الفصل الثالث والعشرون

64.7K 2.5K 201
                                    


الفصل الثالث والعشرون

تخيل أنه يخوض كابوسًا مزعجًا سيفيق منه بعد قليل ليغدو كل شيء طبيعيًا كما اعتاد في حياته الهادئة قبل أن يلقاها، لكن على عكس ما تمنى "معتصم" كان الأمر واقعًا ملموسًا؛ "آسيا" ممددة على الأرضية الإسفلتية غارقة في دمائها ووجهها يختبئ خلف تلك الصبغة المخيفة، ويحاوطها أشخاص غرباء لا يستطيع أن يفسر همهماتهم المتداخلة، حبس أنفاسه مترقبًا انسدال الستار والإعلان عن خبر مشؤوم سيتحمل هو اللوم كليًا عنه، انقطعت أنفاسه وأحس بارتفاع صوت نبضات قلبه في صدره، التدافع يزداد والوجوه تعكس ما يدور، شعر "معتصم" بقبضة قوية تدفعه للخلف، نظر بشرود مصدوم لمن فعل ذلك فوجد أحد المسعفين يريد أن يمر ليتفقدها، انزوى بعيدًا عن الحشد المتكتل حولها غير مدرك لما سيفعله، لأول مرة يفقد قدرته على التصرف في المواقف الصعبة.

عاون "نبيل" المسعفين في رفع "آسيا" على الناقلة الطبية وتولى مهمة الإدلاء عن البيانات الشخصية التي تخصها لأحدهم، استدار برأسه ناحية ابن عمه يسأله بنبرة محتقنة لكنها رسمية للغاية:

-جاي معايا؟

بدا "معتصم" فاقدًا لقدرته على النطق أو التعبير، كان وجهه جامدًا خاليًا من أي تعبيرات تدل على قبوله أو رفضه، نظر له "نبيل" باستياء محبط ثم أضاف بجدية:

-خليك مكانك أنا رايح معاها!

حاول "معتصم" الرد عليه لكنه كان في حالة صدمة، شعر أن الكلمات هربت من على طرف لسانه، بأنه مسلوب الإرادة ومضطرب في الإحساس، تحركت أعينه مع ابن عمه وهو يستقل عربة الإسعاف برفقة "آسيا" ليستفيق بعدها من جموده المريب مدركًا أنه بات بمفرده في الشارع وبعض الأفراد ممن يندبون حظ تلك الشابة التعسة التي ربما لن تنجو من ذلك الحادث الأليم، استوعب ما يدور وعاد إلى أرض الواقع، استجمع نفسه ثم هرول متجهًا نحو سيارته ليستقلها ويتبعهم محاولاً إجبار عقله على التفكير بمنطقية في تلك الظروف العصبية.

....................................................

شهقت بحشرجة مخيفة وهي تنتفض من رقدتها الطويلة مستعيدة وعيها، وكأن قلبها استشعر ما تمر به ابنتها فأجبر عقلها على العمل بكفاءة والنهوض من ذلك السبات العميق، بدأت "نادية" في تحريك جسدها المتيبس بحركات متكررة معلنة عن إفاقتها، هب "وحيد" واقفًا من مكانه بعد أن أغلق مصحفه وأسنده على الطاولة متوجهًا إليها، لم يصدق عينيه وهو يرى بنفسه حركتها المحدودة، تهللت أساريره هاتفًا بسعادة:

-"نادية" حبيبتي، إنتي سمعاني

حاولت نزع الكمامة البلاستيكية التي تمدها بالأكسجين لتقول بصوت خفيض وواهن:

المُحترَمُ البَرْبَريُّ ©️ - كاملة ✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن