"2"

528 37 192
                                    

( الاثنين 21.)

ظل بالمشفى مع زوجته ، فقدت النطق وحالتها النفسية في الحضيض كما قال الطبيب ، أعطوها مهدئ ومنذ أفاقت وهي تبكي بصمت وحرقة

دخل إليها هامساً : منة

كانت ساكنة توقفت عن البكاء ومستلقية على الفراش ، تنظر للسقف بتيه ، تبدو كمومياء ، بتلك النظرة التي فقدت حياتها ...

لم تتحرك ولم ترمش حتى ، فجلس جوارها قائلا : منة هنلاقيه صدقيني ، هيرجع

وهي ثابتة كما هي ، كالصخر لم تتحرك بتاتاً ، أمسك بكفها يحاول التواصل معها او تنبيهها ، كانت باردة كالثلج

_ منة عشان خاطري ابقي اقوى من كده ، عشان خاطر أنس ...

اغمضت عيناها بألم وقد سقطت عبراتها من جديد ، لو كان هذا حلماً ، لكان أسوء أحلامها ، بل ابغضها واقبحها

ولكن هذا ليس بحلم هو واقع تلمسه ، لمسته حين امتدت يدها لتتحسس صغيرها النائم لتستوعب أن فراشه فارغ وأنه مفقود ، هو واقع تشعر به ، حين سمعت صوته يناديها فتتوجه لغرفته لتجدها فارغة منه ، لتجد قلباً مفطوراً ، قلباً تفتت قطعاً بداخلها ، أكثر من أي مرة تألمت بها وزوجها الوغد يسبها أو يضربها ، أكثر من أي ألم مرت به في حياتها ، فقدت صغيرها ....

نبهها قائلا : منة

فتحت عيناها تتمنى أن يكون هذا حلم والاحمق ايقظها لتجهز ملابسه للعمل كما المعتاد ، وقتها لن تسميه وغد او أحمق ، بل سيكون بطلاً انقذها من غياهب أحلامها القاتلة ، ولكن التمني لا يغني من الواقع شيئا ..

سقف الحجرة الابيض وحامل المحاليل جوارها جعلتها توقن أن هذا ليس بحلم ، هذا اسوء واقع قد تعيش به ..

_ حبيبتي متخافيش هنلاقيه

حبيبته ! ، حبيبته بعد أن ضربها وأهانها وفعل كل ما فعل بها ، بعدما ضرب صغيرها بعدما تسبب له بمرض نفسي بعدما كان يجعل الصغير يموت رعباً كل يوم حين يسمعه يصرخ ويضرب كل ما يقابله

لو عاد صغيرها ما كانت لتظل زوجته ليس بعد كل ما فعل به ، لو عاد الصغير لن تجعل أي شيء يحزنه او يؤذيه فقط ليعود ، فقط ليعود لحضنها وتشتم عبق خصلاته القصيرة ، فقط ليعود وتشعر بيده الصغيرة تلتف حول اصبعها ، أو تضم رأسها بحنان ، فقط لتسمع صوته يناديها ، او يسألها إن كانت بخير ، فقط ليعود وتدفنه في حضنها لتجتمع ضربات قلبه مع ضربات قلبها كما كان يحدث وهو برحمها ، لو عاد ...

ضوء الشمس يتسلل من النافذة بتوجس ، لتثبت رقعة مضيئة أعلى الجدار جوارها ، اخذ منها وليد مقدار رأسه ، ليظهر ظله على الحائط أسفل الرقعة المضيئة

أنس كان تلك الرقعة المضيئة ، هي أضاءت الغرفة وهو اضاء حياتها ، ووليد كما هو ، كان يأخذ من روح الفتى كما أخذ من الاشعة النافذة للغرفة ، ليبقى لها منه رقعة مضيئة كتلك ، ولكن الآن .... لم يبق منه شيء ، فقد اختطفه الاوغاد ، وعم السواد بحياتها وإن لم يعم الغرفة بعد...

دموع السماءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن