الفصل الثالث
لم تكن وفاة شارلوت مفاجأة لرائد ولكن نجاة طفلته كانت المعجزة التى اخرجته سريعا من حالة البؤس التى كادت ان تسيطر على حياته .. عندما رآها كانت عيناه لا تصدقان أن هناك كائن بمثل هذا الصغر والضعف يمكن ان يمتلك كل احاسيسه ومشاعره .. كانت كبرعم زهرة صغير.. فسماها زهرة .. أسما رآه يليق بها فقد كانت كلها ألوان تنطق بالحياة .. عينان خضروان كبيرتان وفم وردى صغير وشعيرات ذهبيه ناعمه تنافس أشعة الشمس ببريقها .
أعطاه بقاءها فى الحضانه بالمستشفى وقتا ليرتب أموره وكان أسوأ ما مر به هو وداعه لجثمان شارلوت فى المطار , لقد تكفلت سفارة بلدها بكل شئ وكان قد تواصل مع صديقة لها فى فرنسا ستكون فى أستقبال الجثمان عند وصوله وستشرف بنفسها على عملية الدفن وقد شعر بالحزن لأنه لن يكون معها فظروفه كانت تمنعه من مصاحبتها وبعد أقلاع الطائرة ظل واقفا فى مكانه وقد حل الفراغ محل الحزن بداخله ولم يجد دموعا يزرفها عليها وقد تبلدت كل مشاعره وبعد ذلك مرت عليه أيام كان فيها يسير ويتكلم كأنسان آلى بلا أى أحاسيس والشئ الوحيد الذى كان يعطيه لمحه عن انسانيته هو عندما يذهب لرؤية أبنته ويبدأ فى التفكر فى مستقبلهما .. وقد تغيرت حساباته الأن ولم تعد الحجره التى ينام فيها فى المطعم تصلح للعيش فيها وكانت فكرة أن يلجأ لوالديه مرة أخرى مستبعده تماما وكانا قد حاولا التواصل معه عن طريق أحد أصدقائه بعدما علما بوفاة زوجته ولكنه رفض لقاءهما وحاول صديقه هذا أن يثنيه عن عناده وأخبره أن والدته بدت قلقه جدا عليه وأن من مصلحته ومصلحة أبنته أن يعود الى بيته ولكنه آبى أن يقبل نصيحته خاصة وأن جراحه مازالت تنزف بسببهما وكان قد اتفق مع عمار أن يساعده فى البحث عن مكان يسكن فيه وقبل موعد خروج زهرة من المستشفى بيومين وجد له عمار شقه وكانت تقع فى احدى المناطق العشوائيه التى لم يتخيل رائد نفسه يعيش فى احداها , وذهب معه ليراها وكان صاحب البيت امام مسجد على معرفه سابقه بعمار . تقع الشقه فى الدور الأول وتتآلف من حجرة نوم واحدة وصاله صغيرة ومطبخ وحمام يتصلان ببعضهما البعض فدخول الحمام يكون عن طريق المطبخ وكان الأثاث قليل ومتهالك ولكن رائد قبل بها دون أعتراض فقد كانت الأجرة مناسبة له كما أن صاحب البيت كان متفهما لوضعه .
عندما أخذ رائد زهرة من المشفى كانت المره الأولى التى يواجه بها العالم بمثل هذا الرعب وقد وقف أمام باب المشفى يضم الجسد الصغير الى قلبه بخشيه .. وود للحظات مجنونه أن يعود بطفلته الى الداخل وتسليمها مرة أخرى لأيدى الممرضات القادرات .. العالم كان مكانا مخيفا وقاسيا وهو وحده فماذا يتوقع وهو الأن مسؤلا عن روح ضعيفه ليس لها فى العالم أحد سواه ؟ وعندما طال وقوفه شعر بيد حازمه تربت على كتفه مشجعه وعندما ألتفت تعلقت عيناه العاجزتان بعينا عمار وفى الحال شعر بأن الحمل يخف عن كاهله وجزء من خشيته تتوارى خلف موجات الثقه التى يستمدها من وجوده معه وفكر .. أنه ليس وحده تماما .
أنت تقرأ
رواية : (( زهرة بين قلبين ..زهرة بين خريفين ) ) ..كتابة : مايسة ريان
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة ...ممنوع النقل او الاقتباس رائد وعمار .. كلاهما أصبح فى الشارع .. ورغم أختلاف نشأتهما الا أن الظروف جعلتهما فيه يلتقيان .. فجمعتهما الحاجة الى الأمان والأنتماء .. كانت الحياة عليهما صعبة ولكنها عادلة , تعبوا وأجتهدوا وحص...