الفصل الحادي والأربعون:

26K 655 7
                                    



رفع رأسه عن الوسادة بعد أن يئس أن يأتيه النوم. نظر لساعة الحائط وزفر بضيق، ثم اعتدل جليسًا وأرجع رأسه للخلف.
منذ المساء وهو يحاول النوم لكن بدون فائدة والآن الساعة التاسعة صباحًا ولم يغمض له جفن، فجميع أفكاره تدور حول المضوع ذاته.. وتتركز الأفكار عليها كما لم تتركز على شيء من قبل.

ذكرى البارحة تتردد في عقله كل دقيقة، أحيانًا يخرج منها مبتسمًا وأخرى شاردًا فيها، ومرةً جديدة يحزن لأجلها. ما يوقنه الآن بعد كل ذلك الوقت أنه.. أنه.. حسنًا هو لا يدري ولا يستطيع تفسير الأمر حتى، فهو لم يمر بذاك الشعور يومًا ولم يخضه في حياته، فلم يجد كلمة تتناسب مع ما يشعر به تجاهها.

لوح بيده في الهواء وهو يوبخ نفسه بضيق قائلاً:
-لأ ما انت مينفعش تفضل على الحال دة كتير، صح أنا بقيت حتى مش عارف أنا مين من ساعة ما شوفتها، بس..
صمت قليلاً وهو ينظر ليديه باسمًا، ثم يتابع بنبرة تحمل السكينة:
-بس أنا مرتاح كدة، أنا صح بفقد السيطرة على نفسي تمامًا لما بكون معاها، بس بحس إني كدة بتعامل بطبيعتي، بسجيتي.
أخذ نفسًا عميقًا كعمق البحر إذا ثارت أمواجه العاتية، ثم نزل من على السرير، وسار حتى نهاية الغرفة، تاركًا إياها بعد أن توثق أنه لن يرتاح أبدًا.

سار في الرواق بخطى هادئة، حينها وجد رحيل يخرج من غرفته وقد أبصره، فاتجه نحوه 'ما ان وقف أمامه ظل لثوانٍ يرمقه بنظرات حانقة.
حينها لم ينتبه له رحيل وقال باسمًا:
-صباح الخير!
حسنًا بالرغم أنه سعيد لسماحها له بمشاركتها حزنها، لكنه حزين أيضًا، حزينٌ وقد تألم حين رأى عينها تذرف الدموع، حزينٌ لجعلها تفعل ما تكره وتضعف أمامه، حزينٌ لأن نبرة صوتها كانت تحمل المعاناة، وكل هذا بسببه. وعلى الرغم من هذا جاهد للإحتفاظ بهدوئه وعدم إظهار ما يخفي.همن حنقٍ تجاهه.
وبهدوء النبرات أردف:
-نمت حلو؟!
أومأ رحيل رأسه وأجابه بحفاوة:
-طبعًا، وبعدين أنا بحب البيت دة وإنت عارف إني..آآ
-قولي يا رحيل عرفت إيه تاني عن مراتي؟!
قاطعه صهيب مبتسمًا بتلك الطريقة الغريبة، فأجابه الأخير بهدوءٍ مماثل:
-متقدرش تلومني أنا كنت قلقان وإنك تتجوز كدة فجأة من غير لا حس ولا خبر مقدرتش أفضل قاعد في مكاني من غير ما أعرف إيه أصلها.
ببساطة أدهشته جاراه صهيب بقوله:
-ووصلت لإيه؟
أجابه مستعجبًا من هدوئه العجيب هذا:
-عادي، بنت عادية من حي فقير وأبوها مات يوم جوازكم!
صمت هو، فأومأ صهيب رأسه متفهمًا، ثم قال له ببساطة:
-تخيل لما أنا أموت وحد ييجي يفضل يفكرك بيا، إيه شعورك وقتها!
اتسعت عينا رحيل وقد بدأ يفهمه، لكن الأمر كان أكثر من مجرد فهم، الأمر يتعدى ذلك، صهيب لا يدافع عن أحدهم أبدًا ولا يُبدي أي مشاعر في العادة تجاه أي أحد، وتلقائيًا سأله:
-إنت عارف إني مقصدش صح؟
أجابه بحدة:
-لأ أنا عارف كويس إنك جرحتها يا رحيل، بس مش معنى إنك خايف عليا تفضل تفكرها باللي بيجرحها ويوجعها!
رد عليه الأخير مبررًا بضيق:
-بس هي مابانش عليها إنها اتدايقت، أنا فكرتها اصلاً مش متأثرة!
نظر له صهيب غير مصدقٍ لما يقول، كيف له ألا يرى كم الألم في عيناها بعدما قاله، أم هو فقط من يملك القدرة على فعل ذلك!
هدأ قليلاً ثم أجابه بحنق:
-جويرية يا رحيل مش زي أي بنت تانية، جويرية لما بتتجرح بتتجرح من جوة، مش من برا، مش عاوزة حد يقولها متزعليش ويشوف ضعفها، ولو كنت فضلت تسألها أكتر من كدة أرجح إنها كانت هتفضل تجاوبك حتى لو هتموت.

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن