تحت نيران الحرب 27
.............
ضيق نفسه كان يخنقه من حين لآخر ...وسيهون كان يبقي نفسه مستعدا ليتحرك في لحظة قد ينهار الاخر فيها ...يحاول ان يفتح حوارا صغيرا ولكن تركيز جونغ ان كان في مكان آخر ..مشتتا وكأنه في عالم اخر يراه يتبسم بسببه فجأة ومن ثم يلاحظ دمعة اخرى تنزل حتى ينزعج في النهاية : هل بقي الكثير لنصل
جونغ ان : القليل بعد ...كدنا نصل «يسعل» انه هناك
يوجه انظاره للأمام ...يكذب عينيه بداية عندما يرى اثار قرية مدمرة ولكن بالمقابل نظرات جونغ ان التي امتلأت بالحنين والحزن تحدق لذلك الحطام وكأنه يراه لا يزال قائما ..يتنفس ذلك الهواء الذي لطالما امتزجت رائحته برائحة الخبز والحطب ...رائحة احتراق النار في وقت الشتاء الوحيد الذي عاش تفاصيله هنا ...راقبه ينزل عن حصانه فنزل هو الاخر بينما بدأ يتقدم جونغ ان بنوع من الشوق ربما يتخيل تلك الايدي الصغيرة تنتظره ليمسكها لكنه بعد لحظات أبطأ من حركته وعاد إلى رأسه ذلك اليوم الذي خسرهم فيه ..ثقلت قدمه وكأنه قد شل تماما عن الحركة ...سيهون كان يراقب تصرفاته الغريبة ..توقف قبله بعدة أقدام بعد ان سمع نحيبه الصامت ذاك ...
سيهون : ما خطبه الآن ..«يحاول مناداته» ياا ..ما ..
بات انهياره واضحا بعد ان جثى على ركبتيه امام ذلك المنزل ...كان التقاط أنفاسه حينها وهو يبكي بجانبه اصعب من أي شيء ... ذلك العالم الهادئ عاد يستحضر احتراقه ...اللحظات التي فصلت بين سعادته و انكساره ..
يسرع سيهون إليه يمسكه بعد ان رآه منهارا تماما ويعانقه : جونغ ان ...لا تفعل هذا ..لا تفعل هذا بنفسك ...لنعد « يمسك بوجهه » سنعود للمنزل الان لا داع لهذا الآن
يبعده جونغ ان ..يدفع به وكأنه غير مهم للحظات قبل ان يستقيم واقفا مجددا ..يمسح دموعه ويتقدم مجددا نحو ذلك المنزل وعند ذلك الباب ...بقعة الدماء تلك اصبحت سوداء لكنها كانت لا تزال موجودة تجسد عذابات صاحبها وجونغ ان وكأنما كان يستحضر روحه أمامه مسح عليها : ابي ..انا هنا
لم يعرف سيهون ما يفعل او يقول ..لم يفهم حتى تلك المشاعر او ما جرى هنا ..ولكن همه الأول والأخير كان جونغ ان الذي كان وكأنه يعيش حدثه الخاص ...لذا فقط يبقى خارج تلك الغرفة ..يجلس للحائط ..يستمع لتلك المشاعر الحزينة التي خيمت على المكان ...تلك الذكريات الجميلة المؤلمة ... تلك الاحداث التي ربما كانت غير ضرورية ..ذلك الاثر الجانبي المكروه ...لم اختار من احب بذلك الشكل ..... استرق النظر للحظات ...يده المرتجفة تتلمس تلك الصورة ..اعاد لتفكيره كلمات كيونغسو سابقا بينما كان يحدثه عن جونغ ان
"كيونغسو: تلك الفتاة الصغيرة ...كان يبتسم كل ما ذكرها ...وكأنها كانت شيئا مميزا حقا ....لقد كانت كذلك بالفعل ...هو لم يخبرني شيءا اخر سوى ان دارا كانت كحلم دافئ ...اخبرني انها غادرت فحسب ..لم يفهمني ان كانت ستعود مع ذلك الجد ثانية ...اتمنى ان يفعلوا قريبا ..يبدو متعلقا بها"
ادرك سيهون حينها ان تلك التي غادرت لن تتمكن من العودة ..رحلتها كانت رحلة ذهاب دون إياب ...تلك التي جعلت من جونغ ان طفلا ثانية ... هي نفسها التي جعلت منه وحشا جسورا بعد ذلك ...ربما أطفأت برحيلها اخر آماله ...بأن يحظى بذلك الحنان الذي لطالما افتقده
كاد الاخر يسمعها تناديه بين الفينة والاخرى ...صدى ضحكاتها يتردد في المنزل وصوت جدها يلاحقها بقلة حيلة ...تركته ضعيفا تماما ..جعلته الاخر يظهر ضعيفا غير قادر على اخذ حقهما امامهم ...شعور بالذنب كان يشعر به يمزق قلبه قبل ان يصرخ قهرا ...هو الذي لم يشعر إلا وذراعا سيهون تقيده : سسس..سيهون ..ماذا اكون «بحرقة» ..انا حتى لم اتمكن من جعلها تنام براحة مكانها ...لم اسد ايا من ديني إليه ...ماذا أكون ...«بانتحاب» ألست مجرد كلب ...كلب يحتضر فحسب
سيهون:جونغ ان ..لست كذلك ...لقد فعلت ما بوسعك
جونغ ان يحدق بصورتها مرة وإلى دمائها ثانية : لقد كانت مجرد طفلة ...ما كان ذنبها سوى انها اصبحت جزءا من حياتي اللعينة ...ألا يمكنك ان تلاحظ انهم كلهم يختفون فحسب «يسعل لاختناقه» ..كل من ...من أحبهم ...كل من ..اريدهم الى جانبي ...أمي ..سون دوكي ..الملازم ..حتى ..حتى دارا ...دارا الصغيرة ..لم ..لم انا «يسعل مجددا باختناق عاجزا عن الكلام »
سيهون: اهدأ ..اهدأ أرجوك ..انا بجانبك ...لا ازال بجانبك ...كيونغسو ..وشعب جوسون ..كلهم ينادون باسمك فحسب ....هم ..من ذهبوا ..ربما هم فقط .....
بدا ايجاد عذر مستحيلا حينها فاكتفى بمعانقته فقط ...وجونغ ان تمسك به بشدة وكأنه اخر ما تبقى له من هذه الحياة التي تستمر دائما بكسره
..............
ادخل ييشينغ إلى مكتب الرائد مقيدا وكلا الحارسين تواجدا خلفه يمنعانه من أي حركة .. تحرك الاخر نحوه ينظر باحتقار بينما اسرع ييشينغ بالقيام بتحيته :سيدي ..«بترجي» انا ..اعتذر سيدي ..كل ما قلته وكل ما بدر مني ما كان يجب ان يخرج من فمي ...لا اعلم ما الذي راودني حينها ...سيدي
وقف أمامه مبتسما وبالمقابل ابدى انه لم يكتف بعد مخرجا تلك الضحكة المستفزة :أنت ..اتظن ان ما فعلته كان قليلا
اسرع حينها ليركع امامه مخفضا رأسه: سيدي ...لقد قطعت قبلا عهدا بخدمة الامبراطورية الاظيابانية بكل ما املك وحتى الان لم ولن يثنيني أي شيء عن ذلك ...كل ما بدر مني لم يكن نابعا مني ...
التفت الرائد للحارسين وصرخ فيهما ..:اخرجاااا
وبعد ان غادرا تقدم مجددا نحوه بينما كان الآخر ينتظر ان يأمره بالوقوف مجددا ...كانت قدماه تقترب منه وقبل ان يلاحظ ركله فاسقطه ارضا : وهل تظن ان مجرد الاعتذار يكفيني أيها الابله
كان ييشينغ يتمزق من داخله قبل ان يعاود قولها :انا استحق ذلك سيدي ...
وكأنه يحاول اقتلاع عنقه يرفع من ياقته ...بنيته القوية جعلت من دفعه أمرا صعبا على الأغلب ...ولكن ذله كان أمرا محتما كان يجعله يتلقى كل ذلك برحابة صدر ...يراه يصرخ في وجهه ويدفع به تارة اخرى ولكن كل شيء كان بلا أي صوت أمامه ...لا يذكر سوى تلك الأيام التي ضيعها ...او لنقل قضاها ليصبح بهذه المرتبة ....كيف سمح لشخص واحد أن يجعل ذليلا بهذا الشكل ...هل جونغ ان استحق كل هذا ..ذلك الجوسيوني
قالها الرائد متزامنا معه: ذلك الجوسيوني قد مات وانتهى الأمر ...انت «مشيرا إلى العلم الياباني» ضابط ياباني أصيل ....ألا تفهم هذا
يخفض رأسه ذليلا ثانية ينتظر في النهاية ان يفك أحد هذه القيود التي بات يدرك ان مكانها ليس في يديه ..
تلك اللية يعود لمنزله الذي بقي فارغا ليومين ..يرى خادمته الجوسيونية تضع بعض الطعام بينما تستعد للمغادرة ..وفي اللحظة التي تنتبه لوجوده فيها تسرع نحوه وتنحني له :سيدي ..لقد عدت ..
نظر إليها بتعب ثم قال بغير اهتمام : بإمكانك المغادرة الآن
الخادمة: سيدي
يصرخ : ألم اخبرك ان تغادري ....اخرجي هياااا
تنحني مجددا وتمضي لتخرج من هناك بينما الآخر يقف فحسب مكانه ...عينه تلتقي بانعكاسه على المرآة ليرى نفسه بتلك الحالة المزرية ..تلك الجروح على صدره ويديه وجهه وشعره الذي لم يكن يوما بهذا الشكل وكأنه أحد المتسولين ...يقترب من تلك المرآة يتحسس وجهه وعيناه امتلئتا دموعا محرقة : ملازم ييشينغ ..ما الذي حل بك ...ما هذا .. أنت جعلت من نفسك اضحوكة ايها الغبي «يصرخ محطما تلك المرآة بيده» ....هل شخص مثله يستحق ...كل هذا ...يستحق حياتك أيها الابله

أنت تقرأ
تحت نيران الحرب
Historical Fiction"جونغ ان ، لم فعلت ذلك" "اوغاد بائسووون" "نموت وتحيااا جوسووون" الحرب دائما ما تخلف وراءها قصصا كثيرة ...قصص بطولة وخيانة ...صداقات قوية وقصص حب حزينة ....وقصتي تحمل في طياتها كل هذا واكثر ...