29

25.9K 678 4
                                    


الفصل التاسع والعشرون :


متجهم الوجه، ينظر حوله بشرود، جالس على مقعد مكتبه، وأمامه الأوراق ...
الأمر فقط أنه قد ضاق ذرعًا ..
الأمر فقط أنه قد تحمل كثيرًا ..

شرد في نقطة على الحائط أمامه وهو يتذكر إحدى المشاهد التي تستمر بمطاردته ..

....

إنحنت تلك الفتاة للأسفل قليلًا واضعة يدها على فمها من شدة الضحك، نظرت لها أختها مبتسمة ووضعت يدها على كتفاها لتحاول جعلها تعتدل من جديد، ثم همست لها بشيء ما في أذنها فبدأت تقلل من ضحكاتها تدريجيًا ...
حتى توقفت عند إبتسامة عذبة ودموع سقطت من حدة ضحكاتها ..
ثم نظرت للناس من حولها، ولتلك العروس بيضاء الثياب بنفس البسمة ..

..

من بعيد كان يقف هناك يرنوهما بنظرات هادئة، ومن الجيد أن أختها نبهتها لضحكها، وإلا لما علم ما كان ليفعله معها !
الأمر أن ضحكاتها تسرق القلوب، تأخذها في عالم آخر، وتريح نفس كل ناظر إليها حينها ... وهو أناني، لا يريد لغيره النظر لها إذا ما ضحكت وتهلل وجهها،
لقد تساءل عدة مرات كيف لهما ألا بتشابها لتلك الدرجة، أنى لأخت أن تحمل مضادات الأخرى !
فإحداهما تحمل من الذكاء والفطنة ما لا يحمله من بسنها، عاقلة إلى حد كبير، وتستطيع قلب زمام الأمور لصالحها في خمس ثوانٍ، ترد الصاع صاعين بهدوء، تسيطر على إنفعالاتها ببراعة مثلى، يتذكر دومًا أنه لم يرها تخاف أبدًا، لو تحداها أحدهم خسر النزاع من الجولة الأولى مقرًا بالهزيمة، معتذرًا على ما بدر منه ...
والأخرى تملك مرحًا لا تحمله طفلة، ضحكة تملأ المكان حولها بالسعادة، تغمره بالفرح، بالتفاؤل، بالأمل، طيبة لحد السذاجة، وسريعة الإرتعاب
تحمل حنانًا في عينيها يداعب وجه كل ناظر إليها، يكاد يقسم أنها قد تذيب قسوة الصخر بالدفء والحنان في عينيها ...
لكنه حمد ربه على ذاك التناقد بينهما، وإلا لكان قد وقع أسير قلبيها سويًا ..

كان من الممتع مراقبتها، كان يشعر حينها أنه يراقب ما يخصه دون غيره ...
ومع أن ما يحمله في قلبه بقي سرًا إلا أنه كان يشعر أنها تبادله المشاعر ..!

فجأة وجدها تهمس في أذن أختها بشيء ما، أومأت على إثره الأخرى رأسها، فذهبت تبتعد ..
وبالطبع لم يفكر حين إتخذ المسار خلفها، سارت هي خارج قاعة الزفاف المتواجدون هم فيه، ثم ظلت تسير للأمام إلى أن وصلت لإحدى المتاجر القريبة، راقبها هو بهدوء إلى أن خرجت تحمل كيسًا من المقرمشات وفتحته في الطريق وبدأت تأكله، منع نفسه من الضحك بصعوبة فأي مجنون يخرج من منتصف الزفاف ليشتري المقرمشات !

فجأة توقفت عن السير واستدارت، وبالطبع هو لن يختبئ لكي لا يصيبها بالجزع، وحتى ولو لم يرغب هو بأن تراه ..
حين نظرت له قطبت حاجبها بدهشة قائلة :
-معتصم !
إقترب منها باسمًا وهو يقول :
-آه
زفرت هي بإرتياح، ثم أردفت بعتاب :
-على فكرة أنا خوفت والله، حاسة من بدري إن حد عمال يمشي ورايا
بنظرات هادئة، ونبرة طبيعية قال :
-آسف عشان خوفتك، بس إحنا بالليل الوقت ومكنتش عاوزك تمشي لوحدك
هزت رأسها وقالت ببساطة :
-عشان كدة قولت لجوري إني راحة الحمام بس
رفع حاجباه مستفهمًا وتحدث :
-أنا برضوه بقول هي إزاي سابتك !
ضحكت بخفوت قائلة :
-إنت عارف جوري رهيبة، وكنت عاوزة أشتري شيبسي
هز رأسه بخيبة أمل وهو يقول :
-يابت إنتي عندك 16 سنة دلوقت، يعني المفروض تعقلي وتبطلي لعب العيال دة !
هزت رأسها نافية، وسارت للخلف وهي تنظر له قائلة يإبتسامة :
-جوري دايمًا بتقولي أنا عسل كدة، وبلاش أتغير عشان دي طبيعتي، لو جويرية بنفسها قالتلي كدة تفتكر إني ممكن أتغير !
ضحكت متابعة :
وكمان أنا بحب نفسي كدة إنت إيش دخلك بقى !
رد بغضب :
-سوفانا، إرجعي القاعة يلا
أجابته بغضب مماثل :
-على فكرة إنت أكبر مني بأربع سنين بس، وملكش تحكم عليا !
أعاد جملته بصوت أهدأ، أخطر :
-قولتلك إرجعي القاعة الوقت ..

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن