سمعا صوت سيّارة تقترب تزامناً مع انتهاء الشيخ من التلاوة، فنظرا إلي الخارج، ليجدوا أنها رفاء؛ والدة رنا و المرحومة يارا ..
خرجت من سيّارة الخدمات و ذهبت إلي رنا مهرولة؛ تضرب بكعبيّ حذائها الأرض بطريقة مزعجة، صعدت الدرجتان و أصبحت أمامهم .. لكنها اتجهت للفتاة المسكينة الشاردة و احتضنتها .. لاحظ زياد أن رنا لم تستوعب الموقف، فقط اسندت ذقنها علي كتف الأم بحاجبين مرفوعين .. لم تحاوطها بذراعها كما فعلت رفاء .. فقط ارتعشت يدها و لامست عنق معطف وفاء الأسود كمعطفها و لم تحاول فعل أي شيء آخر .. ربّتت رفاء علي كفتها و قالت بخفوت و لكن كان صوتها مسموعاً في هدوء المكان:
"شدي حيلك يا حبيبتي .. ده أفضل ليها"
اتّضح أنها لم تكن تبكي، و لم تكن تعابير وجهها مختنقة -ولو قليلاً- حتّي، فظهر هدوئها بوضوح حين تركت حضن ابنتها المتبقيّة لها .. اتجه رؤوف ببصره إليها و قال بخفوت:
"شدي حيلك يا رفاء"
هزّت هي رأسها بعد أن رسمت شبح إبتسامة علي شفتيها.. و كم بدت قويّة!... اقترب ياسر من رأس زياد و همس في اذنه:
"المفروض نعزّيها حتي لو متماسكة"
هزّ زياد رأسه بخفاء، تنحنح و رفع صوته قليلاً قائلاً:
"البقاء لله"
قالها و هو مازال ينظر ل رنا التي ملامحها أصبحت ك لوحة صمّاء مرسومٌ عليها نظّارة سوداء فقط ليس أكثر .. شحب وجهها للغاية! بالتأكيد كانت تكتم حزنها أمامهم و هو يعرف كم هذا صعب!
أمسكت رنا يدها اليمني المرتعشة بيدها الآخري لتوقفها عن الاهتزاز، تحاول بثّ الهدوء في نفسها .. و كم أراد هو أن يمسك يدها في تلك اللحظة، ليمنحها ذلك الشعور الذي منحته له يوماً .. ذلك اليوم الذي بثّت في نفسه الهدوء بمجرّد لمسة من يدها..
لم يحتمل زياد أن يبقي ناظراً لرنا كل هذا الوقت فأشاح ببصره بعيداً بشرود؛ إلي بعض الورود التي وُضعت علي القبور من زوّارها حتّي حان وقت الرحيل و قرّر رؤوف أن يذهبوا جميعاً لقصره .. للحديث في بعض الأمور مع رفاء، فهو يعلم أن وقتها من ذهب كوقته، فلم يترك لها فرصة الراحة التي لم تعهدها هي من الأساس، و دعاها هي و ابنتها علي الفور .. و لم يُعبّر عن رغبته الخفيّة في خلق فرصة تجمع زياد برنا حتّي يتناقشوا في ما بينهم .. أو سيكون قريباً .. !!
______في حديقة القصر الحريري، جلسوا جميعهم بملابسهم السوداء كنقاط غريبة وسط كيان الحديقة الملوَّن ... كونهم مجتمعين سويّاً ذكّرهم بالأيام الماضية القديمة .. تذكّر رؤوف أميرة رغماً عنه، و تذكّر إجتماعه بولديه علي المائده، كما تذكرا هم نفس الذكريات و رفاء شاردة في ذكرياتها الخاصة؛ عن إبنة متميّزة أفقدها مرضها رونقها، كما زهق بروحها ..
أنت تقرأ
بورتريه
Ficción Generalبينما انت تنظر لملامحي لترسمها بفرشاتك، أحفر أنا ملامحك بذاكرتي و أوشمها علي جدار قلبي... قد يرون حبي لك جنون .. أو غير حقيقي بالمرّة .. لكنّني سأحبك للأبد، و سأستمر في البحث عن الحب بعينيك .. و مقارنة نفسي بمن تستحقك، حتي تثبت لي أنني هي .. ف هل رأ...