الفصل الخامس والأربعون:

26.2K 602 9
                                        




٢٠٠٥
دلف ذاك الشاب إلى ذلك المكتب وقد ارتسمت ابتسامة جذابة على محياه، واقترب من مكتب الأخير الجالس عليه. ثم قال بمرح:
-إيه يا بابا، قولتلي آجي ليه كدة، دة إحنا لسا شايفين بعض الصبح لحقت أوحشك!
نظر له والده بشرود، وقد كان وجهه شاحبًا لدرجة غريبة، فسأله الشاب بجدية وقد بدأ يقلق:
-بابا، مالك!
نظر له الأب فجأة ورد بحزم:
-مفيش، كويس، أنا بس كان فيه حاجة عاوزة أقولهالك.
اقترب الشاب من والده وقد بدأت علامات الرعب تكسوا وجهه، فهو غير معتاد على رؤية والده على ذاك الحال.
وضع يده على كتفه وسأله باضطراب:
-فيه إيه يابابا؟
أذ نفسًا عميقًا ثم سأله بهدوء:
-اتصلت ببراء النهاردة؟
اتسعت عيناه رعبًا وهو يردد بقلق:
-ليه حصله إيه.. فيه إيه؟
أجابه بحذر:
-متخافش مش براء، دي أخته يا معتصم.
ازدادت عيناه اتساعًا، وصمت من هول الصدمة، ليسأله بعدها بسرعة وهو يحرك رأسه بانفعال:
-أخته أنهو!! وإيه إللي حصلها!
أغمض عينيه بإرهاق، ووضع يده على جبهته ليتفادى الصداع الحاد، ثم أجابه بهدوء:
-اتعرضت لإغتصاب جماعي، وحالتها حرجة جدًا في المستضفى الوقت.
اهتز قلبه من موضعه، وصارت ضرباته كما لو أن هناك مطرقة بالداخل تطرق على جُدر قلبه، وبرعب النبرات سأله:
-أنهو واحدة!
رفع والده أنظاره إليه، وأجابه بعد أن أخذ نفسًا عميقًا:
-سوفانا.

.....
٢٠١٠
استفاق معتصم من ذكراه على صوت ابنته تردف بمرح:
-بابا، بابا أنا لبست.
أومأ رأسه وابتسم لها ابتسامة شاحبة، فشعرت تالا بشيء مختلف به، لذلك سألته عابسة الوجه:
-بابا، هو إنت زعلان مني؟
نظر لها معتصم وقد رسم اببتسامة حانية على وجهه، ثم اقترب منها وحملها قائلاً بنبرة حاول اكسابها الهدوء:
-ليه بتقولي كدة؟
أجابته سريعًا:
-عشان مش رديت.
ضحك ضحكة خفيفة، ثم قبلها من وجنتها وهو يجيبها برفق:
-لأ مش زعلان، وبعدين بابا بيحب تالا ومش بيزعل منها خالص.
ارتسمت ابتسامة عذبة على وجه الصغيرة، وهمت بضمة بقوة ثم قبلته في خده، حينها ضمها الأخير بحب.
لقد كان دائمًا يشعر بأنه مذنب في حقها، فمنذ أن جاءت الدنيا لم ترَ أُمًا لها، لذلك حاول أن يكون الإثنين بالنسبة لها، لكن الأمر ليس بالهين، فمهما كان عطفه عليها وحبه لها، تبقى الأم أُمًا، تبقى مصدرًا للدفئ والحنان، أحضانها ينبوع من الأمان.
أخذ نفسًا عميقًا لينتبه أنها قد ابتعدت عنه وتنظر لها باسمة. لذلك أنزلها ثم أمسك يدها قائلاً بروية:
-أوعي تضايقي مس فيروز، أنا هبعتك معاها النهاردة زي ما طلبت مني امبارح، بس بعد كدة مش هينفع وهرجع أوديكي بنفسي.
عبست، فسألها رافعًا حاجباه بدهشة:
-إيه مش عاوزاني أوديكي!
هزت رأسها نافية، ثم أجابته ببراءة طفلة في الخامسة من عمرها:
-عاوزة أروح معاها.
-طب ما وأنا؟
وضعت اصبعها في فمها تفكر قليلاً، ثم تابعت بسرعة:
-هي توديني، وإنت تجبيني
قلب يديه ناظرًا لها، متسائلاً باستنكار:
-دة على اساس إن هي شغالة عندك، طب أنا ومغلوب على أمري، هي بقى إيه ذنبها!
مطت شفتيها بانزعاج، وكتفت يداها ولم تجبه، فابتسم لطفولتها، ثم حملها كحركة مفاجئة، وسار بها إلى أن وصل للباب، ثم ارتدى نعله، وخرج حاملاً إياها.

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن