الفصل الرابع و الثلاثين

12 1 0
                                    

كانت احلامي بسيطة ،كُنتُ اتمنىٰ ان أعمل كَساعيةِ بريد حيثُ اقُوم بإيصال كميةً كبيرةً مِن الحروف و المشاعر الحُبْ من و الى و العُشاقْ،أَن اقومْ بِصناعةَ طَيارتات ورقيةَ و أبيعها على ساحل البحر ،الى ان صُدمتْ يوماً بانني قد ولدتُ في زَمنٍ إِنقرض فيه البَريدْ و الرَسائل و دُفن اخر ساعي بريدْ قَبلْ اعوامٍ مِنْ قِبل التَطور ،و إن بلادي لا تَحتوي على بحر و لا على ساحلْ.
كم كانت ستكون الحياة جميلة لو لم تكن فيها جدران ،ولكننيْ لا اقصدُ الجدران الفِعلية المَصنوعة من طابوق،بل تلك الجدران الموجودة في عقول الناس و التي تَمنعهم من عيش حياتهم مثلما يُرِيدُون ،ان الانسان موهوبٌ بطبيعتهِ و لكن كلام الاخرين يجعله داخل فقاعة سميكة طوال حياته ،ما العيب في ان تَفعل ما تريد حتى و ان كان عيباً ؟انها حياتكْ الخاصة يا هذا متى ستعيشها ،تخيل فقط ان تخرج في حقل من زهور عُبَّاد الشمس ،و فجاةً تسقط على مجموعة كبيرة منها ، ان يتشابك شعركْ مع أغصانها ، ان تتسلقْ الحَشراتْ الى وجهك و تُداعبك ، ان تضحك الشمس لَكَ ،ان تشعر بالهواء يدخل الى كُل قُصيبةٍ من رئتيكْ ، تخيل ان ضحكات الاطفال و هم يسبحون بالطين ،ان لا يتركوا بقعة واحدة من اجسادهم القطنية من دون ان يملأوها بالطين و القذارة، تخيل ذلك الشعور المُخيف الذي كان ينتابكْ عندما كُنتُ تتذوق كريمة الكعك من دون ان تراك والدتك ، كم كانت لحظاتِ سريعة أشبه بالقرون من شدة الخوف الذي ينتابك، أوَليست هي الاجمل ؟ تخيل سعادة الفلاح بِنمو مَحصوله و الرسام بانتهاء لوحته و العامل بانهاء البناء و الطالب بعلامتهِ مهما كانت و الطبيب بانقاذ  احدى الأرواح ،أوَليست الحياة جميلة ؟ الحياة نعمة و معجزة علينا تقديرها ،أليس من المُحزن ان تَمضي بحياتكْ  حزيناً بائساً بسبب تلك القيود اللعينة ؟ تخلص من ذلك الجدار اللعين لانك ان بقيت ساكناً سيزداد بالارتفاع الى ان يختل توازنه و يقع عليك و يقتلكْ.

لطالما اعجبتني مَقولة "ان هنالكَ لحظة تستطيع ان تُغير مليون لحظة" ولكنني لم آمن بها ،لأسباب عديدة و منها ان هذه المقولة و مثيلاتها قَدْ قيلت من عقلٍ يُفكرْ بالخيال فقط ،لذا فإنها لن تتحقق الا في الخيالْ،جميع هذا الصخب سيزول يوماً و يحل محله الطمأنينة و السكون ،ستصبح اساسيات حياتنا اليوم مُجردْ اشياء لن نقوم بها حتى في وقت الفراغ ،سيتطور كل شيء ليصبح إبسط ،تطورٌ سيتعرف عليه الأقدمون مباشرةً ،كُل هذه الحياة التي نعيشها يومياً سوى حكاية تَتَبدلُ فيها الأدوار بشكلٍ مستمر و نحن فقط من نستطيع ان نحدد ان كانت حزينةً ام سعيدةْ،عندما كُنتُ اصغر ،كُنتُ دائما افكر في ان اكتب في وصيتي ان لا يَتمْ دَفَّني لأنني اخافْ،اخاف من ان يأكلني الدود شيئا فشيئا،احاف من ان أتعذب في قبري،اخاف من الظلام،و لكن الان لا مانع لدي بان أدفن تحت البحر الاسود ،لان جوهرا قد لمع في فؤادي بعد كُل هذه السنوات ، انه شيء عظيم و مُقَدَّس ،انه الحُبْ ، في صِغري عندما كُنتُ أمرض و يصيبني الصُداع احاول ان أتخيّله شيئا نقيضاً له و يعادله ،اي كلما زاد الالم تخيلتهُ شيئا جميلاً اكثرْ،لأنني كما و سبق ان قلت اعيش نصف حياتي داخل خياليْ ،ولكن لم استطع فعل هذا الامر في هذه المرة ،كل ضربةٍ تُلامس بشرتي تمنح جَسدي شرارة كهربائية تنتقل الى الدماغ ليعمل بصورة اكفىء،ليقوم لتذكيري بجميع لللعنات التي مررت بها في حياتي ،كانت عصى غليظة مثل قلوبهم يمسكها احد رجال ادم العمالقة بعد ان قام بتقيد يداي بأحد العواميد الخشبية المثبتة للقبو، استطيع الشعور بشظايا للخشب و هي تغرس بظهري واحدة تلوالاخرى،تعبت من الشعور بالام أمامه،كان ينظر لي و على وجهه ابتسامة عريضة ،بعد وقت ليس بالقصير امر احد رجاله بقطع الحبل الذي يقيدني ،فقام بذلك و رماني على الارض بكل معنى القسوة ،لا اعرف كيف استطعت التقاط أنفاسي ولكنني نجحت بذلك بصعوبة ،شَعرتُ بالدماء تسيل من جَسدي و خصوصا من منطقة الرصاصة،كل ما اريده هو الموت،انا لا استطيع تحمل هذا الالم،انا صغيرة على كل هذا حقاً ! صغيرة على الشعور بالالم العظيم في كل أنحاء جَسدي، صغيرة على ان أرافق الغرباء و مساعدتهم و ان اقطع دولاً من اجلهم، صغيرة على الوقوع بالحب ،صغيرة على دخولي لهذا الفراغ الشاسع المزدحم ،صغيرة للتفكير بأجوبة لأسئلة طرحها عقلي اللعين على الرغم من علمه التام انني لا اعرف الاجابة ،او بالاحرى ان لا اجابة لسؤالي.
-سياتي حبيبك الان صغيرتيْ،ستخبريه ان تركيبة العلاج كانت خاطئة ،و ستكتبين كل ما توصلتي له الان و حالا و تعطيه لي،وإلا اشياء كثيرة ستحصل و واثق من انها ستزعجك
اخبرني و أكد على كلامه الاخير و هو يضغط على اسنانه ،اللعين لا يعلم انني بِتُ لا اخاف بعد كل الصراخ الذي سمعته من ستيڤان!
-افضل الموت على فعل هذا أيها القذر،
و لأول مرك بحياتي اقول شيئا بهذه الثقة ،رُسمت ابتسامةً على وجهي و لا شك انها ابتسامة النصر و سأتجاهل ذكر تلك الدموع التي سقطت من عيناني،
و لكن هيهات اختفت ابتسامتي بعد ثواني من سماع كلماته
-لن اقوم بلمس شعرة منك ديسمبر ،سأقطع ستيڤان قطعة قطعة أمامك ،سأبدأ بتعذيبه و من ثم قتله ،اقسم انني ساطبخ من لحمه و أكله أمامك ،لذا أعيدي التفكير صغيرتيْ !
جفلتْ ،لم اكره حياتي من قبل هكذا،هو يعلم نقطة ضعفي الان،ما ان تخيلت ما قاله على ستيڤان أنهرت بالبكاء،انا لا استطيع ان أراه و هو يتالم فما بالك ان كان يقتل! افضل ان اموت مئة المرات يوميا على موت ستيڤان ،افضل ان أدفن و انا حية على ان يصيبه مكروه،ستيڤان سيكرهني كثيرا لفعلتي و انا متاكدة من انه لن يفهمني يوماً لأنني انا الاخرى لم افعل ذلك بعد،هو لن يستطيع توبيخي لأنني لن اكون هنا عند انتهاء كل شيء،و انا اعلمْ جيدا انه يفضّل ان يموت على ان يحدث خطا في مهمة إنقاذ والده،فكرت في هذه الدقائق كَثيراً،ان ادم لا يريد من ستيفان الحصول على العلاج لانه ببساطة لا يريد استيقاظ والده و بالتالي سَيفضح كل عمله،وانا لا استطيع ان اكذب على ستيڤان وانا انظر الى عيناه لا اريد تلويث ملجئي الوحيد ،زرقاوتيه. لذا حسمت ألامر في عقلي،لن اكذب على ستيڤان و لكنني ساكذب على إدم، و اذهب من كل هذا الزحام الى فراغ مُزدحم اخر.
ان الحياة خلال هذه السنوات القليلة التي عشتها ملأتني بالمعلومات و المعرفة ،ولكن على الرغم من كل هذا ،الى الان و لا استطيعُ التمييز بين الصَواب و الخطاً ،و اعيد خطأي مئات المرات،في نظري ان كل شيء خاطىء كان صواباً أولاً ،و لكنه و في احدى نقاط سيره تحول الى شيء خاطىء،لهذا انا اسعى لكي امر بجميع الطرق الى نقطة تحوله،ولكنها دوماً كانت من الاولويات السير و عبور هذه النقطة بالضبط فافسدت كل شيء،داخلي مظلمْ و مؤذي بطريقة وحشية ،و لا استطيع ان اعلمْ ان كنتْ استغل هذه الصفة بشكل جيد، لطالما اذيت الكثير من حولي بحكم انني احمي الذين احبهم ،ولكنني بنفسي لا استطيع تصديق هذا ،انا لا اكّذب ان جزء صغيرا للدفاع عنهم و لكن نيتي ليس شفافة تماماً، لان العِدوانية تُعكرها دائما،هكذا انا كما قيل لي سابقاً..
حاولت تذكر كل شيء حدث لي بالفترة الاخيرة مُتأملاةً ضوء القمر الذي ينعكس على الأريكة الجلدية امامي،كيف حدث هذا الامر من البداية ؟انا لا اذكر ولكنه متعلق بعملي ،اعني احدى القضايا بالتأكيد،و بالتدريج تذكرت كل شيء،وقاحة ستيڤان يوم الاستجواب ،كان اللعين فظاً!لو عاد بي الزمن لاستجوبته كل يوم ،لارتكاب جرائم إضافية و ألصقتها باسمه لاستجوابه فقط، لبقي يسخر و انا اراقبه،اقول اشيئاً سَخيفة فقط لكي يسخر مني ،هل حقاً وصلت الى هذه الدرجة لكي افكر هكذا؟ تذكرت احتضانه لي ،و شَعرتُ بالدفء لا ارادياً،عانقت الهواء بصعوبة بسبب كتفي محاولة استرجاع تلك الذكرى التي ستظل الأعظم في حياتي .

فَراغْ مُزدَحمْ ||F.Sحيث تعيش القصص. اكتشف الآن