الفصل الثاني عشر

39 2 2
                                    

عند الصباح الباكر كانت وسام وصفية تتناولان طعام الإفطار بهدوء ودون أن تنطقان بأي كلمة وكأن كل واحدة منهما تحمل شكوكاً وريبّة بداخلها لكنهما يصطنّعان أن لا شيء غريب بيننا ! فجأة قطعت وسام هذا الصمت وسألت صفية:
-"هل ستذهبين معي إلى الحفلة غداً ؟! "
-"كلا بالطبع لن أذهب! حفلة سليطة اللسان تلك لا استطيع أن أتحمل رؤية وجهها ! "
تأملتها وسام لبرهة وهي صامتة ثم قالت بلا مبالاة -"حسنا وأنا أيضاً لن اذهب!"
-"هاه !! لماذا ؟! إنها صديقتكِ، ستغضبُ إن لم تحضري حفلها !! "
-"لأجلكِ لن اذهب. لا أستطيع ترككِ وحيدة في المنزل ستشعرين بالوحدة انتِ متعبة.."
-"لا داعي لكل هذا الدلال أستطيع تدبّر أمري. اذهبِ للاستمتاع مع صديقاتكِ. سيعنِّي وجودكِ بينهنّ الكثير ! " قالتها صفية وهي تحبس غيظاً بدا على تقاسيم وجهها المنزعج.
ضحكت وسام بسخرية حزينة:
-"هه! اللعنة عليهنّ،لا أهتم لهنّ ! إنهن لسنّ سوى منافقات! "
فتحت صفية عينيها على اتساعهما: -"منافقات!! ماذا تقولين؟! انتنّ تضحكنّ معاً طيلة اليوم !"
-"لا تخدعكِ الأقنّعة الزائفة والضحكات المصطنّعة أيتها الساذجة!! إنهن يتملقنّ معي من أجل أموالي وثرائي، إنهن لا يردننّي ! بل يردنّ أن أُغدقهنّ بالهدايا والمعارف من الطبقة الراقية والسفرات والأموال، لسنّ سوى مخادعاتٍ يركضنّ خلف مصالحهنّ!! "
أجابتها صفية بشيء من التهكم والسخرية: -"وماذا عنكِ ألا تركضين خلف مصلحتكِ أيضاً ؟! ألم تأتي بي لأجل مصلحتكِ التي اجهلها إلى الآن؟"
-"كلا لم آتي بكِ لأجل مصلحتي! "
-"إذاً لماذا أخبريني ما الذي تريديه مني؟"
-"سأخبرك بسر منّخور في قلبي أولاً أحاول أن أتملص منه دوماً، لكن تأكدت منه الآن!"
-"وما هو هذا السر؟"
بدأت وسام تسرد وهي تنّظر نحو النافذة المشرقة بضوء الشمس الساطع المتوهج وكأنها تحدّث نفسها المتألمة:
-"لطالما كانت سعيدة ومرتاحة في حياتها مع والديها الذين لا يملكون خُمس ما أملك من المال،لكن الأمر الذي أريده لي وهي تملكهُ تلك الصداقة الحقيقية التي تملكها. إنه شيء لا يقدر بثمن. لا يقارن بأموالي وحياتي المرفهة داخل هذا المنزل الكبير الفخم !! ...لقد كانت صديقتها بقربها دوماً، تسمعها وتنصحها، وتشجعها وتقف معها، وتنسيها همومها وتضحك معها، لقد كانت تريد سعادتها وفقط! ....لم ترد أي شيء آخر غير أن ترى الإبتسامة على محياها لهذا ...أنا أكرهها وأحسدّها ! "
تساءلت صفية بعجب وهي تتأمل عينيّ وسام التي التمعت فيها الدموع:
-"ومن هي تلك الفتاة التي تملك تلك الصديقة؟"
-"كنتُ اسمعُ صديقتها وهي تشكرها أنها أخرجتها من وحدتها وأعادت لها ألوان الحياة حين أرسلها الله لها في ذلك المكان المظلم،فلابد أن تحرص على سعادتها. "
-"أي مكان مظلم ذاك ؟! "
تلعثمت الكلمات وعجزت عن الخروج فلم تستطع وسام الصمود اكثر وهي الصلبة في  صمودها فتساقطت دموعها بحرقة:
-"لماذا كانت صديقتها ولستُ أنا ؟! لماذا تحبها وتريد سعادتها؟! وأنا لا يريدون منّي سوى أموالي!! لماذا لا يحبونّي لأني وسام وفقط ! ترى من هي وسام؟!... يا للشفقة إنها ليست سوى ابنة الوزير صاحب الأموال الطائلة!! لو احترقت تلك الاموال وانتهت تلك الوزارة اللعينة،من ستكون وسام؟!
من هي دون تلك المناصب والأموال ؟!! اللعنة على تلك الأموال الكثيرة، لا أريدها لتذهب الى الجحيم. أريد أن يهتم بي أحدٌ دون مصالح كما تهتم بها !...كم أكرهكِ وأمقتّكِ للسماء يا..." وهنا أمسكت وسام لسانها كيلا ينزلق أكثر!
بعد برهة صمت ثقيلة موجعة سألت صفية:
-"لكن ما علاقتي أنا بهما؟ لم تجيبيّ على سؤالي! "
مسحت وسام دموعها بقوة وفجأة انقلبت ملامحها وعينيها للهيب يكاد يحترق
-"ستعرفين قريبا.."
صُدمت صفية وخافت مما سمعت وحدثت نفسها.
"إنها تكرهها بالفعل! أستطيع أن أرى الحقد والحسد في عينيها يشتعل ويهتاج بوضوح تام!!.."
فجأة انتبهت صفية لهاتفها المحمول الممتلئ بالرسائل من فراس !
نظرت إليها وسام بشك وهي تتساءل عن محادثتها لأحد في هذا الصباح الباكر وقد ذهب جميع من تعرفهم عنها:
-"تعلمين..يبدو أني سأذهبُ غداً كي أرتاح من لسانها إذا لم أحضر..يمكنكِ الجلوس انتِ فلتأخذي راحتكِ البيتُ بيتكِ. "
وقامت وسام وهي تبتسم لها بلطف وقد اختفى غضبها الذي كان مذ قليل كأنها لم تحكي شيئاً !
تعجبت صفية من أفعال وسام الغريبة لكنها حمدت الله أنها ستعتقُ منها بعض الوقت لتنعم بالسلام والهدوء!

***
دخلت صفية غرفتها وهي تتساءل عن هذا الإصرار العجيب:
^فراس بربك!! فوق الخمسين رسالة ! ستدمر جهازي يا رجل !!^
بعد ثواني معدودة جاء رد من فراس: ^الحمد الله انتِ هنا؟! لماذا تأخرتِ بالرد! اسف كنتُ نائماً البارحة، أخبريني الآن  المعلم جواد ما به ؟! ^
^لا عليك الأمر تقريباً تحت السيطرة ^
^صفية ستفلتُ أعصابي!! اشرحي ألغازكِ هذه! ^
^وسام تريد أن تفعل تلك الفضيحة مجدداً^
^مجدداً ! ماذا تعنين بهذا ؟!^
^أعنّي بأنها هي من كانت السبب في نشر الإشاعات حولي وحول المعلم جواد! ^
ألقى فراس هاتفه بغضب وقد اشتدّ انفعاله "اللعنة...تباً.. تلك النظرات التي توحي بالشر لابد أن تكون وسام خلف الأمر!"
^فراس..أين ذهبت ؟! هل...انت لا تعرف بالخبر؟! ^
^آسف..كلا يا آنسة لديّ خلفية كاملة ^
^وماذا تقول ؟! ^
^ماذا تقصدين ؟!^
^لا شيء..انسى ما قلت^
^لا بأس صفية يمكنكِ إخباري^
تعجبت صفية وهي تتساءل "ما قصة هذا الشاب لقد نادني فقط صفية أكثر من مرة لا يمكن أن يكون خطأً ! "
^كلا..دعنّا نعد للمهم الآن. لقد سمعتُ وسام ليلة البارحة تتحدث مع أحد ما على الهاتف وكانت تطلبُ أن تعاد نشر الإشاعات مجدداً عن المعلم جواد^
^سحقاً لها... تلك الفتاة ماذا تريد أكثر مما فعلته ؟! ^
^لقد قالت أريد أن يبتعد تماماً عن صفية^
^لابد أن المعلم جواد يملكُ مكانة خاصة لديكِ لهذا تريد أن تبعده عنكِ^
انتظرت صفية لبرهة قبل أن تكتب وهي حزينة متأسفة:
^نعم أعتقدُ أنك محق...أشعر بشيء يقبضنّي منذ أن رأيتُ تلك العلبة الصفراء. إن المعلم جواد كان أكثر من معلم لي لقد شعرت أن له أثراً لا يمحى في قلبي وذلك الأثر بدأ يشتعل الآن ^
ابتسم فراس بسعادة وهو يقرأ رسالتها لقد استطاعت أخيراً أن تشعر باهتمام والده بها
^لن نسمح لها أن تمحو ذلك الأثر وتطفئ تلك الشعلة ! ^
^نعم وأنا لديّ خطة لإيقافها ! ^
^خطة؟!! ماهي أخبريني وأنا جاهز ^
^إنها خطة مجنونة أخشى أن ترفضها ^
^صفية إن المعلم في خطر جديد! ونحن هنا نتحادث كالمراهقين وهي تحيكُ المؤامرات من خلفنا! سأفعل أي شيء لأوقف أفعالها الشقية ! ^
^نعم انت محق. ستكون الخطة كالآتي.. ^
^لحظة! ما حاجتنا للخطط لنذهب إليها ونحاسبها مباشرة على أفعالها الماضية والقادمة!^
^ههههه فراس لم أتوقع بأنك ساذج لهذه الدرجة! ما من دليل لدينا وأنا سأجلب الدليل بتلك الخطة المجنونة^
شعر فراس بالإحراج والغباء"يا إلهي...يبدو أن خوفي على أبي طغى على تفكيري!! ثم كيف أيها الأحمق تنسى أنها ابنة وزير  التعليم الذي لن يسمح بأن نفتري على ابنته دون دليل وقد يحرمُ أبي من مهنة التعليم! سحقا يا لهم من أوغاد.."
^حسنا لنتفاهم على الخطة سأتصل بكِ ^
^كلا لا تفعل. و سام تناديني كي نذهب للمدرسة، سنتفاهم في الخطة فيما بعد.
إلى اللقاء^
وأغلقت صفية هاتفها المحمول لتذهب إلى دوامها المدرسي.
وبعد ساعات تململ فراس وهو يتقلّب على سريره "آه ستُ ساعات من الدراسة حتى تعود السيدة صفية يا إلهي!..اعتقد أني سأعود أيضاً للجامعة بعد أسبوع من الآن! لكن يجب أن أعود هذه المرة ويعلم الجميع بالخديعة التي فعلتها وسام ! لن أسامح أحداً يتطاول على سمعتنّا البتّة ولو كنتِ الوزير بذاته يا وسام!"

لم تكوني يوماً وحيدة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن