الفصل العشرون
لاحقتها عدسات المصورين مقتحمين خصوصيتها بكل بجاحة وجرأة، بدت أسئلتهم كالخناجر المسمومة تطعن في شرفها وتغتال أكثر من روحها، لم تجب "آسيا" عليهم بل انساقت مع أذرع رجال الشرطة التي تجذبها بشراسة نحو السيارة الشرطية لتجلس في الخلف كمعتادي الإجرام، ارتعشت لأكثر من مرة وهي تتجه نحو المجهول، لا تعرف ما الذي حدث لتنقلب حياتها فجأة رأسًا على عقب، توقفت السيارة أمام المخفر، وترجلت منها وهي مقيدة بالأصفاد، أصيبت بحالة من الذهول الصادم وهي تسير كالمغيبة وسط حفنة من المجرمين والخارجين عن القانون عبر أروقة قسم الشرطة لتترك بإهمال عند الزاوية القريبة من غرفة الضابط المسئول عن أخذ أقوالها.
لم تجد "آسيا" ما تجلس عليه، وقدماها كانتا كالهلام لا تستطيعان حملها، لذا استندت بجسدها المرتجف على الحائط البارد مما ضاعف من رعشتها، زاغت أبصارها وهي تتأمل الوجوه المتجهمة المحدقة بها بوقاحة، تمنت لو انشقت الأرض وابتلعتها فورًا لتهرب من نظراتهم الشهوانية الطامعة فيها، حاولت أن تخبئ جسدها بيديها، لكن ماذا ستخفي وهي ترتدي الكاشف له؟ للحظة شعرت أنها تخوض تجربة تناستها عمدًا من الماضي البعيد، انفصلت عمن حولها لا إراديًا لتعود بالذاكرة إلى الوراء حيث كانت في سن المراهقة، تركها والدها بمفردها في المنزل كعادته دون أن يخبرها بمجيء أحد رفاقه في لعب القمار لزيارته، تفاجأت "آسيا" بذلك الضيف الغريب ورحبت به على استحياء قائلة:
-بابا مش موجود دلوقتي
رمقها الرجل بنظرات متفحصة لثيابها المنزلية التي كانت منحصرة في سروال قصير وكنزة صيفية ذات حملات رفيعة أظهرت جمالها الطبيعي، تأثر بسحرها المغري فوضع يده بجرأة على وجنتها يتلمسها بطريقة مريبة وهو يلج لصالة المنزل مرددًا باستظراف:
-هو قالي استناه، عن إذنك شوية يا قمر!
انتفضت من لمسته الجريئة على بشرتها وردت عليه بوجوم وقد زادت ملامحها عبوسًا:
-إنت ممكن تجيله وقت تاني
تجاهل جملتها الأخيرة عن عمد سامحًا لنفسه بالدخول، التفت ناحيتها متابعًا بسماجة:
-وأسيب قعدتك الحلوة دي يا حلوة؟
نظرت له بازدراء لكنه أكمل ببرود:
-ممكن كوباية مياه، أصل أنا ريقي ناشف، ناشف أوي!
بدت طريقته في الحديث غير مريحة على الإطلاق، لم تترك العنان لخيالها ليفسر الأمور من منظور آخر، استدارت متجهة نحو المطبخ لتحضر له كوب الماء الذي طلبه، تسلل ورائها قاصدًا احتضانها من الخلف وتلمس جسدها، شهقت مصدومة من فعلته الجريئة وانتفضت بكامل جسدها مصعوقة من تجاوزه المشين معها، دفعته "آسيا" بعنف للخلف صائحة فيه بحدة:
أنت تقرأ
المُحترَمُ البَرْبَريُّ ©️ - كاملة ✅
Dragosteعادت لتنتقم من الأقرب إليها كالغريب، فوجدته يقف أمامها كالحائط المنيع، لم يجمعهما سوى الكره العنيد، لكنها سرت في عروقه مثلما تجري الدماء في حبل الوريد المحترم البربري رواية اجتماعية بين قطبين شرسين #منال #منال_سالم