الفصل الثالث عشر: "و هكذا.. أصبحا ثنائيا!"

791 33 6
                                    

اولاً بعتذر عن تأخر الفصل، و ثانياً بعتذر عن الخطأ السخيف الي حصل بس ده بسبب الdrafts الموجودة عندي علي الابليكبشن و الي بينشر روايات هنا أكيد هييقي عارف المشكلة دي،،،، و اعتذاراً مني جبتلكم فصل طوييييل ارجوا إنه يعجبكم ❤
.......

بكت في غرفتها بدموع خافتة، تشعر بكرامتها مهدرة و أن لا تقدير لمشاعرها علي الإطلاق!! .. فكّرت بالرحيل والعودة إلي حيث أتت حتي يأتي زياد ليخطبها من بيتها.. أو لا يأتي، وقتها ستعرف قيمتها الحقيقيّة في قلبه! و ستبقي كما كانت .. قبل أن تدخله حياتها و تقحمه فيها بنفسها!
أخذت تجمع أغراضها من كل مكان، تاركة الملابس الجديدة مكانها،فهي لا ينقصها أي من هذه الملابس ذات الماركات، ففي خرانتها الخاصة ببيتها يوجد ما تحتاجه و أكثر .. لم تكن أغراضها خرجت كلها من مكانها في الحقيبة أصلاً مما سهّل عليها جمعها،،، و بجسد مرتعش تمالكت أعصابها إلا من قذف بعض الأشياء بداخل الحقيبة بعصبية بلّلتها دموعها ...
أغلقت الحقيبة بعد أن مسحت عبراتها باستعجال ،، حملت حقيبتها بيد و جذبت دبّها الكبير باليد الخري، و حين وجدت علي أذنه تلك الشريطة ذات اللون الرقيق استشاطاً غضباً، فنزعتها بقوّة و قالت:
"اسمك زياد يا دبدوب، و هيفضل اسمك زياد هاه بس! .. يغير بقي ولا ميغيرش ده شكله وهم!"
______
فتحت الباب و خرجت بعصبيّة، لتجد ياسر واقفاً و قبضته أمامه،يبدو و كأنه كان علي وشك طرق الباب و بجانبه والدتها العزيزة! ،،،،،
تفادتهم و اتّجهت للتُسّلم الأيمن، لكن ياسر تحرّك بسرعة حتي وقف أمامها و وضع يده علي درابزين السُلّم مانعاً إياها من النزول، فصرخت فيه بصوتٍ جعله يفكر مرّة آخري في كونها فتاة رقيقة هادئة:
"ملكوش دعوة بحياتي!"
أسبل أهدابه عدّة مرّات ثم رفع رأسه إليها، و نوي أن يسيطر علي أعصابها بحزم:
"رنا مفيش نزول معلش"
اندفع الأدرينالين في عروقها، يبثّ فيها روح التمرُّد و المغامرة، مما أعطاها فرصة لدفعه حتّي كاد أن يسقط من علي الدرج ،فلولا أنه كان يمسك الدرابزين بيده اليمني بثبات لأسقطته دفعتها تلك،،، نظر في عينيها بثقة، مسيطراً علي هدوءه و ثباته قائلاً:
"مينفعش تخرجي من غير إذن زياد"
شهقت بمجرد سماعها اسمه و بدأت في بُكاءٍ مرير اهتزّ له كتفيها و جسدها ..و قالت من بين دموعها:
"و هو استأذني لما يمشي و يسيبني هنا؟ أنا بكرهه!"
تحرّكت صفاء إليهم بحزم، و صرخت في رنا لتخفض صوتها و تضع حدّاً لجنونها الذي -بالتأكيد- سيأخذ منحني خطر بعد دقيقة واحدة ليس أكثر:
"احترمي نفسك و رجّعي الشنط دي، احنا مش بنهزّر هنا!"
هزّت رنا رأسها للجانبين بتصميم و حاولت النزول لكن ياسر أمسكها من ذراعها قائلاً برجاء:
"أعقلي يا رنا"
ضعف جسدها لم يتيح لها أن تثور أكثر .. ليتها تناولت أي شيء يجعلها قادرة علي الصراخ و الركض للخارج ...
تركت حقيبتها و الدُب و مسحت دموعها الغزيرة و تكلّمت بضعف:
"محدش ليه دعوة بيا، انتوا استغليتوا حبي لزياد بإنكم تلعبوا بيا، مرة هنتجوز أنا و هو، و عشروميت مرّة لأ مش هنتجوّز! اسمه ايه ده!"
شهقت و ابتلعت ريقها و أستطردت:
"غير إن يارا لسه ميّتة و انتم مفيش دم!"
نظرت صفاء لرنا بحزم و قوّة قائلة:
"رنا لِمّي نفسك الخدامين بيبصّوا علينا ميصحّش!"
"يبصّوا ولا ما يصوش أنا مالي! انتِ الي مهتمة بيهم و بمظهرك و بشغلك دي مشكلتك!"
شهقت صفاء و كادت أن تصفع رنا علي وجهها لولا تدخّل ياسر في الوقت المناسب قائلاً لصفاء محاولاً تهدأتها هي الآخري:
"أنا آسف ممكن حضرتك بس تتفضلي دلوقتي و أنا ههدّيها"
"هو أنا بشد فشعري ولا بكسر في الحيطان؟ هو ده الي انتوا عايزينه صح؟!"
قالتها و هي تطرق الأرض بقدميها بغضب بآخر ما اوتيت به من قوّة و جلست علي أول الدرج، دافنة وجهها بين ذراعيها و ركبتيها و دموعها الساخنة .. همهمت صفاء بغضب و انطلقت بعيداً قائلة:
"أنا عندي شغل، مش هعطل نفسي علي شغل أطفال زي ده!"
تنهّد ياسر براحة لانصرافها، فهي أم غير متفهمة نهائياً! كيف تترك فتاتها تتصّرف هكذا دون أن تكون بجانبها، تهدئها كطفلة .. تصبّرها بحدوث ما تريد!! أو فقط تجذبها بين أحضانها !
جلس بجوار رنا متنهّداً بيأس من صفاء تلك ..و تحدّث إليها بهدوء:
"عايزك تعرفي إن زياد ملوش دخل فالسفر المفاجئ ده .."
حاولت رنا الهدوء لكنها لم تستطع، ظلّت تفكر في أنها فتاة متعجرفة، متسرّعة، أعترفت لمن تحب بمشاعرها! و هو لا يعبأ بها علي الإطلاق!!!
"المنافسين مطلّعين إشاعات عن مشاكل فقرية من القري الي عند رؤوف، و هو لازم ينزل بحملة إعلانية ينفي الكلام ده و يعالج المشاكل لو موجودة فعلاً، فاهماني؟"
رفعت رنا وجهها و نظرت لياسر بضعف قائلة:
"يعني زياد راح غصب عنه؟ علشان يعملّه الإعلان ده؟"
تمزّق قلبه من رؤيتها في هذه الحالة، و شعر بالذنب، فما فعله هو و رؤوف معها كثير و فوق إحتمالها!
"اه ولله رايح بالعافية، ده فجأة كده صحي قبل الفجر بشوية لقاني فوق دماغه بقوله يلّا عندك طيّارة ..."
مسحت دموعها بيديها كالأطفال و تسائلت ببراءة:
"و انت مروحتش بداله ليه؟ مش انتوا بتشتغلوا نفس الشغل؟"
ابتسم ياسر،فهو لم يتوقّع هذا السؤال، لكنه أجاب ببساطة:
"لأ ده مش شغلي الرئيسي .. أنا مساعد بس، زياد خبرته في الشغل أكتر مني و هو أشطر .."
هزّت رأسها بتفهم و عاد تنفّسها طبيعيّاً، قامت لتقف، و جذبت دبّها الذي سقط منها منذ قليل علي وجهه علي ثاني درجة من الدرج، راقبها ياسر ضاحكاً، ثم اقترح عليها:
"انتِ لسه مفطرتيش، ايه رأيك أخليهم يحضرولك فطار مخصوص ليكِ؟"
هزّت رأسها نفياً و هي تنظر للفراغ، فوقف و قال مشجّعاً:
"لا لازم تاكلي و تبقي شطورة"
نظرت له شزراً، فضحك و علم أنه لا يتحدّث لطفلة، فقال مثرثراً كعادته:
"أصل زياد لسه في الطيارة و أول ما يوصلوا هيتصل بيا، ولو اتصل بيا و قالي رنا عاملة ايه؟ هقوله دي مش بتاكل! و مغلبانا! فهيضايق و مش هيكلمك.. و هيأجل السفر كتييير بقي و يسيبك لوحدك أكتر"
رفعت رنا حاجبيها بدهشة ثم قالت مندفعة بدون وعي:
"عايزة بان كيك بصوص شوكولا كتير... و فراولة"
ضحك علي تغير رأيها، ها هو قد أقنعها كالأطفال!
نادي علي إحدي الخادمات و طلب منها تحضير ما طلبته، ثم قال ببساطة:
"تعالي الجنينة، اتمشّي و اتشمسي و متحبسيش نفسك فالأوضة غلط"
هزّت رأسها باستسلام، و مشت بجانبه للأسفل، تاركة أغراضها لتحملها إحدي الخادمات لغرفتها كما قال ياسر ...
______________
جلسا تحت المظلّة الأنيقة و المكان المعد للإفطار بالحديقة، كما كانوا منذ دقائق عديدة، لكن الفرق أن رنا تأكل هذه المرّة، و لكن بشرود.. أما ياسر فكان يتصفّح في مجلة للأثاث و الترتيب المنزلي، و يطوي بعض الصفحات لرنا كي تلاحظها و يتحدّث لها بين الحين و الآخر .. بينما هي تجيب إحدي اسألته رنّ هاتفهه، فاعتدلت في جلستها و نظرت للهاتف بيده بأمل .. لعل زياد يطلب التحدٌّث إليها .. لكنها لم تكن تدري أنه الآن يقول ل ياسر:
"متعرّفش رنا إني اتصلت"
و تابعت النظر بابتسامة أمل، و سرعان ما تبخّرت ابتسامتها حين تغيّرت ملامح ياسر بارتباك قائلاً:
"لأ ما هي جمبي اصلاً"
"قوم كلمّني من بعيد لحظة"
بمجرّد أن سمع ياسر هذا انتفض واقفاً و ابتعد،و قال سخطاً بهمسٍ:
"انت عارف إني مبعرفش أتوِّه الي قدامي عن الي بسمعه، ايه الي عملته ده؟ اديها عمّالة تبصلي و أكيد فهمت إنك مش عايز تكلمها!"
نظر زياد للبحر -أمامه- الذي ضرب هوائه وجهه و طيّر شعراته ذات الطول المحبب و قال محدّثاً نفسه بشرود:
"الشغل كتير جداُ و مش هيبقي عندي وقت اتصل بحد، هطمّن عليكم من رؤوف"
تنهّد ياسر و قال برجاء:
"خلاص اقفل معايا و كلّمها، و كده مش هيبقي ضيّعت وقت فحاجة، دي خطيبتك و هتبقي مراتك فلازم تتعلّم ازاي تخلقلها وقت تطمّن عليها فيه.. ده مش هيبقي أول ولا آخر شغل يعني!"
عبث زياد بشعره، يعيد إليه ترتيبه الذي بعثره الهواء البارد رغم سطوع الشمس، و قال ل ياسر و هو غير مقتنع تماماً:
"أنا اطمّنت عليها من صفاء"
ضحك ياسر بيأس و قال بغير تصديق:
"كده اطمنت عليها؟؟ هي قالتلك إنها عيّطت جامد و كانت عايزة تمشي صح؟"
لم يرد زياد .. و قام من مكانه علي الرمال، فبدي ك بقعة سوداء شاذّة عن كل ألوان الطبيعة حوله .. نفّض ملابسه من الرمال، و وضع يده في جيب بنطاله و قال ببرود:
"أنا لازم أقفل دلوقتِ"
اغتاظ ياسر و صرخ فيه بغضب:
"و انت يعني بتشتغل علشان مين مش عشانها؟؟ اتصل قولها إنك بتعمل كده علشانها و اقفل! بس اسمع صوتها و اعرف هي عيّطت قد ايه! و افتح قلبك شويّة بدل ما هو بقاله اكتر من عشرين سنة بيدق دقات لسبب واحد بس! .."
لم يكمل ياسر كلامه، فقاطعه صوت إنقطاع الخط فازدادت حدّة غيظه و زمجر بغضب:
"غبي و بارد!"
و راح عقله لا إرادياُ لهيئة رنا الضعيفة الباكية .. و انهمار دموعها علي خدّيها .. فحاول الابتسام، و أقسم بأن يلهيها عن بارد القلب هذا حتّي لا تتعّب ببعده عنها طويلاً ..
_________
وضع زياد هاتفه في جيبه و غادر رمال الشاطئ صاعداً الجسر المؤدي للفندق، ناوياً تنفيذ خطّته الجديدة، مبتسماً ببرود .. مفكراً في .. أنهم ليسوا الوحيدين الذين يخططون و تنجح خططهم .. لقد حان الوقت كي يفاجئهم جميعاً، ضارباً بخططهم و توقّعاتهم عرض الحائط ... !!
_________
ركّز ياسر علي إشغال رنا في مجلّة التصميمات، و اقترح عليها عِدة أشياء، كما أحضر جهازه اللوحي و عرض عليها بعض الغرف المعروضة علي الانترنت و نال إعجابها عدة غرف، و عدة تفاصيل منفصلة من غرفة اخري .. شعر بأنها سعيدة فارتاح لهذا كثيراً.
____
الغرفة الكبيرة في الدور العلوي للقصر (الثالث)، هي أكبر من غرفة رؤوف بقليل، و بالظبع أكبر من غرفتي رنا و زياد معاً، وقف العماّل فيها بكل تركيزهم، غطّوا الأرضية و ركّزوا مجهودهم علي إنجاز المهمّة بأسرع وقت و بكفاءة عالية و هي طلاء حوائط الغرفة الواسعة، و أشرف عليهم ياسر بوضع مقعد صغير قابل للطيّ في الغرفة ذاتها، يلقي عليهم التعليمات و يتابع قدر الإنجاز بينما يقرأ صفحات روايةٍ ما و ينادي علي إحدي الخادمات كي تأتي بدور جديد من أكواب الشاي المقدسة عند العُمّال.
_______
في غرفة رنا و والدتها، استراحت رنا علي مقعدها في بقعتها المفضلة بجانب الشرفة المفتوحة، و رفاء تتحرّكك في أرجاء الغرفة،تجهّز ملابس رنا الجديدة التي وصلت حديثاً ليتم نقلها مع ملابس زياد إلي غرفتهم الجديدة و -ك فرصة- اقترحت عليها ما سترتديه من قمصان نوم في الليالي الأولي من شهر عسلها، و رنا تشيح بوجهها الذي لم تظهر تعبيرات الخجل و خيبة الأمل عليه بسبب قناعات الوجه المتتالية، و التي قامت بوضعها علي وجهها خبيرة التجميل التي اتت بها والدتها للعناية بجسد ابنتها العروس.
_______
بمكانٍ ما بالحديقة، بالتحديد بجانب النافورة التي تسبب الوقوع فيها بغيرة زياد،، وقفت الأم بجانب ابنتها الشاردة و قالت بضيق:
"طيّارتي معادها قرّب..النهارده بليل.."
ارخت رنا وجهها بابتسامة محايدة و قالت بينما سيطرت علي مشاعرها أمام تلك الأم:
"ربنا معاكِ .. و توصلي بالسلامة"
و قالت في نفسها بشرود:
"دايماً و ابدأً يارا و انتِ بُعاد عني.. "
ابتسمت رفاء ، معتقدة أنها قامت بمهمتها ك أم، بمتابعة نقل الأثاث الجديد و الملابس، و جلب خبيرة تجميل و تغذية لابنتها .. لوّحت ل رنا و اتّجهت لداخل القصر، ناوية حزن امتعتها و التأهُّب للسفر..
جلست رنا علي طرف النافورة الغير مفعمة بالحيوية، أطرقت رأسها و اخفضتها و تركت العنان لدموعها .. و هي تردد شيء ما استطاع ياسر تخمينه بسهولة ..
"أنا لوحدي ... أنا لوحدي!"
__________
بينما ياسر جالس في غرفته، يكتب شيء ما حين يكون وحيداً.. سمع طرقاً خفيفاً علي الباب، فقال بصوتٍ مسموع، لكنه هادئ، يناسب هذا الوقت من الليل:
"اتفضل"
فتحت الباب خادمة قلقة الملامح، و أخبرته بلغة انجليزية بسيطة أن الآنسة رنا في المطبخ، تريد صنع شيء ما .. و ترفض ملازمة أي حد من الخدم معها، كما رفضت أن يعد لها الشيف ما تريد من الأساس .. و أنها .. تبكي!
انتفض ياسر لسماعة كلام الخادمة و أمرها بأن تذهب لمراقبتها بهدوء حتّي يذهب لها.. و بينما انصرفت هي، أغلق حاسوبه بعد الضغط علي تسجيل ما كان يكتب، و انطلق للأسفل بسرعة ...
________
من صوت صرخاتها العنيدة علم بأنها تتشاجر مع الخادمة، كان لأول مرّة يسمعها تتحدّث بعناد هكذا بغير لغتها، ابتسم بقلق و ذهب ليصرف الخادمة بعيداً، و تبقي هو وحده أمام المطبخ، و هي بداخله، تنظر له بغرابة و تقول:
"ليه بيحصل كده؟"
اقترب منها و سألها بقلق:
"ايه الي حصل"
انهمرت دموعها و ترنّحت في حركتها جتّي وصلت إليه و قالت بضعف:
"كلهم مشيو.. رجعت لوحدي تاني!"
ابتعد ياسر خطوة و جلب لها مقعداً، وضعه بجانبها وقال بتلقائية:
"اقعدي بس شكلك دايخة، استني هنا هجيبلك عصير"
كاد أن يتحرّك، إلّا أن صوتها الضعيف استوقفه حين قالت:
"يارا ماتت .."
لم يدرِ كيف خانته اذناه ليسمع كلمة "ماما" بدل "يارا"، فوقف أمامها و أمسك ذراعها و قال بذعر:
"صفاء ماتت؟"
هطلت دموعها كالشلّال و قالت من بين شفاهها التي شحب لونها للغاية:
"يارا ماتت، و ماما سافرت .. فاضل انت"
نظر لعمق عينيها و قال بغرابة:
"أنا ايه؟"
اقتربت منه و سقطت بين ذراعيه .. عينيها متعلقان بعينيه، تراه بعينين سوداوتين كظلمة الليل القاسي، تري بعض شعراته التي تعشقها ترتاح علي مقدمة جبينه.. مدّت يديها تتلمّسها و قالت بتيه:
"زياد.."
ارفتع حاجبا ياسر بدهشة، و حاول رفعها لتستعيد توازنها، و قبل أن يقول أي شيء، ابتعدت عنه رافعةً جسدها بوقوفها علي أطراف أصابع قدميها، ليصبح وجهها أمام وجهه بالضبط .. و بخفّة لم يدركها أيّاً منهما تمكّنت من وضع شفتيها الشاحبتين علي شفتا ياسر .. لتقبّله بحب لتقول بين قبلاتها المحمومة:
"بحبك يا زياد .. اوي"
و بينما كانت تغمض هي عينيها، جحظت عينا ياسر بدهشة، و خلّص نفسه من قبلتها الغير واعية و قال بتلعثّم:
"اا انتِ عندك حرارة .. ل لازم نشوف دكتور"
و لم يلبث أن يكمل جملته، حتّي لف ذراعه حول وسطها الرفيع منقذاُ أياها قبل أن تسقط أرضاً أو يرتطم رأسها بالمقعد الذي أحضره لها منذ قليل، و بلا وعي صاح بصوتٍ عالي منادياً علي أي أحد من الخدم .. و حين أتت واحدة أمرها بإحضار الطبيب ..
__________
في غرفة رنا، جلس ياسر ينظر لها بشرود، و هو غير واعي لكيفية حمله إياها و وضعها علي السرير، تزامناً مع وصول الطبيب و استماعه لنتيجة حالتها .... توتّر نفسي شديد ... بسبب زياد و تركه لها بالطبع .... احمرّ وجهه بغضب و خجل حين استشعر أثر قبلتها عليه،و هو ينظر لها.. نائمة .. تشحذ الهواء بصعوبة مرة .. و مرّات ترتجف برداً فيزيد من إحكام الغطاء عليها و يأمر الخادمة بتغير المنشفة المبللة الباردة من علي جبينها باخري أكثر برودة ليزيل بها حرارة جبينها.. و توّعد لزياد .. و قرّر محادثته صباحاً .. باكراً جداً ..
_________
استيقظ زياد ظهراً .. و حين رأي الساعة شعر بإحباط شديد .. فهو نائم منذ أن ارتفعت حرارته بالأمس و شعر بالاختناق و عدم القدرة علي العمل .. تأكد من حرارته عادت طبيعية فتنهّد في راحة و اتّجه للهاتف، يتفقّده ... و صدم حين رأي مكالمات كثيرة من ياسر لم يرد عليها .. و قرأ الرسالة التي تركها له بعد أن يأس من ردّه عليه:
"كلمني بمجرد ما تقرأ الرسالة دي، يتحرق الشغل!"
ابتسم بتوتّر .. كم أراد أن ينجز من عمل .. فاجتهد كثيراً حتّي قضي العمل عليه .. و نام محموماً ..
رفع رأسه و ألقاها للخلف، فسقط علي السرير .. ثوانٍ و ردّ عليه ياسر الذي قد اتّصل به للتو:
"ايوه انت مش بترد ليه؟ زياد كلّم رنا دلوقتي، أقفل معايا و كلّمها!"
زفر زياد في ضيق و قال بتبرُّم:
"انت عارف إن الزنّ مبيجبش معايا نتيجة!"
مسح ياسر وجهه بغضب و قال محاولاً السيطرة علي صوته فلا يصل لأحد غير زياد:
"امال ايه الي بيجيب معاك نتيجة؟ لو قلتلك إن رنا كانت سخنة امبارح و بتخرّف؟ هتحسّ علي دمك و تتصل بيها؟"
ثم أضاف بغير تصديق:
"انت أكيد الشغل مش واخدك اوي كده!"
رفع زياد جسده المتعب ببطئ حتّي أصبح بوضع الجلوس و قال باستسلام:
"حاضر يا ياسر .. خلاص بقي"
لمس ياسر شفتيه بأنامله .. فارتعش صوته وقال بخفوت:
"و حاجة كمان"
و تذكّر علي الفور قبلة رنا له .. فدقّ قلبه بقلق.. و زادت دقّات قلبه حين سأله زياد عن ما يريد قوله .. كان ينوي إخباره ... لكن في اللحظة الأخيرة قال:
"لا ولا حاجة .. هقفل دلوقتي و كلمها انت"
هزّ زياد رأسه و أغلق الخط مع ياسر ... و قام ببطئ لهاتف الغرفة و طلب قهوة.. و أمسك برأسه التي ستنفجر من أثر الصداع بضغف و نظر لهاتفه المحمول المتروك علي السرير ..
__________
خرج ياسر من غرفته و نوي أن يلقي نظرة علي رنا في غرفتها، فالخادمة تركتها بعد أن انتظمت انفاسها و ذهبت للنوم، و لم بعجبه هذا .. كم أراد أن يكون زياد موجوداً للسهر بجانبها و الاعتناء بها عوضاً عنه هو أو صفاء.. ذلك الوغد .. ربما يستمتع بالأجواء و بدخول الحانات ليذق الخمور كما أراد يوماً .. تباً ألم يستطع أن يتّصل برنا لدقيقة واحدة أمس؟؟
قطعت رنا حبل أفكاره بمرورها أمامه بتلك الملابس .. ترتدي فستاناً أبيضاً قصيراً مكشوف الذراعين، و تبتسم للفراغ، من الواضح انها ترتجف .. لكنها مرّت من أمامه بهدوء، و ظلّت تصعد الدرج للأعلي بهدوء، و حين أصبحت بالأعلي نظرت لياسر بعينين مبتسمتين وقالت بنبرة هادئة:
"شفت اوضتنا؟"
توتّر ياسر لما رآه، و حاول ندائها بهدوء .. لكن بمحاولة إخفاء توتّره جاء صوته غاضباً:
"أنا ياسر مش زياد! روحي أوضتك و البسي حاجة تقيلة .. البسي أي حاجة اصلاً!"
ضحكت و تنرنّحت في مكانها قليلاً فأمسكت في السور، و ما هي ثوانٍ حتّي سمعت صوت هاتفها يرن في يدها .. كان زياد .. فابتسمت بتوتّر و نظرت لياسر بذعر .. و فجأة ظهرت لها ذكري الأمس .. و قبلتها الأولي ... فوضعت يدها علي فمها بصدمة و دخلت غرفتها الجديدة و أغلقت الباب خلفها .. و جلست خلف الباب، تنظر ل اسم زياد علي شاشة الهاتف .. و تقول و هي ترتجف:
"آسفة!"
_________
ردّ رؤوف علي ياسر أخيراً، فقال ياسر بذعر:
"بابا .. حاول تقول لزياد إن الشغل ده مش حقيقي و خلّيه يهتم برنا شويّة"
و صمت قبل أن تخرج كلماته:
"أنا خايف عليها!"
و أكمل بهمسٍ لنفسه:
"و منها!"
_________
مرّ يومان .. قضت فيهم رنا أوقاتها بغرفتها .. تحبس نفسها بعيداً عن ياسر .. لم تحاول الإعتذار له، ولم يحاول هو قول أي شيء .. بل ظلّ يتفقّد أخبارها من الخدم بينما يقدّمون لها وجبات طعامها في الغرفة ..
علم من زياد أن رنا لا ترد علي أياُ من اتصالاته، فعلم السبب .. و للأسف.. لم يستطع البوح به ..
________
في مطعم الفندق، حضر رؤوف و شارك زياد الجلوس، و قال زياد بفخر:
"أحب أقولّك إن الشغل كلّه جاهز"
ابتسم رؤوف بمزيج من الفخر و الدهشة، وقال بغرابة:
"كل حاجة؟ الإعلانات الورقيّة كمان؟"
هزّ زياد رأسه بثقة وقال:
"فاضل بس مراجعتك علي كل حاجة عشان لو فيه ملاحظات قبل النشر"
ضحك رؤوف غير مصدق لما قام بفعله ابنه، و قال مشدوهاً:
"برافو فعلاً!"
و بينما هم يتناولون الغداء، انتهي زياد لانشغال عقله، فقال بغير وعي:
"احنا مش هنرجع بقي؟"
شرب رؤوف بعض العصير من كأسه و ابتسم لزياد قائلاً:
"نخلّص غداء و نطير لو عايز"
ضحك زياد بهدوء .. و ما هي دقيقة حتّي دخل في دوّامة من الشرود .. ذلك الشرود الي افتقده من كثرة ما عاناه.. أثر ضغطه علي عقله للتركيز فقط علي العمل!
__________
في وقت لاحق .... جلست رنا علي السجّادة الصغيرة الملونة بغرفتها الجديدة .. متربعة القدمين رافعة رأسها للتلفاز أمامها بشرود، لا تعي أي شيء مما يحدث أمامها .. فقط تبدل وضع قدميها كل بضع دقائق حين تشعر بوخزٍ بهما ... و حين ضجرت، فردت جسدها و شعرها للخلف و أغمضت عينيها .. حتّي غابت عن العالم لدقائق .. لا تعرف كم عددها ...
بعد قليل استيقظت رنا علي صوت إغلاق الباب، ففتحت عينيها و نظرت للأعلي، لتجد من يضع كلتا يديه في جيبي بنطاله و ينظر لها بابتسامة، فانتفضت من مكانها و بصرها معلّق بوجهه، حتي تعجّب هو من ردّ فعلها و قال:
"ايه مالك؟ لسه تعبانة؟!"
قالها و القلق واضحٌ في عينيه، فذكّرتها نظراته بنظرات ياسر القلق، فتراجعت للخلف و بسرعة فكّرت .. هل هذا ياسر و لكنّها تراه ك زياد .. مثل ما حصل من قبل، أم أنه زياد فعلاً؟؟؟
تذكّرت رنين الهاتف برقمه، فجاءتها فكرة .. أمسكت بهاتفها من علي المنضضة و اتّصلت برقمه، و بعد ثانيتين، رن في جيبه، فأخرجه .. و نظر لها بدهشة .. ليجدها تبتسم له بحزن.. ثم تضحك !!
أسكت هاتفه و نظر لها بغير فهم متساءلاً:
"مكنتيش بتردي عليا لما بتّصل بيكِ.. زعلانة مني مش كده؟"
اقتربت منه و اومأت، و في عينيها نظرة عتاب.. لم يحتمل تلك النظرة فاقترب منها و ضمّها لحضنه بدون تفكير .. شعر بتشنّج عضلاتها للحظة .. ثم ارتخائها بين ضلوعه .. و لم يعلم أن في تلك اللحظة كانت تتذكّر ما حدث لحظة احتضان ياسر لها، فانقبضت ثم ارتخت حين علمت في قرارة نفسها أنها كانت مريضة و لم تميّز بينهم فعلاً .. و ايضاً حين أيقنت أن حضنه هو كل ما تحتاجه الآن لدفن كل ما بها من حزن، و إحساس بالوحدة و الخواء ..
"أنا خلّصت الشغل و فأسرع وقت جيتلك"
ابتسمت و قالت و هي مستنده بخدّها علي صدره:
"أنا كنت حاسة إني لوحدي اوي"
أبعدها عنه و أمسك وجهها بكلتا يديه و قال و هو ينظر ل عينيها معتذراً:
"مش هتحسّي كده تاني ابداً"
مسحت دموعها و ابتسمت قائلاً و هي تشير حولها:
"ايه رأيك في الأوضة؟"
ابتسم لعينيها البنيّتين و قال:
"حلوة جداً و رقيقة .. زيِّك"
احمّر وجهها و أطرقت رأسها خجلاً، فمدّ هو يديه و لمس خصلتة المفضّلة من شعرها الناري .. و وضعها خلف اذنها بهدوء قائلاً:
"هسيبك تجهزي.."
رفعت رأسها له مبتسمة و هزّت رأسها و هي تفكر في شيء ما كي ..
" ابهريني!"
وضعت يدها علي فمها بتلقائية حينما قالت ما كانت علي وشك هي قوله بصوته الأجش.. لقد .. قرأ أفكارها للتوّ! ..
و في تلك اللحظة .. تبخّرت كل مخاوفها تجاه تلك الزيجة .. و ابتسمت بإشراق.. و قلبها يدق بحب زياد الحريري .. و هو من كسر قلبها رغماً عنه منذ أيام!
________
في مساء نفس اليوم، وقفت رنا أمام مرآتها بعد أن انتهت من وضع لمساتها الأخيرة من زينة رقيقة لوجهها، أخفت بها بعضاً من اللون الداكن تحت عينيها من إرهاق الاستيقاظ في منتصف الليل و النوم المتقطع بعدها..شعرت بأنها آخر مرّة ستخفي تلك الآثار عن وجهها فكانت مؤمنة تماماً بأنها ستجد سعادتها من زياد.... استجمعت شجاعتها و تحرّكت بفستانها الطويل للخارج، و قبل إغلاق النور أطلت علي المرآة طلّة أخيرة، ثم أغلقت ضوء الغرفة و خرجت ..
منذ دقائق و هم يخبرونها بأن المأذون قد وصل و هي متوتّرة منذ أن أخبروها بذلك، كثيراً ما فكّرت في أحداث هذا اليوم، يوم عرسها.. يوم تزف لمن تحب .. لكن يومها مختلف .. لن تزف .. لن يعزفوا لها الموسيقي و لن يدقّوا الطبول .. فكما ظاهر علي لون الفستان البسيط الذي اختارته، من المفترض أنها في حالة حداد! .... في كل الأفلام تري مشهد عقد القران، و في كل مرة تبتهج و تردد في نفسها:
"كويس إن فيه حد بيبقي وكيل العروسة، محرج أوي إنها تقول كل الكلام ده ورا المأئون!" ،،، لكن اليوم .. ستكون وكيلة نفسها .. يدها في يد زياد، يرددون كل ما يقوله المأذون بمنتهي التركيز ..
ابتسمت بشرود و وضعت يدها علي الدرابزين و خطت خطواتها للأسفل بحذر .. و لم تدرِ أن زياد يراقبها من موقعه بالأسفل ..
لم تكن تعرف أن من دقيقة مرّت لم يكن زياد يقف وحده، فكان ياسر بجانبه .. يحدّثه عن ضرورة الإهتمام برنا و بمشاعرها، و أخبره بحالتها في الأيام السابقة، و لفت نظره ل شحوب وجهها، الذي لم يغفل عنه زياد من الأساس .. و حمّله أمانة رنا .. و أخبره بميعاد سفرهم و انصرف.. و هو سعيد برجوع زياد إليها، فهو واثق من أنه سيتحمّل الأمانة..
ابتسم زياد حين وجدها تطل بفستانها الرمادي داكن اللون .. و شكر التدفئة المركزية بأن سمحت لها بارتداء فستان لطيف كهذا .. بلا أكمام تقريباً، هذا ما حاولت اخفائه بالشال الرقيق باللون البنفسجي الداكن، و الذي يجعلها تبدو كزهرة تيوليب رقيقة .. اعتقد أنه يري شعرها الأحمر يتطاير خلفها كالممثلات، فرمش بعينيه مرّتين و ابتسم و همس لنفسه:
"أنا منبهر .."
و أضاف و هو يسبل أهدابه:
"كالعادة!"
وصلت رنا إليه، فتقدّم إليها مبتسماً مشدوهاً بجمالها .. ودّ لو يقبّلها علي جبينها بحب .. لكنه سيطر علي هذه الرغبة بحكمة، فبعد دقائق ستصبح زوجته، و سيصبح حبّه المفاجئ لها مباحاً بكل الطرق ..
_______
لمعت عينا رنا بالدموع حين خرجت للحديقة الخلفيّة و وجدت أنها مزيّنة ببعض الأضواء الهادئة و الورود في حمّام السباحة .. ديكور هادئ و بسيط.. بدون موسيقي و صخب، لكن يكفي ابتسامة الجميع لها بما فيهم أشخاص لم تتوقّع معرفتهم بزواجها من الأساس .. بعض من جيرانها، أهمهم مريم الصغيرة و والديها! رحّبت بهم و الدموع في عينيها، لكنها شعرت بأن لها أهلاً يسألون عنها ولو لمجرّد لحظات دافئة مؤقّته ..
انتهي عقد القران و لم تهدأ دقّات قلب رنا المتوتّرة بسعادة، ارتعشت شفتيها و لمعت عينيها بتأثّر حين استشعرت زياد يُمسك بيديها ليلبسها الخاتم من الياقوت.. و همس في اذنها أنه طلب بصنعه لها خصّيصاً لأنه ذكّره بلون شعرها الأحمر .. و وجنتيها حين تتورّد خجلاً .. و استجابت و جنتيها لنداءه المحبب و استحال لونهم ل اللون المحبب و هي تشعر بلمسة يده، و قبلته عليها بعد أن ألبسها الخاتم، و ساعدته علي أن يضع دبلة فضيّة أنيقة في إصبعه.... و صفّق الجميع بحب و انهالت عليهم كلمات المباركة بينما رفع زياد شعر رنا ليلفّ حول عنقها عقد من نفس الحجر الكريم بإطار يشبه القلب، له شكلٌ سحري، فأصبحت تلك التميمة.. علي رقبتها هي تميمة حبّها له ..
احتضنتها بيدها و ابتسمت ل زياد بحب و تأثُّر،، و قطع تأثّرها تربيت رؤوف علي كتفها قائلاً:
"ابتسمي للصورة"
و أشار للأمام، من يحمل آلة التصوير ، و أن الجميع أتوا للوقوف بالخلف، يتوّجون لقطة الحب بين زياد و رنا، فالتقطت الصورة .. و ابتسم الجميع، سعداء بتلك الزيجة، و يتمنّون أن يصلح كل فرد من الثنائي الآخر، بكل حُبٍ و إخلاص!
________
علي متن الطائرة الخاصّة المتجهة لشارم الشيخ .. كلاكِتّ ثاني مرّة .. لكن هذا المرّة مختلفة، فمن يسافرون هذه المرّة هي جميع الاسرة .. رؤوف، ياسر، و الثنائي زياد و رنا .. و بالرغم من أن سفر الجميع كان مفاجئة لزياد، إلّا أنه لم يعترض، و شغل نفسه بإمساك يد رنا و تذكُّر أول لمسة يد مطمأنه منه،، و أطمأن في تلك اللحظة، و شعر بأن كل شيء سيكون علي ما يُرام ..
ظلّت رنا تتابع أضواء الأرض من علي هذا البعُد عنها، و أضواء الطائرة، و تحاول عدم التفكير في ضغط الطائرة الذي ينغّص عليها لحظات الحُب الجديدة عليها، فأذنها تؤلمها بمجرّد أن تقوم بإخفاض رأسها فجأة أو ترفعها ببطئ،، أو أي حركة مهما كانت!، لم يساعدها مضغ اللبان كليّاً، لكنها استمرت بمضغ اللبان بتوتّر، و تنظر لزياد الذي كان ممسكاً بيديها، مبتسماً بسلام غريب .. ناظراً ل اللاشيء .. هائماً في ذكري يومٍ، لفّ فيه وشاحه علي رقبة تلك من تكون زوجته الآن، و التي تضع قلادته حول رقبتها !
________
لم يمانع زياد أن يكون جناحه و عروسته في نفس الفندق الذي به رؤوف و ياسر،لأنه يشعر بأنه سينفرد بها و ينسي وجود كل الناس ..
وصل المصعد للطابق الذي به جناح الثنائي .. فابتسمت رنا بحرج، و سرعان ما ابتلعت ابتسامتها بتوتّر حين لمحت زياد يعطي للرجل ورقة نقدية من فئة كبيرة و قال له أنهم لا يحتاجونه بأن يرشدهم للغرفة .. و فكّرت في أنه ربّما فعل هذا كي يحملها حتّي الغرفة؟؟ لكنّها لم تستعدّ لهذا و لم تلاحظ وزنها!
شعر زياد ببعض التوتّر .. لم يدرِ كيف يتصرف .. فهو لم يجرِّب أن يكون منفرداً بانثي في حياته، و لو حتّي علي سبيل الحوار و المحادثة! .. نظر ل رنا، فوجدها تسير بجانبه بخفوت، وجهها أحمر كتعبير عن خجلها من تلك اللحظة .. وهم لم يصلوا للغرفة بعد!
تقدّم زياد بخطوتين و فتح الباب، و دخل للغرفة الواسعة، و التفت لرنا، ليجدها تدخل ببطئ، لاحظ ارتجافة ساقيها النحيفتين في البنطال الجينز و أشفق عليها حقّاً .. فذهب و أخذ يديها بين كفّيه و عبر بها لمنتصف الغرفة بعد أن أغلق الباب بقدميه .. جلس علي طرف السرير و نظر لها مبتسماً وقال و هو يلمس اذنها بأنامله، منتهزاً الفرصة ليداعب خصلة شعرها:
"بقيتي كويسة؟"
ابتلعت ريقها بتوتّر و هزّت رأسها مبتسمة ... فتنحنح هو و قال:
"الجو حلو .. تعالي نقف في البلاكونة، هيعجبك المنظر من فوق"
هزّت رأسها مبتسمة براحة، و بينما هي تأخذ خطواتها للشرفة، وجدته يصل ليدها، فاحتضنها بكفّه.. و سارا معاً للشرفة ..
الجو منعش جداً، هواء البحر و نسماته تحوّلت لنسمات ربيعية مناسبة لقضاء شهر عسل جميل،، حتّي أن النسمات الباردة جعلت رنا ترتجف قليلاً،، و قبل أن تشعر بأي برد آخر شعرت بذراع زياد القويّة تضمّها إليه، فتسارعت دقّات قلبها، فرفعت رأسها إليه، تريد رؤية عينيه،، و رأتهم .. يتوهّجان بلمعة جديدة لم ترها بها من قبل .. و قبل أن تقول أي كلمة.. شعرت به يقترب منها، يلف ككلتا يديه حول خصرها النحيف، يجذبها إليه، ليضيعها في قبلته .. الأولي!
_________
في غرفة ياسر، وقف في الشرفة يتحدّث في الهاتف بمرح عفوي قائلاً:
"هو بيتجوز و أخد أجازة، قمت واخد أجازة بقي أنا كمان.. شبطت يعني!"
ثم سمع شيء ما علي الطرف الآخر و ضحك قائلاً:
"لأ لأ أنا آخد أجازات اه انما أتجوز؟! لا بعيدة دي!"
و سرعان ما استعاد لهجته الجادة قليلاً قائلاً:
"أنا بالكتير اسبوع واحد و أكون رجعت"
فقال من علي الطرف الآخر شيء ما فرد ياسر مبتسماً:
"تمام يبقي بعد اسبوع من النهارده هستني مكالمة من حضرتك، و نتفق علي كل حاجة تخص الي طلبته، تمام .."
و ابتسم و أغلق الخط مع المتصل و تنهّد براحة قائلاً في نفسه:
"أمّا أروح أرخِّم علي بابا رؤوف شويّة!"
و اتّجه لخارج الغرفة..
__________
فتح رؤوف الباب ليجد ياسر، فقال بتلقائية:
"مش كنت تبقي مع عروستك انت كمان؟"
ضحك ياسر و دخل قائلاً بشقاوة:
"لأ أنا هفضل عايش فرداني كده لحد ما أطمّن عليك الأول!"
ضحك رؤوف و ارتمي علي مقعده قائلاً:
"يبقي هتفضل عايش فرداني، و أنا محبلكش كده ابداً!"
جلس بجانبه قائلاً:
"خلاص احنا نفرح بزياد دلوقتي و بعدين يبقي يحلّها حلّال .. رغم إني صعبان عليّا اوي إننا معملناش حفلة أو عزمنا حد حتّي .."
تنهّد رؤوف تنهيدة عميقة وقال:
"يعني كنّا هنعزم مين؟ معظم الناس هيبقوا معارفي .. إنما رنا و زياد نفسهم ملهمش قرايب ولا صحاب غيرنا! .. أنا و أميرة كنّا كده بردو ..."
ابتسم ياسر لحنين ذكراها و ذكري والدته .. ثم همّ واقفاً ليقول:
"أنا بحب البحر بليل، يلّا ننزل؟"
قام رؤوف ناظراً لياسر بحماس وقال:
"يلّا!"
و قرّرا الذهاب إلي البحر، و السهر في إحدي حفلات الفندق المقامة بجواره ..
_____
لمعت دموع رنا في ظلام الغرفة .. و اهتزّ جسدها قليلاً، فشعر بها زياد و زاد من احتضانها له.. فمنذ قليل و هذه حالتها .. تتنهّد في نومها قائلة أشياء غريبة و من بعدها تنهمر دموعها علي الوسادة و يرتعش جسدها .. طبع قبلة علي جبينها بعد أن مسح دموعها بأنامله، و ظلّ يمرّر يده علي رأسها و يتخلل شعراتها بأصابعه، حتي تهدأ .. و بالفعل هدأت .. و استكانت في حضنه .. فابتسم و اطمأن قليلاً .. و أسبل أهدابه، مستسلماً للنوم، محتضناً من يتمني قلبه أن تكون "فعليّاً" .. حبيبته!
_______
في اليوم التالي، استيقظت رنا علي صوت موسيقي هادئة خافتة في الغرفة، فأزالت الغطاء عنها ببطئ لتظهر ملابسها التي لم تبدّلها من الأمس .. و نظرت ل أنحاء الغرفة فلم تجده،، وقتها تنهّدت بضيق و هي تمسح وجهها بيديها، تحاول تجاهل أحداث الليلة السابقة .. حين طبع شفتيه علي شفتيها -لا إراديّاً- تذكّرت قبلتها الأولي .. مع ياسر! .. تباً لحرارتها المرتفعة ذلك اليوم!! فشعرت بأنها خائنة، و شعرت بالخنق.. ولم تتجاوب معه، بل ظلّت تحاول الابتعاد بوجهها عنه، حتّي توقّف عن المحاولة، و اكتفي بطبع قبلة علي جبينها و الابتعاد عنها .. و كأن شيئاً لم يكن .. بعدها غادر الشرفة ليأخذ حمّاماً .. فانتهزت هي الفرصة، و ذهبت للسرير بملابسها و تدثّرت جيداً، و حاولت النوم فلم تستطع، و جائتها كل الأفكار الحزينة فجأة، عن طيشها و غباءها في التعامل .. و نامت .. لتصدم بكوابيس كثيرة، لم تتخلّص من أياً منها حتّي شعرت بقرب زياد منها، و قبلته علي جبينها .. وقتها فقط استطاعت الشعور بأمل أنه يهتم لأمرها .. و سلّمت عقلها للنوم الهانئ لبعض الوقت!
قامت بهدوء و بحثت عن حقيبتها، لتجد أنها موضوعة علي منضضة مخصصة لرفع الحقائب، ففتحتها و هي تتمنّي من أن تكون والدتها وضعت لها كل ما تحتاجه كما قالت، وثقت رنا بها لأنها تسافر كثيراً و تعرف كيف تعد الحقيبة .. لكن.. لحظة.. ما هذا؟!
ألقت رنا نظرة متفحصة،، و حاولت وصف ما رأته بالحقيبة، فقالت باستنكار بدون وعي:
"ايه القِطَع دي!؟"
فما رأته غير ما هي معتاده عليه تماماً، صحيح أن الجو يكاد أن يكون ربيعيّاً معتدلاً مائلاً للحرارة، لكن ليس مبرراً أبداً أن تضع لها والدتها كل هذه الملابس القصيرة!! بلوزات بلا أكمام، قصيرة لتظهر البطن، و العديد من القطع من الجينز و القماش تبدأ من أول وسطها و تنتهي علي بعد بعض السنتيمترات فقط منه!!، و ملابس البحر، قطعتين، قطعة .. و ربع قطعة .. ما هذا الهُراء!!!
سمعت صوت إغلاق الماء بالحمّام، فأدركت أن زياد قد انتهي لتوّه من أخذ حمّامه الصباحي، و أنه سيخرج في أي لحظة! و يجب عليها الإسراع! .. و ظلّت تفكر .. كيف تتصرف .. ماذا سترتدي؟؟؟
........................................................................
....................................................................
لو عجبكم الفصل اعملوا vote و comment و shaaaaare أي جزء حبيتوه😍❤

بورتريهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن