15

31.9K 734 32
                                    


  الفصل الخامس عشر :

بالتدريج بدأت تستعيد وعيها، وببطئ فتحت عينيها لترقب كل ما حولها بنظرات متحيرة قبل أن ...

-أخيرًا فوقتي !
قالها براء باسمًا ناظرًا إليها...
حاولت جويرية الإعتدال فساعدها هو على ذلك، وبنبرة هادئة قالت :
-إيه اللي حصل ؟
إبتعد قليلًا عنها بعد أن ساعدها على الإعتدال، وأجاب بنبرة لائمة :
-نفس اللي بيحصلك دايمًا لما بتروحي هناك !
إبتسمت هي له، ونظرت إلى تلك الواقفة خلفه ناكسة رأسها لا تتفوه بحزن و...
جويرية بنبرة طبيعية :
-فيروز !
إنتبهت لها الأخرى فرفعت رأسها لتواجهها.. عينان قد لامستا نقاء السماء بدموعهما، عينان تحملا الكثير من الألم الذي لن يعلمه إلا من مر بتجربتها ...
لكنها تحاملت على نفسها، فهي تعلم أنها السبب فيما حدث لجويرية اليوم ...
لربما تعرضت للتعنيف أو أي شيء آخر أودى بحالها إلى أن تعود محمولة على يد براء !
وكونها هي السبب يشعرها بتأنيب الضمير ...

-يابنتي !
قالتها جويرية لترجع عقلها الشارد إلى حيث تقف هي فإنتبهت فيروز وخطت عدة خطوات لتصل إلى سريرها ...
وما إن وقفت أمامها بنبرة حزينة قالت :
-آآ ... إنتي كويسة !
إبتسمت لها جويرية بودٍ ويحبت يدها لتجلسها إلى جانبها، ثم قالت :
-زي الفل
نظرت لها بلهفة فجأة وأردفت وهي تحرك يدها اليمنى بإرتباك بـ :
-هو ... إنتي آآ
شعرت جويرية أنها قد فهمتها، فربتت على يدها بحنو وهي تقول :
-متخافيش، محصليش حاجة أنا بس ....
-كانت في الجبانة ..
قالها براء وهو عاقد ساعديه أمام صدره،
فتنفست فيروز الصعداء، هي تعلم ما يحدث لها حين تذهب إلى هناك، دائمًا ما تصاب بالإغماء، ولم يفهم أحد منهم السبب من قبل ..
اكن الأهم، أن أحدًا لم يتعرض لها.
-أنا جبت دليل ضده وبراء قالي الدليل ده يقدر يجيبه السجن على طول ..
-أيوة دا دليل قوي جدًا، كون إنه يعترف على نفيه ده بحد ذاته ...

أشاحت فيروز رأسها للجانب الآخر وحاولت أن لا تستمع إلى المزيد، فكل شيء كل حرف، كل حركة وكلمة تذكرها بالأمر ...
كابوس عاشته، لكن لا يمكن التخلص منه حين ترمي نفسها من سفح الجبل فتستيقذ، أو في النهر فتغرق وتصحوا ..
لا ذلك الكابوس حقيقة وهذا أسوأ ما في الأمر ...

إنتبهت هي فجأة حين تذكرت ما قالوه فقالت بدهشة :
-هو صهيب باشا وافق يديكي الـ..
خف التلهف في صوتها، ثم صمتت حين لم تجد قدرة للمتابعة..

كان براء ينظر إليها بإشفاق شديد، فأن يُكرر مشهد مؤلم مثل هذا ليس بالأمر الهين، وحين بدأ يتذكر ما حدث في الماضي قرر أنه يجب عليه الخروج في الحال من تلك الغرفة، فتلك الذكريات قاسية جدًا وهو لا يريد ما يذكره بها ....
وبالفعل وبدون أن ينطق بحرف إنسحب بهدوء من المكان وغادر ...

رأته جويرية يغادر، ففهمت أنه ما عاد بإمكانه الجلوس أكثر من ذلك ..
ثم جولت أنظارها لفيروز وأردفت بنبرة هادئة :
-المدير بتاعك مرضاش يديني حاجة بس أنا جبت دليل تاني
ثم وضعت يدها على وجهها ورمقتها بنظرات حانية وهي تقول :
-حطي في بالك اني مستحيل أسيب حقك يضيع لو كان التمن حياتي ..
نظرت لها فيروز غاضبة وقد إغرورقت عيناها بالدوموع قبل أن تتحدث بـ :
-لأ يا جويرية لأ مش عاوزاكي يحصلك حاجة بسببي، إنتي كده هتزودي عذابي
مسحت لها جويرية دموعها بأناملها، وإصطنعت إبتسامة ثابتة أثناء قولها :
-إنتي عارفة إني قوية جدًا، ومش أنا اللي حد يقدر يـ.. آآ
قاطعتها الأخرى بإنفعال بين وهي تحرك يدها غاضبة :
-أنا عارفة إنك قوية، بس إنتي مش أقوى منهم، دول ناس واصلين وإنتي وبراء بس اللي ...
قاطعتها جويرية بعد أن أبعدت الغطاء عنها ومدت قدمها لتنزل من أعلى الفراش بـ :
-بصي يا فيروز احنا مش هنعتمد على قانون البلد دي، لأن البلد دي فيها الكبير يتعظم والصغير يتداس ...
مشت هي خطوتين لتستجمع أفكارها المشتتة قبل أن تستطرد حديثها :
-طلاما البلد مش بتجبلنا حقنا، إحنا هنجيبه بنفسنا ..
ثم إستدارت لتنظر إليها ووضعت يديها في خصرها وأردفت بإبتسامة غريبة :
-وكله بالقانون
عقدت الأخرى حاجباها فهي لم تفهم ما ترمي إليه، فقالت جويرية موضحة :
-براء بيشتغل إيه !
-محامي، بس برضوه... آآ
قالتها الأخرى بعدم إقتناع
-ششششش مش قولتي محامي، خلاص وهو قالي إنه يعرف ناس يساعدوه في الموضوع ده، وكمان أنا جبت دليل ضده خلاص
وقفت الأخرى وإقتربت منها حتى وقفت قبالتها ثم قالت بهدوء :
-و.. وأنا كل الناس هتجيب سيرتي بالعاطل و..آآ
إقتربت منها جويرية وضمتها إليها بقوة، فبكت فيروز بين ذراعيها، وأغلقت الأخرى عينيها بألم قبل أن تطمئنها بأحن النبرات بـ :
-أنا معاكي وقولتلك طول ما أنا معاكي محدش هيمسك، عاوزاكي بس تتحملي شوية ومتضعفيش، وحطي أملك في ربنا وهو هيطلعك من كل اللي إنتي فيه ده.. ماشي !
أومأت فيروز رأسها بين أحضانها وهي تحاول التخفيف من حدة بكائها ...

.........................

كان براء يتحدث في الهاتف وهو ينظر إلى ما وراء النافذة، ...
وضع يده على حافتها، وأردف بنبرة هادئة :
-أيوة أنا عارف إن طلاما هو إعترف على نفسه يبقى هو مُدان، بس دول ناس واصلين فهمت ! والمشكلة إنهم ببساطة ممكن يطلعوا بكفالة أو يحاولو تزوير الدليل !
صمت قليلًا ليستمع إلى المتحدث، وظهرت على وجهه بعض آثار الإرتياح قبل أن يتابع :
-يعني المحقق إللي إنت تعرفه ده هيعرف يتصرف !
أنصت إليه محركًا رأسه بإيماءات خفيفة، ثم قال :
-أبان إنت متأكد !
أومأ رأسه مرة ثم نظر خلفه ليرى إن كان هناك من ييتمع إليه أم لا، ثم عاد بناظره مرة أخرى الى النافذة ..
وإبتسم إبتسامة خفيفة وهو يردف :
-شكرًا يا أبان...!!!

...........................

كانت هناك إبتسامة تشفي تداعب وجهها، الآن لا مجال للتراجع ..
فهو يستحق كل ما سيحدث له !

فتحت خزانتها وأخرجت منها صندوقًا خشبيًا بني اللون واتجهت به نحو فراشها وجلست على السرير ووضعت الصندوق على قدميها، وفتحته ..
كان بداخله مسدس حديث الطراز...
مدت هي يدها لتمسك به وبرغم الشجاعة التي تظهرها هي خائفة ..
وبرغم كل ما تظهره من قوة هي أضعف حتى من التفكير في الأمر..
لكن يجب عليها أن تفعل ذلك، فهو السبب في كل ما حدث لها حتى.. حتى أنه السبب في فقدها لأبويها، فإلم يأخذ منها هاتفها، ولم يظلمها إلى ذلك الحد لما إضطر والديها للمجيء إلى هنا وفقد حياتهما ..
أو ربما هو حتى من قتلهما من يدري !
كل شيء محتمل منه فهي فقدت كل الثقة به وبالجميع ...

وضعت السلاح مرة أخرى في مكانه، ثم أغلقت الصندوق ووضعته بجانبها، وبنبرة حاسمة قالت :
-will kill you today (سوف أقتله اليوم)
صمتت قليلًا وهي تعيد خصلات شعرها إلى محلها خلف أذنها ..
وتابعت :
-then i will abscond away (ثم أهرب بعيدًا)

.................

بعيدًا بعيدًا جدًا عن تلك البلدة، وفي تلك المزرعة، وتحديدًا داخل بيت المزرعة كان صوت القرآن الكريم قد علا في أرجاء المنزل ...

وعند تلك الآيات "يَا أيَّتُهَا النَّفْسُ المُطِمَئِنَّةٌ . إِرْجِعِي إِلَىَ رَبِكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَةً . فَإِدْخُلِي فِي عِبَادِي وَإِدْخُلِي جَنَّتِي"

كانت أعين الحاضرين قد ذرفت الدموع، وذوات العباءات السوداء قد بدأن بالنواح
دخلت سيدة ليست مخيرة عنهم في ثيابها، وهي تضرب كفًا بآخر وتقول بتحسر :
-البت عمالين نتصل بيها عشان نعرفها، ولا من شاف ولا من دري !
قامت أخرى عجوز من على مقعدها، وبنبرة حزينة أردفت :
-طب حاولو تتصلوا على بيتها تاني !
-البت شكلها ما صدقت أمها جت هنا ترمي بلاها علينا ولا تسألش !
قالتها المرأة الأولى بتأفف ملحوظ، فنهرتها العجوز بضيق :
-إسكتي بقى يا صفا وإعملي اللي قولتلك عليه أنا خايفة على البت والله !
ثم صمتت قليلًا قبل أن تردف بهدوء :
-وكمان أمها ماتت وإنتي عارفة فيروز مش هتتحمل فابلاش تقوليلها الخبر على طول لما تسمعي صوتها، لو ردت عليكي إندهيلي وأنا هكلمها.......!!!

.........................................!!!!!!  

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن