الفصل السابع والثلاثون:

25.5K 649 11
                                    




الثاني عشر من مارس ٢٠١٠

وقفت هي متسعة العينين مندهشة وهي تنظر له، ولم يختلف حاله عنها كثيرًا، وسرعان ما سألوه سويًا:
-مين دة يا عقاب؟!
نظر لهما عقاب مندهشًا وأجابهما بتعجب:
-مالكم، كاثرن دة صاحبي إياس، إياس دي صاحبتي كاثرن!
نظرت كاثرن لعقاب وضيقت عينيها وهي تسأله:
-أيوة، طب بيعمل إيه هنا؟
إبتسم عقاب لها وأجابها بتلقائية:
-بيشتغل هنا، من شهر واحد بس حول من فرع أليكس لهنا وإنتي أول مرة تطلبي تنزلي الشغل من زمان فطبيعي أول مرة تشوفيه
إبتسم إياس وإقترب منهما، فإبتعدت هي خطوتين بدون أن تشعر، وبالرغم من أن الأمر أثار فضوله ليفهم ما بها، لكنه أردف بهدوء:
-لأ مش أول مرة نتقابل، إتقابلنا مرتين قبل كدة بس برة الشغل
ردت عليه هي بضيق:
-لأ مرة واحدة بس اللي إتقابلنا فيها
-لأ إتنين، المرة الأولى أنا افتكرتها، كنتي هتخبطيني بعربيتك يوميها، والتانية كانت في الجنينة!
تذكرت هي ذاك اليوم بسرعة، فهو يوم لا ينسى، وبالكاد رأت وجه من إصطدم بها فقد كانت منشغلة التفكير..
نظرت له بإنزعاج، فقال عقاب:
-غنيين عن التعريف لبعضكم يعني، إن كان كدة فيلا كل واحد على شغله
نظر له إياس بهدوء وسأله:
-هو إنت هتفضل جد كدة دايمًا! روح ياعم شوف شغلك وإحنا هنتكلم شوية
نظرت له كاثرن بإشمئزاز ثم نظرت لعقاب وقالت:
-أوك يا عقاب أنا عاوزة أعرف شغلي إيه النهاردة؟
حينها نظر له عقاب وضحك على ما فعلت هي، بينما شعر الأخير بالحرج وصمت.
ثم أخذها معه قائلاً:
-تعالي معايا المكتب وأنا هديكي الملفات، المهم بلاش تجهدي نفسك إنتي في فترة المفروض ترتاحي فيها!
أومأت رأسها وذهبت خلفه، بينما ظل إياس ينظر لنفسه فهل يعيبه شيء لتنظر له بتلك الطريقة، بالكاد تبتلع كلمة ينطقها، هل أخطأ في شيء وهو ساهٍ عنه!
هز كتفه وهو لا يفهم أي شيء، ثم سار نحو مكتبه، وقد كسى الضيق وجهه.

.................

إنحنت هي كثيرًا حتى تصل إلى مستوى تلك الصغيرة وقد إرتسمت إبتسامة عذبة على محياها، ثم قالت له بمودة:
-مين قال إني مش بحبك؟
أجابتها تلك الصغيرة ذات الشعر الكستنائي، والضفائر المصنوعة بدقة، بنبرتها الطفولية:
-عشان حضرتك يا مس إديتي لكلهم شوكولاتة وأنا لأ، وكلهم سقفوا ليهم بس
حانت ملامح وجهها كثيرًا، ثم وقفت وحملتها بعدها وهي تجيبها بإهتمام:
-لأ مش لكلهم، أنا اديت للي جاوب صح بس، وإنتي حتى مرفعتيش إيدك عشان تجاوبي!
وضعت الطفلة يدها على عينها كحركة طفولية حين تحزن، فلم تستطع هي المقاومة، وأجلستها على المكتب بجانبها ثم أخذت حقيبتها وأخرجت منها ثلاث قطع من الشوكولا، وقبل أن تعطيهم لها سألتها بجدية تحاول إظهارها:
-تعرفي تكتبي من الألف لحد الراء
أومأت الصغيرة رأسها، فقامت بإخراج ورقة وقلم، ثم أعطتهم لها باسمة وهي تتابع:
-لو كتبتيهم يا تالا وكتبتي إسمك كامل هديكي التلاتة دول، وهخليهم يسقفولك بكرة كمان
تحمست تالا أكثر وبدأت تحاول أن تكتب بسرعة " أ.. ب.. ت.."
وكانت هي تراقبها باسمة، فمنذ أن جاءت إلى هنا، كانت تلك الفتاة هي محط أنظارها، وبالرغم من أنها لم تأتِ إلا من عدة أيام فقط، لكنها تعلقت بالمكان كثيرًا، وأحبت جميع الأطفال، وبالأخص تلك الـ"تالا" التي تجلس أمامها الآن.
-مس فيروز، أنا خلصت
إنتبهت لها فيروز، فنظرت لها، ثم للورقة، أمسكتها أولاً وظلت تحاول فهم ما كتبته، خطها بشع لدرجة غريبة، ويشعرها دومًا بالرغبة في الضحك، لكنها منعت نفسها بصعوبة ونظرت لها بنفس الإبتسامة التي لم تهتز وقالت:
-ما إنتي ممتاذة أهه، أومال مش بترفعي إيدك ليه؟
أجبتها تالا بخفوت وهي تنظر للأرض:
-بتكسف!
إقتربت منها فيروز، وطبعت قبلة على وجنتها ثم تحدثت برفق:
-مش ينفع نتكسف في كل حاجة، كدة بنضيع فرص كتير
صمتت قليلاً وهي تتذكر نفسها، فقد أضاعت فرصًا لا تعد ولا تحصى بسبب ذاك الإحراج الزائد، ثم تابعت بإبتسامة مشرقة:
-أنا عاوزة تالا بكرة، تكون أحسن واحدة في الحضانة كلها وتجاوب على كل الأسئلة، إتفقنا؟
إبتسمت لها الصغيرة وأومأت رأسها إيجايًا وهي تردف:
-إتفقنا
أعادت تقبيلها في وجنتها الأخرى، ثم حملتها لتنزلها، فسألتها الطفلة بسعادة:
-يعنى حضرتك بتحبيني؟
إنحنت لمستواها ثم أجابتها بهمس:
-مس فيروز بتحب تالا آآآد الدنيا، وبتحبها أكتر منهم كلهم كمان، بس مش تقولي لحد في الحضانة خليه سر بينا
ضحك تالا وهي تومئ رأسها، وبدى عليها سعادة غريبة، لدرجة أن فيروز شعرت بالغرابة، كادت الفتاة أن تذهب، لكن فيروز نادتها من جديد قائلة بهدوء:
-تالا!
استدارت الفتاة لتراها، وذهبت ناحيتها مرة أخرى، فمدت فيروز لها يدها بالشوكولا وهي تقول بوِد:
-الشوكولاتة بتاعتك
أخذتها الفتاة، ثم أردفت:
-شكرًا يا مس
ثم ركضت بعيدًا فاعتدلت فيروز في وقفتها وردت عليها برغم عدم وجودها:
-الشكر لله يا حبيبتي
لقد كانت واثقة أنها ستتحسن حين تأتي هنا، مع الأطفال، فقد كانت تعشقهم دائمًا، ولكن تلك الفتاة... رائعة جدًا لكم أحبتها في تلك الفترة الوجيزة! يا الله، كيف يعقل أن تكون طفلة كهذه مصدرًا لإزالة الآلآم، كيف لها أن تخفف عنها الشعور الطاغي بالحزن وهي لا تدري!
إبتسمت من جديد وهي تتذكر براءتها، ثم أمسكت حقيبتها وغادرت المكان..

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن