الفصل الرابع والأربعون
لم يحرك ساكنًا في جلسته غير الاعتيادية على الأريكة لتبقى في أحضانه هادئة مستكينة، بدا كالصنم متخذًا حذره لتبقى قدر الإمكان مستسلمة معه، أشــار "معتصم" بيده للخادمة التي كادت تقترب منهما لتتوقف عن التقدم وتستدير عائدة أدراجها من حيث أتت، تنهد بتمهل ثم أسبل عينيه ليحدق في وجه "آسيا"، راقبها باهتمام نابذًا خلف ظهره بقايا كراهيته لها، وبحذرٍ شديد أزاح تلك الخصلات التي غطت جبينها وحجبت الرؤية عنه ليتأملها عن كثب، أمعن النظر في تفاصيلها الناعمة، كانت حقًا جميلة للغاية، طالت نظراته المتعمقة نحوها، أحس بدقات قلبه تضطرب وبشيء ما بداخله يتحرك ويحثه على التودد إليها والاقتراب أكثر منها.
للحظة غمره شعورًا غريبًا بمعاودة تقبيلها مثلما فعل ليلة عقد قرانهما، قاوم تلك الفكرة الجامحة ومع هذا رضخ سريعًا أمام إلحاح خلاياه المتشوقة لها، لم يتردد كثيرًا، أحنى رأسه عليها ليتلمس شفتيها بحرصٍ وروية، نقلته قبلتها الناعمة إلى مكان آخر متناسيًا فيه كل شيء، شعر بتململها في أحضانه فتوقف عن تقبيلها وتراجع برأسه بعيدًا عنها مدعيًا النوم، أفاقت "آسيا" من غفلتها القصيرة على تلك القشعريرة التي تسربت إليها عبر شفتيها من ذلك الملمس الحذر عليهما فنبهت مراكز الإدراك لديها، فتحت عينيها ببطءٍ لتجد نفسها في ذلك الوضع المريب، انتفضت متسائلة بتوترٍ:
-إنت بتعمل إيه؟
لكزته بقسوة في صدره وهي تلقي نظرة عابرة على ثيابها لتتأكد من بقائهم عليها، تنفست الصعداء لعدم حدوث ما تخاف التفكير فيه، ادعى "معتصم" استيقاظه من سباته محدقًا فيها بنصف عين، أجابها بصوتٍ شبه ناعس:
-كنت نايم
أكمل تمثيليته مضيفًا بتساؤلٍ:
-في حاجة؟
حاولت النهوض من على قدميه متسائلة بانزعاج:
-وأنا إيه اللي جابني عندك؟ وإنت كنت بتعمل إيه و...
أخفى عن عمد تقبيله لها كي لا تقيم الدنيا وتقعدها، تشبث بها أكثر لتعجز عن التخلص منه، ثم أجابها بابتسامة عابثة:
-كنتي تعبانة
تجهمت تعابيرها وقد بدت غير مقتنعة بمبرره الضعيف، أزاحت قبضتيه عنها مستخدمة قوتها لتنهض وهي تعلق بضيق:
-أنا دلوقتي كويسة
حافظ على ابتسامته الهادئة قائلاً باقتضاب:
-تمام
تحاشت النظر إليه وهندمت من ثيابها، شعرت بوجود خطب ما وبأنظاره تخترقها من الخلف، تجاهلت ما تشعر به لتكتفي بالإرهاق الذي نال من أعصابها وأضناها، وقف "معتصم" على قدميه ليسألها باهتمام:
أنت تقرأ
المُحترَمُ البَرْبَريُّ ©️ - كاملة ✅
Romanceعادت لتنتقم من الأقرب إليها كالغريب، فوجدته يقف أمامها كالحائط المنيع، لم يجمعهما سوى الكره العنيد، لكنها سرت في عروقه مثلما تجري الدماء في حبل الوريد المحترم البربري رواية اجتماعية بين قطبين شرسين #منال #منال_سالم