تقترب تلك السيارة منها أكثر من الحد المباح، اتسعت عيناها برعب، ووضعت يدها على وجهها وهي تصرخ مستنجدة، وفي الوقت الذي فقدت فيه الأمل بالنجاة.. شعرت بأن أحدهم يسحبها بسرعة من مكانها، حينها أنزلت يدها من على وجهها بحذر وهي ترتجف، فسألها هو بقلق:
-كاثرن إنتي كويسة؟
أومأت رأسها وهي ما تزال مصدومة، لكنه أجابته بصوتٍ مهتز:
-آآ.. آه كويسة، بس انت آآ..
قاطعها هو بهدوء:
-تعالي العربية طيب نتكلم بدل ما احنا واقفين في نص الطريق كده!
حركت رأسها نافية، ثم أشارت له نحو الجنوب وهي تجيبه:
-لأ لأ، أنا راكنه عربيتي هناك أصلاً.
أصر هو عليها بـ:
-طيب وفيها إيه، أنا هروحك، وبعدين أرجع أجيبلك العربية على البيت.
أجابته بحسم:
-لأ شكرًا يا إياس أنا هروح بنفسي.
أخذ هو نفسًا مطولاً ثم ابتعد عنها لعدة خطوات، ثم قال باسمًا بمودة:
-روحي
أومأت هي رأسها وسارت مبتعدة عنه ذاهبة إلى سيارتها، فظل هو ينظر لها بهدوء، حتى ركبت السيارة. ظل ينتظر أن تتحرك لكنها لم تفعل، وبعد ما يقرب من الدقيقتان نزلت هي من السيارة وظلت تنطر لها بحنق. عزم حينها على الاقتراب منها، وبالفعل تقدم نحوها حتى وقف خلفها مباشرة، ثم سألها بروية:
-إيه ممشتيش ليه؟
انتفضت هي من مكانها على صوته، وتقدمت للأمام بضع خطوات، وهي تضع يدها على قلبها، فحاول إياس منع نفسه من الضحك وسألها بمرح:
-هو أنا صوتي مرعب أوي كدة؟!
استدارت كاثرن ناظرة له بغضب، ثم هدرت به:
-أنا بخاف لما حد يجي من ورايا كدة!
اختفت ابتسامته وظهر العبوس على وجهه، ثم زفر بنفاذ صبر وسألها:
-معرفش، مكنتش أعرف، كنت جاي بس أشوف مالك ممشتيش ليه، بس أنا غلطان، آسف مش هشوفك تاني.
ثم استدار مغادرًا، فظلت هي تنظر له بحيرة، فهل تستقل سيارة، أم تخبره أن سيارتها قد تعطلت ؟، أدارت وجهها إلى السيارة بسرعة وهي تنفي عن عقلها تمامًا تلك الفكرة، ثم سارت نحو الطريق لكي تستقل سيارة أُجرة، ولكن لسوء حظها لقد بدأت تمطر، وقد كانت تشعر بالبرد كثيرًا، فضمت يدًا إلى صدرها وبالأخرى حاولت إيقاف سيارة. مر خمس دقائق ولم تأتِ سيارة واحدة حتى فارغة، إلا وكان صاحبها لا يسمح له مزاجه بأن يقلها الآن. وكانت ثيابها قد تبللت قليلاً وازداد شعورها بالبرد.فجأة وجدته يصف سيارته أمامها مباشرةً وينزل منها وهو يخلع سترته، ثم وضعها عليها دون أن ينبس بكلمة، وبنفس الصمت سحبها من يدها بشدة، وفتح لها باب السيارة الأمامي وأردف بحدة:
-اركبي
شعرت هي بالخوف منه لتلك الطريقة التي يتعامل معها بها، مع أنها لن تنكر شعورها بالدهشة لرؤيته فهي قد ظنت أنه ذهب منذ وقتٍ طويل و.
-كاثرن، قولتلك اركلي
قالها بصوتٍ أقل حدة بقليل بعد أن جلس داخل السيارة، فاستسلمت هي لأمره وركبت، ثم أغلقت الباب ويداها ما تزال ترتجف، لكنها أغلقت الباب برفق زائد عن الحد لدرجة أن الباب لم يغلق جيدًا، لذا اضطر هو لمد يده إلى الباب وإغلاقه جيدًا، ولكن حين فعل ذلك رجعت هي للخلف كثيرًا وكأنها خافت أن يؤذيها خاصةً بعد طريقته تلك، ودمعت عينها. فنظر إياس لها وأدرك أنها تهابه لذلك حاول التخفيف عنها خين قال بهدوء:
-فين بيتك؟
أجابته كاثرن بخفوت:
-في ((...))
-طيب، حطي إيدك في جيب الجاكيت اليمين، وخدي اللي فيه
قال كلمته، ثم انطلق سريعًا بالسيارة، حينها فعلت هي ما قاله لها بعدم فهم، لكنها وجدت علبة مناديل ورقية، فنظرت له وأردفت بحرج:
-شكرًا
ثم سحبت أحد المناديل وبدأت تمسح غبراتها بسرعة، حينها قال هو بهدوء تام:
-أحسن؟
أجابته بحزن:
-إياس، أنا آسفة عشان بفهمك غلط كل مرة، بس أنا اللي مريت بيه مش قليل، اللي مريت بيه كان كفيل لوحده إنه يكرهني في كل الرجالة.
أخذ نفسًا عميقًا، ثم نظر لها، وسألها برفق:
-بس مش كل الرجالة زي بعضهم يا كاثرن، زي ما فيه الوحش فيه الحلو.
هزت رأسها غير مقتنعة وهي تجيبه بغضب:
-لأ يا إياس، بيكونوا طيبين وبعدها يتغيروا، بيورونا المميزات عشان نتصدم باكتشاف العيوب بعدها.
أوقف السيارة فجأة، ثم نظر لها متسائلاً بتريث:
-الوقت إنتي شايفاني إيه؟
أجابته بعدم فهم:
-شايفاك إيه مش فاهمة؟
سألها ثانية بدون تفكير:
-إنتي شايفاني أنا الإنسان اللي ممكن أكون مكان القذر ده! أو حتى أشبهه ولو في صفة واحدة؟
أشاحت هي وجهها عنه، فتجهم وجهه وانطلق بالسيارة مرةً أخرى بدون أن يقول شيئًا، وظل الصمت يحيط بالمكان لمدة خمس دقائق، إلى أن قررت هي أن تكسره بخفوت النبرات قائلة:
-لأ مش شايفاك زيه، بس هو مكنش هو قبل الجواز، أنا تعبت يا إياس، I'm very tired Eyas.
كان هذا آخر ما قالته قبل أن تنخرط في البكاء، فقد بدأت تتذكر كل شيء يحدث معها هذه الأيام، من الكوابيس والخرف الدائم، ومن الـ..
كان هو قد أوقف السيارة بالفعل ثم ترجل منها، وذهب سريعًا نحوها، ثم فتح لها الباب، وأمسك بيدها، وسحبها برفق ليخرجها من السيارة، حينها خرجت هي معه وهي ما تزال تبكي، فرفع وجهها بيده، ونظر لها مليًا وهو يقول لها بنبرة حانية:
-هششش خلاص، خلاص اهدي، أنا لو كنت أعرف إنك هتنعيطي كدة مكنتش اتكلمت أصلاً.
ثم بدأ يمسح لها دموعها وهو ينظر في عينيها بعمق، ويقول:
-وأنا ميرضنيش أكون أنا مصدر تعبك ده، أنا ممكن أواجه أي حاجة عشان أنا حبيبتك بجد، بس مستحيل آجي عليكي أو أجرحك.
صمت قليلاً قبل أن يتابع بهدوء:
-أنا معرفش ازاي حبيتك، بس كل اللي أعرفه إني حبيتك من يوم ما شوفتك أول مرة، وكل يوم كان بيزيد أكتر. حتى لما كنتي بترفضيني، مكنتش بيأس وكنت بقول إنك ممكن يجي اليوم اللي تتقبليني فيه.
ودلوقتي بقولك إني لو كنت مصدر كل العذاب ده ها..
قاطعته هي بشرود وبنبرة مختنقة:
-بيجيلي في الحلم كل يوم..
صمتت قليلاً قبل أن تتابع بنبرة أشد اختناقًا:
-بسمع قبل ما أنام كل يوم صوت خطوات شبه صوت رجليه زمان، وسعات بيظهرلي في أي حتة أو اتخيل بيه. عاوزة أتخلص منه ومش عارفة ازاي!
ظل هو منتبهًا لها إلى أن انتهت، ثم نظر لها للحظة قبل أن ينظر خلفه للمكان المتواجدون هم فيه، حينها نظر لها مرة أخرى وسألها بهدوء:
-تيجي نكمل كلام جوا؟
نظرت إلى المقهى الذي أمامها، ثم أومأت رأسها موافقة. حينها أخذها معه إلى الداخل.
أنت تقرأ
عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزق
عاطفيةزداد صوت الصراخ والعويل فى ارجاء القصر ، حتى صار الصوت أشبه بصوت مذبحه دامية ... من إحدى الغرف كان شق باب يظهر منه عينان صغيرتان تشاهد كل ما يجدث برعب .. صرخت تلك السيده التى كانت مسجاه على الأرض وبدأت تحاول الزحف حتى تصل الى الرجل الذى كان يتجمع حو...