الفصل التاسع

76.1K 2.5K 113
                                    


الفصل التاسع

أتت صاحبة الوجه البشوش لتجد كليهما يتهامسان في مسألة ربما من وجهة نظرها ذات صلة بالعمل، لم تكترث لذلك فالمهم عندها حاليًا هو معرفة أين تقطن ابنتها، فقد طال الوقت ولم تستطع الوصول إليها أو حتى التواصل معها، ولن يشعر أحد بما يعتري صدرها من مشاعر أمومية تخصها وحدها، تنهدت "نادية" بتعب وهي تسير في اتجاه زوجها و"معتصم"، وما إن رأها الأخير تدنو منه حتى هب واقفًا من مكانه ليقول بودٍ:

-ماما، تعالي اقعدي معانا شوية

ابتسمت له متسائلة بعتاب رقيق:

-لسه برضوه مافيش أخبار عن "آسيا"؟

ورغم بساطة السؤال إلا أن الرد عليه كان يحتاج لكثير من المجهود الذهني والعضلي وحتى التعبيري ليبدو مقنعًا أمام نظراتها الحنون التي تخترقه، ابتلع ريقه مقتربًا منها بعد أن تبادل نظرات حائرة مع أبيه، مد يديه ليلتقط كفيها بين راحتيه، أحنى رأسه عليهما مقبلاً كلاهما في مودة، ثم اعتدل في وقفته قائلاً لها:

-لسه شوية يا ماما، إنتي عارفة الحكاية مش بالساهل

اغرورقت حدقتاها بالعبرات تأثرًا للهفتها المشتاقة لضم ابنتها لصدرها فخرج صوتها مختنقًا وهي تقول:

-صعبان عليا إن بنتي تجيلي لحد هنا وأنا ماشوفهاش، نفسي بس ...

نهض "وحيد" من جلسته مقاطعًا إياها بهدوء بعد أن رأى تأثير ما تردده على حالتها الصحية:

-"نادية"، مافيش داعي للانفعال، الدكتور محذرنا!

وقف إلى جوارها ثم ربت على كتفيها برفق حانٍ محاولاً احتواء حزنها، طالعته بأعينها الباكية قائلة بنحيب خافت:

-غصب عني يا "وحيد"، دي برضوه بنتي

ابتسم لها وهو يومئ برأسه:

-إن شاء الله قريب تشوفيها وترجعلك

ردت وأعينها تملأها نظرات الأمل:

-يا رب

ثم التفتت برأسها نحو "معتصم" تستعطفه:

-"معتصم"، أنا عمري ما طلبت حاجة لنفسي، وجودك إنت وباباك مالي عليا حياتي، بس "آسيا" ليها حق عندي، أنا أمها و...

ربما هي محقة في إحساسها نحو وحيدتها، لكن للأسف الواقع المرير أقسى من ذلك الإحساس الحاني الطاغي عليها، ومع ذلك حافظ على جدية تصرفاته ليبدو مهتمًا أمامها، لذا قاطعها قائلاً بهدوء:

-مش محتاجة تبرري يا ماما، أنا هاعمل كل اللي إنتي عاوزاه

وضعت "نادية" يدها على صدغه تمسح عليه برفق ومرددة بامتنان:

المُحترَمُ البَرْبَريُّ ©️ - كاملة ✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن