الفصل الثالث و العشرين

7 1 0
                                    

عندما أُحبْ شيئاً ،احبه من كلْ جوارحي ، أراه و اسمعه و اشمهُ و التمسهُ و اتذوقهُ في كل شيء ، احب الحزن و الفرح الذيْ اتلقاهُ منه ، وأنا احببتُ ستيڤان منذ اليوم الذي رمى حقيبتي في النهر ، احببتُ كُل تفصيلٍ يخصه ، سِتٌ و ثلاثون رِمشاً كانتْ مشابهةً للسلم الموسيقي ،بصعودها و نزولها تُنتج اجمل مقطوعات ، كان الفتى المشاغب الجامح ، اتذكرُ مرةٍ عندما كُنا صِغاراً قد وقع و جرحَ رُكبته جرحاً عميقاً ،رفضَ ان اعقمه له مُرتدياً قناع اللامبالاة ومتاكدةٌ ان خلف هذا القناع طِفلٌ صغير يبكي بارتعاش ،وافق واخيرا على عرض مساعدتي ، وكان ينظر الي اثناء تنظيفي لجرحهْ و من هنا علمتُ او -تخيلتُ- انه معجبٌ بي و يبادلني نفس المشاعرْ،و على مرّ السنين التي عشتها معه لم الحظّ اقتراباً من قِبلهْ ، كنت ارى نفسي الوحيدة في هذه العلاقة ، و  لكن النهاية كانت مرسومةً في مخيلتي من صالحيْ ، الى ان جاءت تلك الطفلة ديسمبر ، والتي بدات اكره نفسي لأنني أصبحت اكرهها ، التغير المَلحوظ في تَصرفات ستيڤان معها كان يُرعبني. قبل أن يختَطِفها او يستعيرها مثلما يقول كان دائما ينظر الى صورها ، مُتعلالاً انه يحاول ان يعرف شخصيتها وما الى ذلك لان التعامل معها سيكون صعبا بوصفها طبيبة نفسية ، ولكنه لم يكن يفعل ذلك ، كان يبتسمُ  كلما نظر الى عينيها ،
طوال الطريق و هما يتحدثان ، كانا مندمجانِ جداً ليس و كأن ما تربطهما هي علاقة خاطف و مخطوف ، غنتْ له و ألقى الشعر لها ينقصها كاسُ من النبيذ فقط ،
ليبدأ ستيڤان بسؤالها اسئلةً لم اتخيل يوماً ان ستيفان الذي اعرفه قد يسأل كائناً حيّا يوما بمثل هذه الاسئلة ،ستيڤان الذي اعرفه لا يعترفُ بالمشاعر من الاساس ، لا يصدق بالعلاقات الغرامية العابرة و لا يحب سوى الحقيقة و الواقع ، أحياناً أظن انه لا يتخيل او يحلم و هاهو الان يسال ديسمبر عن علاقتها العاطفية و ان كانت قد تعرضت للخيانة من قبل ، كان مُتشوقاً الى إجابتها شوق الطفل الصغير برؤية والدته بعد العودة من المدرسة ، اخبرها انه حتى و لو كان هنالك و قام بخيانتها فهو اغبى شخص على هذه الكره الارضية ،ضحكت و ظنت انه يمزح و لكنه ابتسم و قال ان من تتخذه شريكا لحياتها أشد البشر حظاً ،اخبرها عن تفاصيل في حياته لم يخبرني بها ،سألها عن كل شيء تحبه و توقف في الطريق ليشتري لها طعامها المفضل و لم يكتفي بذلك بل أطعمها بنفسه بحجة انهم يريدون الإسراع ،كان تصرفاته و كلامه سكينا يخدش قلبي في كل حرف و فعل ، و من سوء حظي ان التوقيت سيء و المكان كذلك و لكنني على الرغمِ من ذلك ساعترف له بحبي املاةً إنقاذ هذه العلاقة التي بنيتها في خيالي ..

بحثت في نظري في كل ركنٍ حولي عن مخارج الطوارىء، كانت عادةٌ تلازمني خوفاً من ان يحدث شيءْ سيء لكي استطيع ان أنجو بسرعة ، وجدته و كان فارغاً و مُزدحماً بنفس الوقت ، ناداني ستيڤان لِتَسلم الحقائب لنقف عند طابور ختم التذاكر ، نظرتُ الى مستمسكاتي المزيفة ، كان اسمُ كاميل يتوسطها كلها، احسست ان اسمي الحقيقي باتَ لا فائدةً منه ، اخر مرة اتذكر سماعهُ كان من مدير مجموعتنا موبخا لي لأنني اقوم بتعطيل الة القهوة في كل مرة ألمسها ، ما ذنبي ان كانت النوعية سيئة ، اخذت أردده بين شفتي محاولةً ان اتذكرُ طريقة نطقهْ ، جويا ، وجدته غريبا كالعادة ، لم احببه يوماً ربما لان عمتي اختارته لي ، و هي تحتل راس قائمة الاشخاص الذين أكرههم ، لطالما كان اسم جويا يحتوي على معناً دَفين لم يعرفه خارج اطار عائلتنا سوا ويل ، والذي اعتبره عائلتي،
لاحظت ان الطابور قد تقلص و هاهي أريا تستلم تذكرتها متوجهة الى البوابة لانتظارنا ، تقدمت نحو تلك العاملة التي تبدو كالالي المُبرمج لقول "يومٌ سعيد"  "هلا انتظرتِ قليلا يا سيدتيْ " نظرت اليها بشفقة ، رفعت نظرها لي لتُِدقق بين الصورة و المواصفات المدونة على الوثائق ، شعرت بالخوف وأستطيع الشعور بنظرات ستيڤان علي ، لكنني لم أتحرك ساكناً مُطبقةً ما أوصاني عليه ، لتسألني بهدوء
-أنتِ تستخدمين العدسات اللاصقة أليس كذلك ؟
-اجل
-لمَ سُجل ان لونِ عينيكِ خضراء ، هذا لا يجوز!
-لدي خللٌ في عيني اليُمنى ، و لقد قمت بعدة عمليات أدت في النهاية الى تشوهٌ في عيني ، لذا انا أرتدي العدسات اللاصقة بصورة دائمة
نظرت بعيداً و من ثم اكملت ،
-انا حقا اشعرُ بالخجل الان منكِ لأنكِ عرفتي سِريّ الصغير ،
ولأنها فتاة حمقاء صدقت قصتي الخيالية و سرعان ما اعتذرت طالبةً مني الرجاء و تطلق بين كل كلمة صوتاً حزينا و هي تنظر الي بشفقة ، يالا العار لقد انعكست الأدوار ، هي أصبحت من ينظر الي بشفقة الان ، بعد جولة النفاق التي خضتها معها انسحبتُ نحو الامام بجانب ستيفان ، وانا اشعر بأنني كتلة من الكذب تسير على قدمين ، و كان ستيفان يشعر بالعكس ، حيث استقبلني بابتسامة كبيرة مُنذهلاً مما قمتُ بفعله قبل قليل ، و هو يلقي كلمات الثناء علي ، خرجنا بعدها الى الممر الطويل داخلين الطائرة نحو وجهتنا التالية ، اسبانيا.

فَراغْ مُزدَحمْ ||F.Sحيث تعيش القصص. اكتشف الآن