وعند مساء اليوم التالي من ليالي الشتاء الأخيرة. كان يجلس فراس بجانب سرير صفية في المشفى وهي غائبة عن الوعي لا تدرك ما حولها.كان يهمس بصوت منكسر اختفت حدّته وانطفأت! وهو ينظر إلى عينيها النائمة التي كان يرى فيها صفاء الحياة.
-"صفية.. إلى أين تريدين الرحيل عنّا مجدداً؟!..لقد امسكت بكِ للتو..إنكِ تبدين لي كالخيال والحلم الذي أتى بلا موعد وساعة! وها انتِ تريدين الرحيل كالخيال والحلم دون بداية أو نهاية ! هل لا زلتِ غير راغبةٍ برؤية وجهي ؟! هل سترحلين والشقاق قد أبعدنا؟! ألا تريدين العودة حتى نبني جسر الود بيننا؟! إني لا أجرؤ أن أقول هذا لو كنتِ تحدّقين فيّ! فأنا أحمق وجبان لأني اعتقدتُ أن كبريائي هو أن أتجاهل مشاعري في حُب فتاة حمقاء متهورة مثلكِ! لكني أشعر بشدّة أني أفتقدكِ..لقد اشتقتُ إليكِ.. اشتقتُ لتلك العينان الوادعتان التي تعطيني صفاءً وحياة!هل تذكرين حينما كنّا صغاراً وأتى بكِ أبي لزيارتنا لأول مرة، وبينما كنا نلعب تشاجرتُ معكِ بعنف فسحبتكِ من جديلتكِ الطويلة تلك بقسوة وحقد! فأبرحني إخوتي ضرباً على وقاحتي.لكني لم أتعلم فكرهتكِ وغضبتُ منكِ أكثر! لكني الآن أعلم بأني استحقيتُ هذا ! فقد كنتُ أحمق كفاية كيلا ألاحظ غيابكِ عن زيارة منزلنا منذ تلك الحادثة خوفاً مني! أريد أن أعتذر منكِ أني زرعتُ خوفاً فيكِ! خوفاً كنتِ تحاولين نسيانه منذ خروجكِ من ذلك الدار ! لذا أرجوكِ لا ترحلّي ! ربما يكون يوماً واحداً غيابكِ عني،لكن فكرة أنه قد يدوم طويلاً تُثير رعبي يا صفية القلّب ! "
***
أعلن الشتاء رحيله حاملاً برودته وأمطاره وعواصفه،ليحلّ الربيع بصفائه وجماله على تلك المدينة الصغيرة.لكن عائلة المعلم جواد كانت بحالها المرتعش قلقاً كأنما الشتاء المضطرب لا يزال بقربها.
كان الجميع مشتّت الحال مضطرب البال لا يدري كيف تمضي أيامه وفي ماذا تمضي؟! كانت تُسمع دوماً الدعوات والصلوات الخاشعة لأجل عودة صفية. في تلك الفترة العصيبة حصل المعلم جواد على مقعدٍ كأستاذ محاضر في إحدى الجامعات.لكن عزيمته ونشاطه كانتا خافتّتان وبهاتتان كأن الشيب قد أصابه فجأة! كان يحاول جاهداً أن يضغط على نفسه لينجز عمله وكان هذا ما يرهقه أكثر مما هو مرهق!
وخولة تحاول أن تحمل شيئاً من الهموم والمتاعب عن زوجها وهي تذهب وتعود كل يوم للمشفى لرؤية صفية علّها تسمعُ أو ترى! وابنهما فراس يحاول جاهداً الصمود بشعلة أملٍ بأن يرى إشراق عينيها من جديد!
***
-"لقد اعتقدتُ أن الأمور ستحلُ أخيراً لكنها جاءت عكس ما نريد يا ابنتي ذكرى!"
كانت نبرة والد ذكرى يتضح فيها ندم وأسف شديدان.
-"لقد مرّ شهران يا أبي وصفية قد أغرقها الماضي بلا عودة.لمَ تعجلت.."ثم أوقفت جملتها تلك فقد شعرت أن اللوم والعتاب هو أيضاً جزء من الماضي الذي لا معنى منه. وقد كانت تنظر بشرود وذهن غائب.
أنت تقرأ
لم تكوني يوماً وحيدة
Chick-Litسَتَبْدُو لَكَ فِي بَادِئِ الأَمْرِ حِكَايَةَ صَدَاقَةٍ عَادِيَّةً تَجْمَعُ بَيْنَ الفَتَاتَانِ.لَكِنْ الغَرِيبُ أَنَّ اِجْتِمَاعٌ الصَّدِيقَتَانِ لَا يَتَعَدَّى بِضْعَ مَشَاهِدَ وَأَحْدَاثٍ! فَمَا حِكَايَةُ تِلْكَ الصَّدَاقَةِ البَعِيدَةِ القَرِيبَ...