الفصل الثالث عشر

44 2 0
                                    

اجتمع المعلم جواد مع مدير ثانوية العالي على طاولة إحدى المقاهي الليلة في شارع هادئ بعيداً عن ضجيج وصخب المقاهي الكبيرة.
-"اعتقدتُ أن فكرة حضوري إلى المدرسة للحديث معك قد تجلب لنا المتاعب، لذلك يا حضرة المدير أريد أن احدّثك في أمر هام."
ارتشف المدير من قهوته الداكنة ونظر ملياً نحو المعلم جواد:
-"معلم جواد..أنت تعلم أن الإجراء الذي اتخذتهُ بحقك كنتُ مضطراً لفعله حتى أتجنب المزيد من الشائعات حول سمعة ثانوية العالي، بالإضافة إلى شكوى صفية بحقك.. صحيح أنه اتضح لي فيما بعد سوء حالتها الصحية كونها فاقدة للذاكرة، لكنها لم تأتي وتلغي شكوتها رغم هذا. الأمر خرج عن السيطرة أعتذر..."
تنهد المعلم جواد بضيق وكمد اعتلى ملامحه الحادّة:
-"أنا لستُ هنا لأناقشك في أمر طردي يا حضرة المدير ! "
-"إذاً ماذا هناك ؟! "
-"أنا هنا لأصلح كل شيء منذ البداية.. سأستعيد سمعتي المهنية وأثبتُ كل كذب لّفق عليّ وعلى صفية ! "
و رأى المدير في عينيه حدّة وعزيمة مهيبة -"وكيف سيكون؟! هل علمت من الفاعل؟"
-"نعم.. أعتقد أني عرفته، لا زلتُ أحاول جمع الأدلة."
-"هل تشك في أحد ما ؟! من هو أخبرني؟!"
تردد المعلم كثيراً قبل أن يجيب:
-"أعتقد.. أنها من إحدى طالباتي.. "
صاح المدير بدهشة وهو مصدوم بالكلية: -"ماذا؟!! طالباتكَ !! لماذا !! أيعقل أن فتياتنا يفعلن هذا ؟! معلم جواد أرجوك فكر فيما تقول ! "
-"قلتُ لك أني غير متأكد إلى الآن.. لكن أريد منك طلباً واحداً إذا تأكد ظنّي، أتمنى أن لا تخذلنّي فيه."
-"وما هو هذا الطلب ؟! "
-"أريد أن لا يُكشف أمر الطالبة للجميع إذا اتضح بأنها الفاعلة! أرجو أن يبقى الأمر سراً بيني وبينك.. كونك مدير للمدرسة ولك علاقة بالحادثة بالتأكيد سيطلبُ منك الحضور حينما أقوم برفع الدعوة ضدها.. لذلك أرجو منك أن يبقى الأمر سراً تحت أسقف المحكمة فقط.."
أخذ المدير آخر رشفة من قهوته الداكنة على عجل ونظر بعجب وحيرة نحو المعلم جواد:
-"آه يا معلم جواد.. اسمعني جيداً إذا ثبّت أنها طالبة من مدرستي أعتقد أني لا يشرفني ولا يشرّف ثانوية العالي بأن أُبقي داخل أسوارها من تتسلى بنشر الإشاعات والتهم الباطلة على معلميها وزميلاتها، لذلك سيتمّ فصلها حتماً ! لكن كون أني سأتّحفظُ عن كشف هويتها بأنها الفاعلة هذا يرجع لك ولصفية. ولو أني أرى أنها تستحق التشهير على فعلتها الشنّعاء. لكنك تظل المعلم جواد أخيراً !! "
ابتسم المعلم جواد براحة وقال بنبرة هادئة هادئة رزينة-"إنهنّ كالعذراء في الشرنّقة... مزيداً من الصبر والهدوء يتفتحنّ كفراشات جميلة نقية !"
رفع المدير يده ليطلب مزيداً من القهوة الداكنة فقد بدا الحديث مراً له وقال بحسرة: -"لقد ازداد الضغط عليّ من هيئة التدريس  لفصلك وإلا لكنتَ أفضل معلم في الثانوية! إذا حدث الآن وربحتْ الدعوة وأعلم أنك ستفعل لأنك معلم نزيه وشريف كما عهدتك لكن.. تلك الإشاعات البغيضة إذا ثبت بطلانها، فلتعلم بأن أبواب ثانوية العالي مشرّعة أمامك يا معلم جواد ! "
ابتسم المعلم جواد بسخرية وهو يعلم أنها مجاملات لا تتجاوز الحناجر فهو لن يعيده للمدرسة مجدداً حتى ولو ربح الدعوة !  فسمعة ثانوية العالي تأتي على حساب كل شيء.
-"نعم.. لقد وعدت صفية لابد أن أربح الدعوة ! "

لم تكوني يوماً وحيدة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن