث تعيش القصص. اكتشف الآن