ابتسمت الفتاة بهدوء مُفتعل .. و ظلّت هكذا .. تعبث بأعصابه .. قبل أن تجيب .. سمعا طرقاً عالياً علي الباب .. طرقاً مُزعج! أكثر من طرقات ياسر منذ ساعات!
اتي ياسر من الداخل مهرولاً يشير لزياد بعلامة عدم الفهم فتحدّث زياد بهمس:
"العربية أكيد كان فيها جهاز تتبُّع .."
"كده عرفوا مكانك خلاص .. هنعمل ايه؟!"
قالها ياسر مُزيداً للهمس مما جعل الفتاة تنظر بريبة للشابّين .. هل هذا مخبأ سريّ أو شيء من هذا القبيل؟!
أشار زياد لرفيقيه ليذهبوا للداخل، فاستوقفته الفتاة متداركة الموقف قائلة بهمس:
" أنا ممكن اساعدكم ف أي حاجة .. هعمل كإني صاحبة البيت"
نظر ياسر و زياد إلي بعضهم البعض و قال ياسر بسرعة حين زاد الطرق علي الباب حتي علي أكثر من صوت الرعد:
"خليها تتصرف يا زياد و ندخل أنا و انت جوّة!"
ظل زياد ينظر لهما في حيرة .. لكن صوت الباب لم يمهله لحظات إضافية للتفكير، اقتربت الفتاة من الباب بسرعة و أشارت لهم بأن يختبئوا بالداخل .. و بعد أن دخلوا لممر الغُرف فتحت هي جزء من الباب فاباتسامة قلقِة و قالت بصوت عالٍ ليسمعها الرجلان الواقفان أمام الباب بغضب:
"فيه حد يخبّط كده؟ نعم؟ انتم مين؟!"
نظر كلا الرجلين لبعضهم البعض فتكلم أحدهم مهدئاً من روعه:
"هو مش ده بيت الأستاذ زياد؟ .. زياد رؤوف الحريري؟! "
أثارت هيبتهم رهبتها، فكانوا شابّين عظيما الجسم بطولٍ مريع، يمسك أحدهم مِظلّة سوداء كبيرة تمنع عن رأسيهم الماء الغزير المنهمر من السماء .. هزّت رأسها متصنعّة الخوف قائلة:
"لأ ده بيتي أنا! انتم غلطتوا في العنوان! انتوا إزاي دخلتوا من باب الجنينة!"
تنهد الرجل المتحدث قائلاً:
"آسفين علي الإزعاج بس الباب كام مفتوح"
و بمجرد أن قالوها جذبوا الباب لبغلقوه بعنف - بوجهها- و انصرفوا، تابعتهم هي من النافذة الكبيرة بجانب الباب بحذر .. رأتهم يركبون سيّارة سوداء فخمة .. رأت مثلها و هي في طريقها إلي هنا! .. و حين إنصرفوا، أغلقت الستار و نادت:
"خلاص مشيو"
أتي ياسر عابساً يسألها:
"قالولك ايه؟ أنا مسمعتش حاجة؟"
"متقلقش قولتلهم إن ده بيتي و إن مفيش حد بالإسم الي قالوا عليه .. بس ثواني .. هو زياد .. يبقي إبن الملياردير الكبير رؤوف الحريري ؟؟ الي عنده نُص فنادق شرم الشيخ ؟؟"
هزّ ياسر رأسه، و فتحت الفتاة شفتيها لتتحدّث لكنها تفاجأت بزياد قادم من الداخل، يرتدي ملابس ثقيلة للغاية، بلوفر صوفيّ من اللون الرمادي الداكن،بنطال أسود و جاكت من الجلد، مع كوفيّة و آيس كاب يُخفي شعره .. ف وضحت ملامح وجهه حادّ الملامح .. تلمع عيناه السوداء ب لمعة غريبة ..بها لُغزٌ ما! .. قذف ل ياسر مِعطَف كبير، و آخر يشابه الذي يرتديه قذفه في وجه الفتاة فأمسكته و صاحت:
"ايه المعاملة دي!! اشكرني طيب ولا قول حاجة!"
ارتدي ياسر معطفه بصمت بينما زياد يتحدث بحدّة:
"ياسر .. وصّلها لحد بيتها و حصّلني ع القصر"
"قصر؟!"
قالتها الفتاة صارخةً بدهشة، بينما ياسر همّ متحدثاً بنبرة قلق:
"مفيش غير عربية واحدة .. روح انت بيها"
و مدّ يده بالفتاح -الذي كان بجيبه- لزياد، فرفضه زياد و أرجع ياسر يده:
"مش هتفرق أروحله إزاي .. المهم أروحله و أقطع العلاقة دي و بس"
قالها و أنصرف من أمامهم، فاتحاً الباب و خرج مسرعاً .. وحين حاول ياسر اللحاق به كان زياد قد اختفي تماماً .. وقتها نظر ياسر للفتاة بهدوء ليجدها تُمسك بالسترة فوق رأسها و حقيبتها في يدها الاخري مستعدة للرحيل .. فأشار لها علي الباب ..
_________
الماء ينهمر بغزارة.. ليس ماء فقط .. بل مصحوباً ب كرات ثلج صغيرة لا يتعدي حجمها نصف عقلة اصبع .. ابتلّت طاقيّته الصوفية علي رأسه فأسرع الخُطي للأمام، أنفاسه المُلتهبة تتصادم مع الهواء البارد فتتصاعد كأبخرة غزيرة .. بعد دقائق أصبح في شارعٍ عمومي -ليس كالشارع الهادئ الذي كان به منزله الخاص- فأوقف تاكسي .. الطريق أمامه طويل ..
________
** ياريت من أول هنا تسمعوا الموسيقي دي و تقعدوا تعيدوها كل ما تخلص .. لحد نهاية الحلقة**
ساوند كلاود:
تجي؟ by SomeOne
https://soundcloud.com/hf112233/fp6htl12qtdi
________
في السيارة السوداء المكشوفة، التي اُعيد غطائها نظراً للحالة الجويّة السيئة .. قاد ياسر السيّارة بسرعة و هدوء بينما الفتاة تجلس بجانبه تندِب حظّها .. تستشيط غضباً من كل ما يحدُث .. تُحاول تذكر آخر مرة وقف القدر في صفّها!
منذ أن استيقظت و هي تضع برنامج اليوم أمام عينيها بشوق! .. تُقابل أمنيتها بذراعين مفتوحتين علي مصرعيهما .. أرادت أن تُقابل زياد، يرسم لها بورتيه،تمضي بعض الوقت اللطيف معه و تعود لمنزلها لتشاهد فيلم السهرة! علي وعد منه بأن تزوره لاحقاً!.. و من الواضح أن لا شيء من هذا سيتحقق .. حتي فيلم السهرة مشكوك بأمره!
نظرت علي ياسر الذي كان صامتاً للغاية .. بالطبع هو قلق علي صديقه .. وقتها حسدت علاقتهما .. فمع أن زياد يشكوا من الوحدة دائماً .. ومن أن لا أحد يهتم بأمره .. فهو بالطبع لم يكن يغفل وجود شخص مثل ياسر بجانبه .. من بعض المواقف وجدت اهتمام ياسر الغير طبيعي نحو زياد .. كأنه أمه! .. لكن زياد يفتقد شخص بعينه .. أدي إلي تلك الوحدة التي يتحدّث عنها زياد طوال الوقت .. تذكرّت بعض كلماته علي موقع "آسك":
" سعات مبعرفش أنام من صوت الطفل الصغير الي جوايا .. بيبكي بصوت مسموع علي فراق الي حبّهم"
فراق؟! .. توقفت عند هذه الكلمة أكثر من مرّة .. أي فراق يقصد؟! ... لم يكن أمامها أي اختيارات تنسب إليها الموضوع .. لكن الموضوع حقاً يثير فضولها!!
________
الطريق طويل .. و السائق يقود ببطئ و كأنه يُنزِّه سائحاً .. الماء علي الطريق لا يترك مجالاً لإطلاق العنان للقيادة السريعة علي الطريق شبه الخالي .. تتصاعد أنغام أغنية كاظم الساهر "عيد العُشّاق" بينما مشاهد الثنائيات بالخارج يركضون تحت المطر كالحُلم .. لا يدركه غير السائق، فينظر و يبتسم بين الحين و الآخر .. تاركاً من يوصله في عالمه الخاص ..
عالم من أفكار لا يشغلها إلا شيء واحد .. الوداع!
________
وصل ياسر أمام البناية التي تسكن فيها الفتاة، أوقف السيارة و ودّعها .. تبادلت معه رقمها و جعلته يعدها بأن يطمئنها علي حالة زياد .. فتعجّب هو من ذلك لكنه وافق!
"انا لازم ألحقه .. أطلعي انتِ علي طول و هطمنك .."
هزّت الفتاة رأسها موافقة ناظرة له بقلق، خرجت من السيارة و وضعت سترة زياد علي رأسها .. لم تفكر في إعادتها الآن حتي .. لا تفكر في البورتريه حتي .. بل تفكر في زياد نفسه .. و تعترف بذلك أمام نفسها .. و الآن فقط .. تعترف بأنها تشعر بالخوف عليه من الوِحدة!
______
وصل زياد القصر .. دخل و سأل أول خادمة وقعت عيناه عليها:
"where's my father?"
و قبل أن تجيبه لمح والده بهبط السُلم الكبير ببطء .. فاستأذنت الخادمة بالإنصراف .. و ظلّ هو بصره مُعلق علي والده .. يحاول حفظ ملامحه قدر المستطاع ..و يحاول صياغة كلمة الوداع!
______
صعدت الفتاة لشقتها بسرعة، خلعت سترة زياد و اسندتها علي مقعد مائدة الطعام علي شمال باب الشقة، تركت حقيبتها علي الأرض و جلست بجانبها تستند علي الباب .. تشعر بدقّات قلبها بطيئة .. غريبة .. تشعر بشيء ما يدمي مشاعرها .. شعرت بجسدها يرتعش .. تشعر بسخونة الدموع في عينيها تطلب الإذن بالإنحدار علي نعومة خدّيها .. ف أعطت لها الإذن .. و بكت!
________
بنظرته في عين أبيه أيقن أنه لم يتغير ابداً .. منذ أن التقي به .. أدرك أن قلبه حجر .. ما زالت عيناه تعطيك إنطباعاً بأن الشخص الماثل أمامك مجرد جسد .. بلا روح بداخله .. تلك النظرة تعيد إليه ذكري الطفل الباكي بداخله .. الطفل ذو الستة أعوام ..
طفل بريء .. أكبر ما في وجهه عيناه السوداوتان و لمعة حُزن لن تُمحي ..
لنرجع بالزمن كثيراً .. كثيراً بحق ..
في مستشفي حكومية، غُرف الكشف فيها أقل من إحتياجات المرضي بكثير، استعان الطبيب الشاب بإحدي المقاعد الضعيفة لتجلس عليها مريضته العشرينية الممسكة بيد بطفلها المسكين ذو الست أعوام .. استخدم بعض الأجهزة البسيطة للكشف .. أخذ الأمر وقتاً أطوَّل من المعتاد .. ليأتي صوت انثوي لشابة في مثل عمر المريضة:
"ها يا دكتور .. الي في عنيها ده إلتهاب بس صح؟"
هزّ رأسه نفياً آسفاً:
"للأسف ده نفس الورم .. هي مكانتش واخدة بالها من نفسها لدرجة إنها ملاحظش الأعراض بتتكرر؟؟"
شهقت الشابة وراء الطبيب برعب كتمته بمجرد أن رأت عينا الصغير السوداء تنظر حوله بقلق ..
"هي مامي هتشوفني كويس امتي يا دكتور؟ عايز أوريها سِنِتي الجديدة دي"
و أشار علي موضع سِنته الجديدة بتاخل فمه، ليبتسم الطبيب مربتاً علي كتفه هامساً في اذنه بأسي و كأنه يُخاطب رجلاً يتحمل المسئولية:
" خليك جمبها .. محدش عارف .. يمكن هي محتاجاك اوي أكتر ما انت محتاجلها!"
هزّ الطفل رأسه مبتسماً بقلق، سحب يده الصغيرة من كف والدته، و رفع كلتا كفيه مضمومتين بطريقة طفولية و ظل يدعوا بهمسٍ مسموع ... لتبكي والدته في صمت .. و تحتضنه بقوّة، تتحسس علي ملامح وجهه برفق و شفتيها يرتعشان بابتسامة لا تظهر من كثرة دموعها .. و تراقبهما صديقتها جاثية علي ركبتيها .. تكرر شيء اسطتاعت اذنا الصغير التقاطه:
"منك لله يا رؤوف .. منك لله يا رؤوف الحريري .. هو السبب .. هو السبب!!"
.
.
.
نفّض زياد تلك الذكري من رأسه و ابتسم لوالده بقوّة قائلاً:
"انا جيت! .. مفيش إزييك يا إبني يا حبيبي؟"
لم يرمش الأب بعينيه حتّي .. ظلّت ملامحه جامدة .. فاستطرد الشاب:
"حُرّاسك دول أي كلام .. معرفوش يلاقوني .. بس أنا جيّ من نفسي"
دقيقة من الصمت مرّت .. و العيون تتحدث .. تلوم .. تصرخ! .. و الملامح جامدة .. و الجسد ثابت ...
"انت فاكر إنك هتعرف تهرب مني؟ انت تحت عيني!"
قالها الأب عابساً .. فلاحظ زياد أنه ورث قليلاً من ملامحه الوسيمة .. فوالده برغم تقدم العُمر به .. مازال واسيماً أحمر الوجه بحيوية ..
"هتستفيد ايه لما ابقي تحت عينك؟ كل ده عشان هيّ وصتك عليّا؟ ... انت عمرك ما هتعرف تنفذ وصيّتها .. هي ماتت و الموضوع انتهي بالنسبالك .. عمرها ما كانت فارقة .. ولا هتفرق دلوقتي ف حاجة!"
هدأ ليعيد انتظام أنفاسه، و أكمل بنبرة مرتعشة:
"و هتفضل السبب ف موتها"
رفع الأ ب ذراعه للأعلي و كفّه مفرود مستعداً لضرب هذا الشاب المدعو بإبنه ..
"عايز تضربي؟ اتفضل ! انت أبويا و أنا مُجبر علي إني أسمع كلامك .. حتي لو بكرهك من قلبي فعلاً! .."
التقط أنفاسه الهادرة و اسطترد:
" هيفضل إسمك ليه علاقة بإسمي حتي لو مشيت .. هيفضل دمك البارد يجري ف عروقي لحد ما أموت!"
تنفّس بعنف و أصبح عاجزاً عن السيطرة علي نفسه فصرخ قائلاً:
"وصيّتها إنك تربيني كويس! و انت عارف إني أعرف الحرس بتوعك أكتر ما بعرفك! شوف كام مربية جبتها، كام مراقب .. كام ممرض ولا كام صديق حاولت تشتريهم بفلوسك! .. مفيش حاجة من دول هتعوضني! فلوسك دلوقتي مش هتنفع بحاجة!"
هزّ رأسه بغير تصديق و قال بنبرة أهدأ قليلاً:
" كنت ادفعهالها وقتها! لو كنت أنا أو هي تفرق معاك كُنت عملت كده! انت عارف إنك حجر! طول عمرك قلبك حجر!"
بدأت عينيه تتغلغل بالدموع، فابتعد مولياً ظهره إليه .. و ختم كلامه بعبارة:
"شكراً اوي لحد كده أنا.. بس المرة دي هقولها آخر مرّة ..سيبني أعيش بنفسي .. خلاص مبقتش محتاج فلوسك .. لو حاسس إن ضميرك مأنبك ف انت بالفلوس دي كإنك نفذت وصيتها .. أنا بقيت راجل دلوقتي و أقدر اعتمد علي نفسي بفضلهم"
قالها و اقترب من الباب يخرج، و تفاجئ بياسر و اصطدم فيه .. تخطّاه ووقف خارجاً ينظر للسماء بتحدِ صارخاً في داخله .. متذكراً ذكري أخري لعينة ..
عادت به ذاكرته للخلف .. لسنين بعيدة..
في بيت صغير علي السطح، جلس الغلام ذو الستة أعوام بجانب صديقه المقرب إليه، و إبن صديقة والدته المقربة .. يشكو له:
"سمعت إن النور الي بينور في السماء دلوقتي ده بيخليني مش أشوف حاجة خالص .. و أبقي أعمي زي ماما .. أنا عايز أبقي أعمي يا ياسر"
اندهش الصبي ذو التسعة أعوام و أمسك بكتفي صديقة زياد قائلاً بلوعة و قلق شديدين:
"انت مجنون! حد يقول كده! متدعيش كده ابداً! امال مين هياخد باله من مامتك؟"
نظر الصبي ذو الستة أعوام للسماع و رفع صوته المرتعش، حتي يسمعه صديقه بين أصوات الرعد القاسي:
"الدكتور بيقول إن ماما هتموت .. عشان عامية .. قربِّت تموت .. أنا معرفش حاجة بتموت غير كده .. هي لو هتموت هتروح الجنة و أنا عايز أروح معاها .. هعيش معاها هناك! هي هتبقي شيفاني وقتها صح؟؟"
جذب ياسر صديقه الصغير من وجهه و عدّله لينظر في عينيه قائلاً:
"متبصش في السماء يا زياد لتتعمي! بص عليا! انت شايفني؟"
هزّ زياد رأسه بحزن و أطرق برأسه قائلاً:
" أنا باخد بالي من ماما .. لما هي مبقتش عارفة تاخد بالها مني .. لما هي تمشي أنا مش هعرف آخد بالي من حد .. و محدش هياخد باله مني كمان .."
ابتلع غصّة في حلقه ثم صرخ بمرار لا يعرفه من هم في سنه:
" أعيش ازاي يبقي لازم أمشي أنا كمان!"
دمعت عينا ياسر و هو يقول بتصميم:
"أنا هاخد بالي منك و هخليك تاخد بالك مني .. و مامتي دايماً بتقول إننا أخوات .. هنعيش مع بعض احنا التلاتة .. أنا و انت و امي .. هنبقي عايشين مبسوطين و هندعي لمامتك كتير"
ابتسم زياد بحزن لفكرة ياسر و أضاف:
"أنا عايز يبقي عندي بيت حلو .. قريب من الأرض .. بدل السطوح ده علشان بيخوّفني .. و هاخدك تعيش معايا و مامتك كمان .. و هرسم ماما كتير اوي و أحط صورها ف كل اوضة .."
و قبل أن يُكمل حديثه اتت والدة ياسر قائلة بحزن:
" زياد ..أبوك اتصل بيقول هييجي ياخدك تعيش معاه ..! "
.
.
أفاق زياد علي صوت ياسر ينادي عليه، فأدار زياد وجهه إليه مبتسماً قائلاً:
"إديتله المفاتيح؟"
هزّ ياسر رأسه بدهشة قلقاً علي صديقه .. الذي بدأ بالحديث مرّة اخري:
"انا مش عايز منه حاجة .. كفاية أوي لحد كده"
تعجّب ياسر من هدوء زياد .. و هدوء الأمطار محترمةً رغبته في العيش يتيماً بأبٍ يتنفس هواء الدُنيا .. ظلّ زياد يبتعد بقدمه إلي الطريق، فتبعه ياسر .. متفهماً رغبة زياد في إنهاك نفسه بالمشي الطويل .. وقتها اهتز هاتف ياسر في جيبه .. ليري رسالة مكتوبة من رقم سجّله بإسم "يارا" ..
"هو زياد كويس؟"
حدّق في الشاشة لثوانٍ قبل أن يكتب ببطئ كلمتين فقط .. كغير عادته الثرثارة:
"مش عارف .."
أغلق الهاتف تماماً ليضعه في جيبه الخلفي، و أسرع الخطي كي يلحق بصديقه .. الذي كان مبتسماً للسماء .. و كأنه يري ما لا يري أحد غيره!
_____
تلك الليلة .. قضاها ياسر جالساً مع زياد في غرفته ... يراقب صمته الغريب و انهماكه علي لوحة يرسمها غيباً .. دون أن يكون صاحبها واقفاً امامه .. لكن الكثير من التفاصيل مُخزّنة بداخل عقل هذا الفنان .. كان يرسم بفوضوية و سرعة، و كأنه يُسابق ذكرياته مبتعداً عنها .. صار علي هذا الوضع حتي أصبح منتصف الليل حدثاً ماضياً .. نام ياسر في وضع الجلوس مكانه، علي سرير زياد .. انتبه زياد له حين انتهي من لوحته للتو .. عدّل من وضعيّه جسمه ليجعله ممدداً علي السرير، وضع الغطاء عليه ليدثّره جيّداً و خرج من الغرفة المُظلمة ...
في غرفته الخاصّة باللوحات .. أمسك شريطاً أسود و وضعه علي أحد زوايا البورتريه الذي رسمه لوالده من بقايا ذكرياته معه .. وضع اللوحة في برواز .. و علّقها علي الحائط .. مُسدلاً ستاراً أسوداً عليها .. و ابتعد ..
.................................................................................................................................................................................................................................................................
نهاية الفصل .. ايه رأيكم فيه؟!
ياريت لو عجبكم تعملوا vote و تسيبولي رأيكم الجميل ف كومنت ❤👸 و هكون شاكرة ليكم جداً لو عملتوا منشن لحد عايزينه يتابع الرواية معاكم، أو تعملوا شير علي السوشيال ميديا ❤
أنت تقرأ
بورتريه
Ficción Generalبينما انت تنظر لملامحي لترسمها بفرشاتك، أحفر أنا ملامحك بذاكرتي و أوشمها علي جدار قلبي... قد يرون حبي لك جنون .. أو غير حقيقي بالمرّة .. لكنّني سأحبك للأبد، و سأستمر في البحث عن الحب بعينيك .. و مقارنة نفسي بمن تستحقك، حتي تثبت لي أنني هي .. ف هل رأ...