-"قُلتَ أنك فراس ابن المعلم جواد؟ "
-"نعم أنا هو."
-"ما الذي تريده مني؟! لماذا أتيت لرؤيتي ؟ أين المعلم جواد لا أراه معك ؟! "
-"ظننتُ أنكِ تكرهينه ولا تودين رؤيته !"
أنزلت ذكرى رأسها بخجل وأجابت على استحياء-"كُنت كذلك..لكن الأمر تغير الآن احتاج لمن ينقذ صفية!"
ضحك فراس ساخراً-" ينقذ صفية! نحن من نحتاج أن ينقذنا أحد من أفعال صفية الطائشة !"
حدّقت فيه ذكرى بغضب وحدّة:
-"ما الذي تقصده يا هذا ؟! "
-"ذكرى..انظري لحالكِ صفية بالكاد فكرت أن تبرئكِ من دمها كل هذا بسبب حقدها !! وثانياً صفية بدأت تتمادى على سمعة أبي وتتهمه بأنه شوه سمعتها وشرفها ليتم طرده من عمله! يبدو أنها فضلّت العيش الثري مع تلك الفتاة وسام..."
-"وسام ابنة الوزير!!!"
-"نعم نعم..إنها تعيش معها هذه الأيام! "
أمسكت ذكرى رأسها وهي لا تصدق أن صفية تفعلها وتتقرب من وسام بل وتعيشان معاً !!
-"تلك الشقية هي بالتأكيد من تشوه ذكريات صفية!! هي لا أحد غيرها يستطيع أن يدّمر ذكريات صفية لأجل مصلحتها!"
-"ماذا تقصدين ؟! كيف تشوه ذكرياتها ؟! لم أفهم! "
-"أيها الأحمق ألم تفقد صفية ذاكرتها وحتى تستعيد..."
-"لحظة...لحظة.. صفية..ماذا ؟! هل قلتِ فقدت ذاكرتها ؟! "
نظرت إليه ذكرى بعجب ودهشة:
-"ألم تعلم ذلك بعد ؟! لقد فقدت ذكرياتها جراء الحادث ! "
تفاجئ فراس بشدة وبدأ يفهم كل تصرفات صفية التي كان يعتقد أنها متهورة "يا الهي..كم كنتُ أنانياً ! لم أفكر سوى في نفسي وسمعتي التي فقدتها في الجامعة...بدوتُ كالطفل الصغير الذي يغضب من سخرية زملائه!! لم أدري أن صفية تتخبط في ماضي مجهول وأشخاص بالكاد تعرفهم! الجميع يعاني ويصارع وأنا لا أفكر سوى بنفسي!! كم أشعر بالحماقة على ما فكرته!! من المخجل أن يعلم أحد بأنانيتي! أبي يعاني وصفية تعاني وذكرى تذوق الويل هنا وأنا لا همّ لي سوى نظرة الآخرين عني في تلك الجامعة اللعينة سحقاً كم هذا مخجل.." فجأة انتبه فراس على صوت ذكرى الملّح بتذمر:
-"فراس إني أتحدثُ معك ألا تسمعني ؟! "
-"اه آسف لكن وقع الخبر كان صادماَ ومؤلماً ! "
-"هل بحق لم تكن تعلم! ولا حتى المعلم جواد ؟! "
-"كلا لا أحد منّا يعلم! صفية خرجت من المشفى قبل أن نراها وقد تم دفع تكاليف العلاج. يبدو أن تلك الثرية استغلت حاجتها ! "
تحدّثت ذكرى بقهر وغضب يكاد أن يلتهب من عينيها-"كلا..هدف تلك الفتاة أكبر من هذا ؟! "
-"ما هو هدفها إذاً ؟! "
-"إنها تريد أن تسرق صفية ! تريد محو وتشويه جميع ذكرياتها الجميلة مع من تحبهم !! تريد أن تغير ماضي صفية لأجل حاضرها !"
رأى فراس ارتجاف عينيّ ذكرى وهي تحبس دمعتها المقهورة وأراد أن يطمئنها فقال دون أن يفكر حتى !
-" ذكرى..لا تقلقِ سأنقذ صفية وأخرجكِ من هنا وأعيد ثقة صفية بوالدي ويعرف الجميع شرف والدي وعزه ! ستعود الأمور جميلة كما كانت..أعدكِ " وكانت ابتسامته توحي بثقة وعزيمة شديدة.
ضحكت ذكرى بلطف وقد شعرت بالاطمئنان من حديثه-"هل تعلم بأنك تشبه والدكَ في هذه الابتسامة الواثقة ! لا عجب إذا أن تقع صفية في الثقة بالمعلم جواد بعد هذا!! "
-"هذا اطراء لطيف منكِ يا آنسة!..صحيح لم اسألكِ كيف حالكِ هنا؟! "
تلاشت الابتسامة من محياها وهي تقول:
-"حالي؟!! آه إني أبحث عن حرية كنتُ أجهلها فيما مضى! وأبحث عن دفء منزل كنتُ أهمله ربما! وأبحث عن وجه والديين اشتقت لحضنهما ! وابحث عن حنان صديقة لم أرعاهُ كما يجب !! سيفرجها الله قريباً يا فراس." وابتسمت له بأمل تحاول أن تتّشبث به حتى لا تسقط في اليأس الموحش.
-"نعم بإذن الله انتِ قوية يا ذكرى قليلاً من الصبر وسينتهي هذا. "
اومأت ذكرى برأسها وهي تسلّمه دفتر مذكراتها -"خذ هذا يا فراس، إنه دفتر مذاكرتي هنا. اعتقد أنه سيفيد صفية في استرجاع ذكرياتها الصحيحة."
-"نعم..انتِ محقة،لكن متى أسلمه إياها ؟ "
-"متى ما رأيت الوقت مناسباً. اعتمد عليك في هذا. أرجوك أنقذ صفية يا فراس ! "
كان يستطيع أن يرى انعكاس الرجاء والأمل في عينيها لينقذها من وضعها البائس !
-"ثقي بي. سأحمي ذكريات صفية من العبث لتعيد كل شيء كما كان ! "
تلك الثقة والإصرار الكبيران امتلكت كيانهُ كلّه وكأنه شعر بأن الفشل ممنوع في هذه الحالة ! عليه أن يفعلها وفقط لا خيار آخر !!
***
بعد ساعات فتحت صفية عينيها ببطء وهي تنظر حولها وتهمس بتعب:
-"أين أنا..؟! "
اقتربت منها الخادمة مبتسمة:
–"الحمد لله لقد استيقظتِ يا آنسة! انتِ في منزل السيد الوزير. "
أمسكت صفية رأسها بتعب وأخذت تسترجع ما حصل وفجأة راحت تلتفت يميناً ويساراً تفتش ما حولها:
-"أين ذهبت؟! أين هي العلبة الصفراء ؟!"
-"عفوا يا آنسة لم يكن هناك أي علبة صفراء ! "
-"أتسخرين مني؟! أنا متأكدة كانت هناك علبة صفراء ! "
-"آسفة لا أقصد هذا يا آنسة! لكن بالفعل منذ أن دخلت لأنظف الغرفة قبل نصف ساعة لم أصادف أي علبة صفراء ! "
فجأة لمح شيء مشوش في ذاكرة صفية حين كانت تعطيها الممرضة الإبرة وكأنه صوت وسام "يبدو أن هذه العلبة هي السبب...هل عليّ أن أبقيها بعيدة…يا إلهي السيد جواد مجدداً... "
حدثت صفية نفسها بريبة وشك بدأ ينتابها "لابد أن وسام أخذتها! أشعر بأنها لا تريد أن ألتقي بالمعلم جواد بتاتاً! لقد افرطتُ في الثقة بها.علي أن أكون أكثر حذراً من الآن!"
-"يبدو أنكِ شاردة الذهن يا آنسة صفية. سأذهبُ لأعدَّ لكِ شيئاً دافئاً لتشربيه فالأجواء صارت أكثر برودة."
-"شكراً لكِ نعم أحتاج مشروباً دافئاً."
التحفت صفية تحت الغطاء وهي تشعر أن هناك شيء خاطئ يحصل حولها "المعلم جواد! هل ظلمتهُ بما فعلت؟! أشعر أني أريد أن اسمع منه قبل أن أحكم!! كان اهداءً عذباً وصادقاً أستطيع أن أشعر بدفء كلماته...لقد كان يعرف أبي!..اه أبي أمي أنا آسفة لأن ذاكرتي الضعيفة قد نسيت أيامنا معاً ! لكن قلبي يفتقدكما الآن بشدة! اتساءل هل كنتُ ابنة جيدة لكما ؟! هل كنّا نصنع الكعك معاً ؟! هل كنّا نذهب للأقارب ونجتمع؟! هل كنٍا نذهب لرحلات بحرية معاً؟! ترى كيف كانت حياتنا ؟! أين كنتُ بعد رحيلكما ؟ لمن ذهبت ؟! " كانت صفية تشهق بالبكاء وعينيها قد اغتسلت بالدموع التي لا تريد التوقف!
كانت كلما تعمقت في ماضيها كلما شعرت بضياع أكبر !
أنت تقرأ
لم تكوني يوماً وحيدة
ChickLitسَتَبْدُو لَكَ فِي بَادِئِ الأَمْرِ حِكَايَةَ صَدَاقَةٍ عَادِيَّةً تَجْمَعُ بَيْنَ الفَتَاتَانِ.لَكِنْ الغَرِيبُ أَنَّ اِجْتِمَاعٌ الصَّدِيقَتَانِ لَا يَتَعَدَّى بِضْعَ مَشَاهِدَ وَأَحْدَاثٍ! فَمَا حِكَايَةُ تِلْكَ الصَّدَاقَةِ البَعِيدَةِ القَرِيبَ...