دخل الشاب السكرتير إلى مكتب الوزير وقد بدت علامات الحرج والارتباك واضحة على وجهه النحيل وهو يعدّل نظارته الكبيرة كل ثانية ولحظة. ثم رفع الوزير بصره نحوه وقد كان شديد التركيز والانتباه في النظر إلى أوراق وملفات عديدة بين يديه.
فزجره بنبرة حادّة صارمة زادت الموظف الشاب انكماشاً وحرجاً أكثر:-"ألم أنبهك ألف مرة بأن لا يدخل عليّ أحد أثناء عملي."
-" نعم فعلت يا سيدي الوزير أعلم أنا آسف لكن..هناك فتاة تودُّ رؤيتك بإصرار كبير وهي تنتظر منذ أكثر من ساعة."
-"لا دخول بدون موعد..هيا انصرف."
ورفع يده بلامبالاة وإهمال وقد عاد تركيزه لأوراقه وملفاته.-"لكنها ترفض الذهاب يا سيدي،وقالت بأنها ستنتظر حتى خروجك إلى استراحة الغداء."
حينها رفع الوزير رأسه باهتمام وهو يسأل الموظف:
-"من تلك الفتاة ؟! ما هو اسمها ؟! "
-" اسمها صفية شهاب يا سيدي."انتفض الوزير من كرسيه فزعاً وهو يلوم ذلك الشاب من جديد وكأن إرضاء الوزير لا يمكن أن يتّم بأي حيلة أو وسيلة:
-"أيها الأحمق لماذا جعلتها تنتظر؟! هيا أذهب وأدخلها حالاً...تحرك ألا زلت تقف أمامي!" هرع الموظف من مكانه وقد ازداد اضطرابه وارتباكه أكثر وهو مختلّ التوازن يتراقص يميناً وشمالًا ليكسب رضى مديره في أسرع وقت.
عندئذٍ دخلت صفية بخطوات واثقة هادئة وقد استقبلها الوزير بحفاوة بالغة مع تلك الابتسامة المتملّقة التي تنّزعُ الهيبة عنه نّزعاً.
-"صفية العزيزة.. إن الموظفين هذه الأيام كسالى وحمقى أيضاً اعتذر على تأخيركِ لوقت طويل."
-"لا بأس يبدو بأن أعمالك كثيرة يا حضرة الوزير." وقد كانت تحدّق في تلك الملفات والأوراق المتناثرة على مكتبه.
-"نعم هو هذا،إن إدارة وزارة التعليم مهمة جسمية وعظيمة.مستقبل أجيال بلادنا يبدأ من هنا. "
تنهدت صفية بحرقة ثم قالت بصوت يكتم حنقاً لكنها كانت تتظاهر بالكبرياء والثقة:
-"ومن هنا أيضا يُهدم مستقبل فراس ! "
عندها ابتسم الوزير ابتسامة دهاء وشماتّة كبيرة وجلّية وهو يرفع سماعة الهاتف ليخاطب السكرتير الشابّ:
-"أيها الشاب أحضر لنا قهوة سوداء لكن ضع عليها السكر وأكثر فيبدو أن الحديث سيكون حلو المذاق وطيب الوفاق."
بعد برهة قصيرة دخل الموظف ومعه القهوتان ليقدّمها سريعاً ملتبكاً كعادته وينصرفُ مضطرباً كدّيدنِّه.
ارتشف الوزير قهوته ببرود وغطرسة بادية. وقد بدا كأنما لم يعد يحفل بقدوم صفية إليه.فقد ظنّ أنه استطاع أن يُمسك بنقطة ضعفها ويحصرها لصالحه.
أنت تقرأ
لم تكوني يوماً وحيدة
ChickLitسَتَبْدُو لَكَ فِي بَادِئِ الأَمْرِ حِكَايَةَ صَدَاقَةٍ عَادِيَّةً تَجْمَعُ بَيْنَ الفَتَاتَانِ.لَكِنْ الغَرِيبُ أَنَّ اِجْتِمَاعٌ الصَّدِيقَتَانِ لَا يَتَعَدَّى بِضْعَ مَشَاهِدَ وَأَحْدَاثٍ! فَمَا حِكَايَةُ تِلْكَ الصَّدَاقَةِ البَعِيدَةِ القَرِيبَ...