الفصل الخامس والأربعون (الأخير – الجزء الثالث)
مضى ما يقرب من شهرين منذ انتقالها للعيش في تلك المدينة السياحية المطلة على البحر الأحمر، اختلفت حياتها كليًا عما عاشته من قبل رغم الذكريات التي ظلت ملازمة لها، تحولت "آسيا" إلى شابة أخرى بسيطة المظهر ترتدي العباءات المزركشة التي تماثل ثياب أهل النوبة وتضع ما يشبه غطاء الرأس على خصلاتها، ومع ذلك ظلت محتفظة بجمالها الطبيعي، تأقلمت من جديد على وحدتها وكتم أحزانها في صدرها، وأخفت عن رفيقتها أغلب ما يخص حياتها، لم تعطها إلا القليل من المعلومات الغامضة التي لا تفيد بشيء لتضمن عدم وصول "معتصم" إليها إن لعب القدر دوره وعرف طريقها.
كذلك أشرفت بنفسها على العمال المكلفين بتجهيز بازارها الصغير في منطقة المزارات، فضلت أن تُنشأ مشروعًا خاصًا بها تعرض فيه على الزائرين الحلي والإكسسوارت يدوية الصنع بحكم خبرتها في مجال الأزياء والموضة، وساعدتها رفيقتها في ذلك بتأجيرها لأحد المحال التي تمتلكها، ورغم التعب الذي ظهر عليها مؤخرًا إلا أنها لم تتقاعس عن متابعة التجهيزات النهائية من أجل افتتاحه، أحضرت لها "جميلة" الطعام الجاهز لتتناوله معها، هتفت عاليًا ومشيرة لها بيدها:
-تعالي يا "آسيا"، الأوردر وصل
بدت الأخيرة فاقدة للشهية إلى حد ما، أزعجت أنفها رائحته القوية، رفعت كفها هامسة باعتراض:
-ماليش نفس
أصرت على إطعامها قائلة:
-يا بنتي إنتي واقفة على رجليكي من الصبح مع العمال، مش معقول هاسيبك كده لحد ما تقعي من طولك؟
هزت رأسها بالنفي وقد بدا عليها التأفف والنفور:
-مش قادرة صدقيني، بطني تعبانة، وجسمي همدان
توجست "جميلة" خيفة من إصابتها بفيروس ما فهتفت بقلقٍ:
-ماتسكتيش على نفسك، احنا بالليل نروح لدكتور يطمنا، ويديكي دوا مناسب
لم تجد بدًا من الاعتراض فهي بحاجة إلى ما يعيد لها صحتها الواهنة، ردت بخفوتٍ:
-اوكي
.................................................
لم يتوقف عن التطلع إلى صورها التي ملأت ذاكرة هاتفه المحمول ليؤكد "معتصم" لنفسه أن وجودها معه لم يكن وهمًا أبدًا، اختفت "آسيا" من الساحة الفنية ولم يعد هناك ما قد ينشر عنها في أي من المواقع الإخبارية بالرغم من بحثه اليومي عما يخصها، إذ ربما تكون وسيلته الوحيدة للحصول على طرف خيط يمكنه من الوصول إليها، ولج "نبيل" إلى داخل مكتبه ليسأله:
أنت تقرأ
المُحترَمُ البَرْبَريُّ ©️ - كاملة ✅
Storie d'amoreعادت لتنتقم من الأقرب إليها كالغريب، فوجدته يقف أمامها كالحائط المنيع، لم يجمعهما سوى الكره العنيد، لكنها سرت في عروقه مثلما تجري الدماء في حبل الوريد المحترم البربري رواية اجتماعية بين قطبين شرسين #منال #منال_سالم