الفصل الاول

45.6K 652 18
                                    

تمدد فتحي على فراش المرض بعد ان انتهى الطبيب من الكشف عليه ومغادرة حجرته .. جلست بجواره ابنته الوحيده غاده .. والتي تعيش معه في المنزل بعد رحيل أمها منذ حوالي العشر سنين ..
صاحب الدكتور للخارج أخيه صبحي ..

صبحي : خير يادكتور أخويا حالته عامله ايه دلوقتي؟

الدكتور : ماخبيش عليك .. الورم تملك منه جدا .. وللاسف العلاج اتأخر كتير .. فمفيش اي شئ هينفعه دلوقتي غير المسكنات لحد .. لحد اخر لحظاته

قال صبحي بأسف : قدامه اد ايه ؟

الدكتور : يعني ممكن في اي لحظه .. لكن مش اكتر من اسبوعين تلاته

صعق صبحي من كلام الدكتور الذي ينهي حياة أخيه بكلمه واحده ..

ذهب الدكتور ودخل صبحي مره اخرى بوجه مبتسم الى فتحي وابنته غاده

صبحي : ايه يافتحي فوق كده ياراجل انت بتدلع علينا ولا ايه

وقفت غاده وسألت عمها بلهفه : الدكتور قال لحضرتك ايه ؟

صبحي : كل خير ياغاده .. المهم هو ينتظم على الادويه

سعل فتحي وقال : روحي انتي دلوقتي ياغاده عايز اتكلم مع عمك كلمتين

ذهبت غاده وتركتهم .. وجلست على اقرب مقعد قابلها .. غادة فتاة بسيطه لا تملك الجمال ولو البسيط منه فوصف شكلها ينحصر في كلمة واحده " الدمامه" وكان هذا يمثل لها عائقا نفسيا في طفولتها .. سخرية زميلاتها في الدراسه من شكلها .. هم يغيرون منها لتفوقها الملحوظ في الدراسه فكانوا يستغلون ذلك لاحباطها .. تجري باكية لمعلمة اللغة العربيه " مس سعاد" أقرب معلمة لقلبها تشكو لها ما يحدث من زميلاتها .. فتهون عليها سعاد الامر بانهم غير متفوقات مثلها وانها افضل منهم عند كل المعلمين والمعلمات هنا تهدأ غاده وترجع لها ثقتها في نفسها الى ان تعودت على سخريتهم وترد عليهم دائما بكلمة واحده : تافهين .. ومرورا بمراحل الدراسه نضجت غاده ونضجت اهتماماتها بالدراسه والقراءه وكان هدفها ان تدرس الطب وشجعها ابيها وامها الى ان توفت امها في المرحله الاعداديه وكادت ان تسقط في بحر احزانها ولكن ابيها شجعها على العوده لساحة التفوق مره اخرى وايضا مدرستها سعاد التي كانت تعتبرها مثل ابنتها .. وبالفعل التحقت غاده بكلية الطب وكان التفوق حليفها .. وهكذا كانت حياة غاده بين كليتها وبين خدمة ابيها وكانت هي سعيده جدا لم تبحث على الحب كما ترى معظم اصدقائها .. او زميلاتها فهي انطوائيه نوعا ما .. لا تسعى الى صداقة او تسمح لاحد ان يعرف عنها شئ وايضا لم تسمح لاي علاقة عاطفيه فقد وضعت هذا مبدأ لها منذ ان وطأت قدميها ارض الجامعه .. ولكنها كانت تضحك على نفسها بهذا المبدأ كي تحافظ على عزتها وكرامتها كأنثى ممكن ان تكون مرغوب فيها من الرجل .. فهي تعلم انه لن ينظر لها اي شاب كحبيبه او كزوجه فالجامعه تزخر بالجميلات .. ولكنها كانت راضيه بحالها ..

وضعت يدها بين كفيها وهي تشعر بالخوف على والدها .. الشخص الوحيد المتبقى لها .. لا اخ ولا اخت .. وحتى عمها صبحي .. تراه كل فتره طويله , يأتي يجلس معهم قليلا ثم يذهب .. تعرف ان له زوجه وابن وابنه ولكن لم ترهم منذ سنوات طويله .. قطعوا صلتهم بغاده ووالدها ظنا منهم انهم يردون استغلالهم باي طريقه .. ولكن عمها صبحي كان يودهم ويحب اخيه ويحب غاده كثيرا .. ويأتي اليهم من الحين للاخر ليطمأن عليهم ويجالسهم قليلا ..

في حجرة الاب فتحي .. قال بصوت واهن : من غير لف وكلام متزوق ياصبحي .. الدكتور قالك هعيش اد ايه؟
صبحي : خلي املك في ربنا مش في كلام الدكتور .. يعني ربنا ممكن يعكس كل التوقعات

فتحي : ونعم بالله .. عندك حق .. بس .. بس انا عايز اعرف لسبب تاني .. انا مش خايف من الموت .. خلاص الحمد لله على كل شئ وبالنسبالي الموت اهون من الالم اللي بشوفه ..

صبحي مستفسرا : اومال ايه السبب التاني؟

فتحي : غاده .. مالهاش حد غيري .. لما اموت هتبقى لوحدها

صبحي : ربنا يطول في عمرك .. بس انت شايفني يعني هسيب بنتك في الشارع .. ولا انا مش عمها؟

فتحي وهو يحاول ان يبتسم سخريه : خلينا واضحين وبصراحه مع بعض .. مراتك وبنتك مابيطقوش غاده ولا عمرهم سألوا علينا .. يبقى انت هتاخد بالك منها ازاي

صبحي وهو ينظر للاسفل حرجا من اخوه فهو على حق : كلامك صح بس ده كان زمان .. صدقني الوضع احسن دلوقتي .. وانت بتتكلم في ايه اصلا ان شاء الله تطمن عليها لحد ما تجوزها وتوديها لبيت جوزها وتشوف عيالها كمان

فرت دمعه ساخنه من عين فتحي : ده حلم عمري ما اتجرأ اني احلمه .. انت هتضحك عليا ولا على نفسك .. انت مش شايف الحال .. صعبانه عليا اسيبها لوحدها في الدنيا دي .. لكن مش بإيدي ..

صبحي : جرى ايه يافتحي ..اولا غاده لسه صغيره وبتدرس في كلية طب يعني اعلى كليه في مصر.. وكلها سنتين وهيبقى معاها بكالريوس طب..

فتحي : طيب في اهم من كده عايزك فيه

صبحي : دلوقتي انا عملت حاجه ومش عايزك تزعل مني .. انا كنت كل اللي املكه البيت ده ومن ساعة ماعرفت موضوع التعب ده وانا كان كل تفكيري في غاده .. قمت نقلته باسمها .. ماتزعلش مني ياصبحي عشان عملت كده

صبحي بابتسامة وقد فهم مقصده : وازعل منك ليه؟ مالك وانت حر فيه

فتحي : عشان انا لو مت .. انت هتشارك غاده في الميراث .. بس كده مفيش ميراث اصلا وكل حاجه باسم غاده

صبحي : كويس انك عملت كده .. انا الحمد لله مستوره معايا .. المهم غاده ..

فتحي : ربنا يبارك فيك يااخويا .. وعشان امانتك دي انا هوصيك على غاده .. عايزها تتنقل تعيش معاك لما اموت .. وتأجر انت الشقه دي .. وبإيجار الشقه والمحلين اللي تحت تصرف عليها دراسه واكل ولبس وكل حاجه ..

صبحي : ايه الكلام اللي بتقوله ده .. غاده زي جيهان بنتي وهصرف على الاتنين زي بعض بالظبط

فتحي : اسمع كلامي.. انا مش عايز مراتك تحس ان غاده تقيله في القعده عندكوا صدقني كده احسن .. والاهم من ده كله .. دراستها اولا واخيرا .. ماتسيبهاش الا لما تخلص دراستها ..

صبحي : حاضر يافتحي .. بنتك في عنيا

هنا تنهد فتحي وقال : الحمد لله .. كده انا اطمنت عليكي يابنتي

***********************

انتهى العزاء .. وقامت كل سيدات الحي الشعبي البسيط جيران غاده بمواستها وكل سيده تعرض عليها ان تبيت معها هذه الليله وتعتذر غاده بأنها سوف تذهب لبيت عمها .. وتعيش معه في المرحله القادمه .. انتهى كل شئ وانفض البيت من المعزيين .. جلست غاده بلبسها الاسود منكسة الرأس .. والكراسي حولها فارغه .. كانت ترفض فكرة الذهاب لبيت عمها .. فزوجته لم تكلف نفسها وتحضر العزاء فكيف تذهب لتقضي معها الفتره القادمه؟ ولكن للآسف لا يوجد حل آخر ..

تنهدت بصوت عالي وكأنها أخرجت كل مايجيش بصدرها وسمحت لعينيها بالبكاء مره اخرى بعد ان تصورت ان دموعها قد جفت من البكاء الطويل حزنا على والدها وعلى حالها .. ما أصعبه من إحساس .. اليتم .. والوحده .. احساس كله مراره ويأس من الحياه .. كانت تودع اباها عند ذهابها لكليتها وتعود سريعا لتحضر لهما طعام الغذاء ودوما ما كان يساعدها .. يحضر هو السلطه والاشياء البسيطه وهي تقوم بطهي باقي الطعام وعندما ينتهيا من الغذاء يتعاركان كأطفال صغار على من سيقوم بغسل الاطباق .. وفي النهايه احدهما يقوم بغسلها والاخر يقوم باعداد الشاي .. وينتهي يومها عاديا على هذا المنوال .. ولكنها كانت سعيده والدها كان معها يحسسها بالامان والحنان ..

انتبهت على صوت عمها صبحي : غاده .. غاده ..

غاده ملتفته له : ايوه ياعمو

صبحي : يلا بينا يابنتي .. جهزتي كل حاجتك؟

غاده : ايوه.. بس لاخر مره ياعمو بترجاك تسيبني هنا .. انا هرتاح هنا اكتر

صبحي : وانا لاخر مره بردو هقولك ان دي وصية باباكي الله يرحمه .. وصدقيني هترتاحي عندي ولو في حاجه ضايقتك ابقى ارجعي ياستي تاني

انكست رأسها استسلاما له وانصاعت لكلامه .. حمل صبحي حقاءبها وذهب بها الى سيارته .. ركبت بجواره .. وانطلق بها الى بيته ..

ذات الوجهه الدميمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن