الفصل الخامس و العشرين

8 1 0
                                    

لَمْ أُفكرْ إنْ أحداً غيريْ قَدْ ينظر اليها بالطريقة التي افعلها انا ، و كأنني نَسيتُ ان مَنْ حَوليْ من الجنس البشري اللعين، كانا يتحدثان طوال الوقت ، لم اقل شيئاً لان ما يحدث لها الان يكفيها حقاً ، و اعلمْ ان رحلة الطيران سَتخففُ عليها و لو قليلا لانها تحب الطريق اكثرْ من الوِجهة، عَرفتُ انني ساندم من اللحظة الاولى لأنني لم اجلس بجانبها ، من يسمعني سيضن انها تفاصيلٌ سَخيفة لا أهمية لها ، ولكنني أقدس التفاصيل الصغيرة ، و خُصوصا تَفاصيلها، اشْغلتُ نَفْسِي بالعمل على الخطة فيما بعد ، ولكن كَلماتهِ المَعسولةَ لها كانت تقع وقوع الرعدْ على قلبيْ ،الا ان لمسها ، لمس خصلةٍ من شعرها ، لَمسْ شيئا خاصتي وليسْ اي شيءْ انها دي
خاصتيْ.
حاولت باي طريقة ان اجعل طريقتي بالحديث معه مُهذبة لكي لا أتسبب بالمشاكل و لكن هيهاتْ
-ماذا تَضنْ إِنَّكَ فاعلاً أيها اللعين ؟
قُلت للعاهر بعد ان قُمتُ بسحبها بقوة تِجاهي ، تَجمدت تماماً بينما هو عاد خطوةً الى الخلف و هو يصرخ "اهدأ يا هذا !" ولكن غَضبي إزداد أضعافاً اشرت الى أريا بان تاخذ الحقائب و ان تُغادر ، ثوانٍ هي و جسدهُ المَفتول كان ساقطاً على الارض بسبب ضربةٍ مني ، لتصرخ ديسمبر و تذهبْ بسرعة تجاهه لتمسك وجنتيه ليغرق كفيها بالدماء ،جاء الحراس و هنا تاكدت انني في مشكلة كبيرة ،اخذوني من جانبهما بينما لم ترفع ديسمبر نظرها عنه لي ، و هذه ثاني مرة اشعر بالحزن يستوطن قلبي ، كانت الاولى عندما علمت ما اصاب ابيْ ، ادخلاني بقسوة الى غرفة في داخل المطار ، ليتكلم الحارس المُتكتل بالدهون بعباراتٍ حَفظتها ، و لكنني كُنتُ ارتجف من الخوف من ان يتعرفوا على هَويتي ، ففي النهاية انا هارب و خاطف مطلوب ، حَاولت التهْربْ بأسهل طريقةٍ عرفتها ،اخرجت له مجموعة كبيرة من الدولارات ، ليأخذها مبتسما و هو يقول
-ولكن يمكننا ان نتغاضى هذه المرة
جشعٌ لعين سمين ، كان الامر سهلاً كاللعنة ، انا متاكد ان الناس في السنين القليلة القادمة سوف تعبدْ الاوراق النقدية ، ياله تفاهتهم ، هُمْ لا يعلمون ان الصحة هي اهم شيئاً في هذه الحياة ، وان الانسان في اي لحظةً مهددٌ بالموتْ، خرجت من الغرفة و الابتسامةُ على محياي ،لِتَستقْبـلني عيناها العسليتان الحمراء لقد كانت تبكي ، كُنتُ سأتحدث و لكنها سَبقتني بلكمة قوية مباشرةً في وجهي جعلتني ارجع الى الخلف عدة خِطوات ،لَقَدْ طفح الكيل لَقَدْ تَجاوزتْ حدودها كَثيراً ،قُلتُ لها وانا  اقبض يدي على معصمها محاولا الهدوء
-سَاتغاضى عن فعلتك هذه و سِيري امامي،الان
-مالذي فَعلتهُ أيها المجنونْ! لمَ ضَرْبت راج هكذا ! هل فقدت عقلك ؟!
-لَقَدْ كان يتوددْ لك طوال الوقت و أمسك بشعرك ، من يعلم ما كانَ سَيفعلهُ ان تركته اكثر ، عَلَيْكِ ان تشكريني للوالي لأنتي الان في احد الغرفْ القذرة و غارقة بدموعك
-و هل ستضرب كلّ من يَتوددُ لي الى ان يَنزف ؟ أنتَ لستَ مسوؤلٌ عَنِّي يا سيدْ!
ثار غضبي ،اقتربت لها وانا اقول لها بهدوء و بحدة شديدة
-اخبرتكِ ان المطاف كان سينتهي بك وانتِ بغرفةٍ قذرة ، هل تريدين هذا ،أنتِ تُثبتين لي انكِ عاهرة يا ديسمبر.
تَوسعتْ عينيها و هي تنظر لي بِصدمة ، ابتعدت عدةَ خُطواتْ و هي تَهمس
-أنتَ مريض ، اقسمُ أنكَ مريضٌ
-انظري الى الجميعْ هنا ! انظري لَهمْ جَمِيعاً ! لا احد هنا مريضٌ غيركْ ، يُوجد شهودٌ و توجد ادلة و توجد تقاريراً تُثبت ذلك
قلتها بصراخٍ جَعَل الجميعْ في الصالة ينظر لنا، سَقطتْ دموعها هذه المرة و هي تعود الى الخلف و تبحث عن شيء لتستندْ اليه ، اخذتْ تَرمشُ بسرعة و هي تهز راسها بالنفي ، علمت انها اصيبت بانهيار عصبي نتيجة الحالة التي تَمرُ بها ، وإنني بمصيبة كبيرة لان دوائها ليس مَعيْ، لا اعلم حقاً ما اللعنة التي خرجت من فمي ،اخذت اقول كل كلمة مسمومة تأتي في عقلي،لا استطيع تصديق انني وصفتها بالعاهرة ،وصفت فتاتي بتلك الصفة اللعينة ،اردت لحظتها ان اموت مئات المرات ،و اللعنة كُنتُ غاضب من اللعين ذاك و ها انا قد صببت غضبي عليها
-ديسمبر..
قُلتها بهدوءْ مُحاولاً ان تَعوَّد لوعيها ، هي ليست بخيرٍ البتة ، لم تَستمع لي و ظلت تبكي ،و هي تبتعد عني ،حاولت الاقترابَ مِنْهَا لتهدئتها و لكنها دفعتي و سارت امامي مُحتظنتاً نَفسَها ، في ذلك الحين كانت أريا قد استعارات سيارة من احد أصدقاءها هُنَا ، اشارت إلينا و قد سَبقتني ديسمبر بالصِعود في المَقعد الخلفي ، كانت لا زالت على نفس وضعيتها رأيت أريا و على وجهها علامات التعجب بينما تسألها ، و لكن حالة الارتجاف و البكاء لازالت تُلازمها ،صَعدت بجانب أريا و اغمضتُ عينيْ ،كُل ما اريدهُ هو ان يتوقف كل شيء للحظة ، لم اشعر بمثل هذا الضغط في حياتي، بدأت أريا القيادة و هي صامتة ، لانها تعلم ان لا شيء بخير ، نظرت من مرآة السائق الى ديسمبر ، كانت على نفس حالتها الا انها اصبحتُ تبكي بصمتْ ، نظرت الى ما كانت تنظر اليه اي الى النافذة ،محاولا ان اجد ما تبحث عنه ، و وجدت الكثير من الفراغ وفي كل جهة منه -هذا الفراغ- كُنتُ اجد ذكرى مُعينة فيه ،بَعضها جميلةٌ و بعضها مُرّه ،كانت نافذة السيارة كالمسرح ، رأيت فيها نفسي و راجعتها على مر سنواتْ ،وجدتُ نفسي و شَعرتُ بشعور غريب تجاه ديسمبر ، شَعرتُ انني وجدتها من الداخلْ و كَمْ كانتْ متشابكة بكثافة ، ارى نفسي الان قريبٌ منها جداً اكثر مما سبقْ ، و كأنْ ارواحنا اجتمعت في ذلك الفراغ المزدحم بمشاعر لن يفهمها سوانا.

فَراغْ مُزدَحمْ ||F.Sحيث تعيش القصص. اكتشف الآن