اخيرا وليس آخرا
فصل النهايات
الفصل الأخير
...........
يهز رأسه بتفهم ويقترب منها بخطواته العارجة مستندا على عصاه يثني ذراعه الأيمن ليريح كفه فوق معدته :"يلا عشان اكيد عامر مستنيكي على نار.."
تمسك بذراعه وتقول بسعادة :"أنا كمان مستنية على نار ...يلا"
..........
نزل بها درجات الدرج للأسفل في خطوات متمهلة يراقب الكل بعيون زائغة يشعر عند انتهائه من كل درجة بانسحاب روحه واقتراب نهايته ليشعر باناملها التى ضغطت فوق ذراعها لينظر اليها بتيه ... فتهديه ابتسامتها المعتادة الصعب تفسيرها ...تزامنا مع نزول أخيه يامن وتقى التى تظهر السعادة عليهما جلية ..الان يتمنى لهم الاستقرار والسعادة .يامن يستحق وتقى أيضا....
ولكن لما محمد لم ينزل بها مثلما قال ؟!..لا يهم الان مايهم ماسيحدث الان...
يبحث بعينه عن عامر وسط الموجودين المهنئين حتى يسلمها له فتلاحظ هي توتره فتهمس له :"عامر يمكن جوه القاعة ...ماتقلقش"
يهز رأسه برتابة على حديثها ..ليجد محمد يقترب وهو يحمل احد ابنائه وبجواره سوزان ومعها طفلها :
"مبروك ياغزل ..أنا اليوم سعيد جدا ان هطمن عليكي ....مبروك يايوسف"
مبروك ...أ يهنئه علي تسليمها لغيره ؟!!..ماهذا الهراء؟!...فيحتفظ بالصمت حتي لاينفجر ...وعند متابعته للدخول للقاعة تحت أنغام الموسيقى والأجواء الاحتفالية لمح غريمة يقترب بثقة ويصافحه برسمية ويختطف منه قطعة من قلبه ليتحرك بها في مكانها المخصص تحت أنظاره التائهة ..ماباله يقف كالابله ينظر إليهما وهما يتبادلان الحديث والابتسامات غير مهتمين بمن حولهم ليجد يد تربت فوق كتفه يقول:
"جه الوقت اللي اقدر أقولك فيه يايوسف ..ان سامحتك "
فيلتفت يوسف لصديق عمره:"اخيرا حنيت على صاحب عمرك .."
"بلاش نتكلم في اللي فات ..خلينا في انهارده وبكرة "ليقترب اليه شادي يحتضنه بقوة تحت صدمة يوسف الذي رفع يده ببطء يبادله العناق ونظرة متعلق بها وهي تضحك وتبتسم في سعادة .....
.............
وقف بشرفة خارجية يتنفس بعض الهواء البارد ويدخن سيجارة اقترضها من احد المدعوين ليدخنها بعيدا عن الأعين المراقبة له ....لقد هرب من القاعة لم يستطع تحمل رؤيتها معه اكثر من ذلك ..رؤيتها وهي تجلس بجواره يقتله.. يمزقه ولكنه وعدها وعدها بتركها تعيش بأمان بعيدا عنه ..وعدها بالا يفسد حياتها مرة أخرى حتى تنال السلام في حياتها.....لولا علمه بحب أخيه لتقى لكان عرض عليه ردها لعصمته ..ولكنه لن يفسد حياة أخيه هو الآخر ...يكفي ماحدث وتضحياته التى قدمها من اجل حمايتها والحفاظ عليها...جاء الوقت ليقدم هو تضحياته لها......
يسمع صوت كعب أنثوي يخطوا خطوات سريعة اشبه بالركض فوق الرخام المصقول مع حفيف الفستان المزعج فيصدح صوتها المتعجل له:
"انت هنا والدنيا مقلوبة عليك في القاعة ..يلا بسرعة كتب الكتاب بدأ ويامن عايزك شاهد على جوازه من تقى وجواز غزل "
لتجذبه من ذراعه بقوة وتهرول به ملك على عجالة فيتحرك معها بجسد مهموم وهي تسحبه خلفها بسعادة ...مابال الكل لايهتم بمشاعره اليوم ؟!...أهذه طريقة انتقامهم منه؟!....فيدخل القاعة يبحث بعيونه عنها وسط الموجودين فيفشل في إيجادها ..لتدفعه ملك حتى يتقدم لطاولة البيضاوية التي يترأسها المأذون وأمامه أخيه من جهه ومحمد من جهه أخرى فيسمع يامن يطلب علي عجالة:
"بطاقتك يايوسف بسرعة"يهز رأسه برتابة ويمرر بطاقته له
يستمع الي خطبة المأذون برتابة وملل ...متى ستنتهي هذه المسرحية الهزلية ؟...يريد ان ينعم بحجرته وينام على امل ان تزوره اليوم بأحلامه ...
يقطع شروده ذكر اسمها الذي خرج من فاه احدهم لينتبه لوقوفها أمامه فتساعدها ملك بالجلوس على كرسيها أمام المأذون ...هل هكذا تنهي انتقامها ؟..ان يراها وهي تكتب لغيره أمام عينه؟...
وقف منتظرا ظهور عامر متلفتا حوله وسط الزحام ليجده يتحدث مع شخص ما باهتمام ......فيسمع صوت المأذون يقول :"بطاقة العروس "
فيتقدم محمد بتقديمها لكتب البيانات ....
يريد الهروب الاختفاء عن الأنظار المراقبة له الشامتة لحال يوسف الشافعي ..المتأملة انكساره ...ضعفه ....وقف متهدل الكتفين يشعر بألم حارق بصدره بقلبه ..ليتفاجأ بابتلال أعينه رغمًا عنه ..أيبكي الان ؟..نعم يبكي ..يبكي فقدانها ..يبكي حرمانه ...يبكي ضياعه ..لما اصرت عليه ان يكمل علاجه ولا يستسلم لموته ..؟!!...كان يعلم ان موته راحة له ولمن حوله .....
بدأ يشعر بالاختناق فيرفع أنامله في محاولة منه لفك ربطة عنقه الصغيرة بضعف ..اثناء ذلك يشاهد اقتراب عامر بخطوات ثابتة اتجاهها بسعادة لإتمام عقد قرانهما ويجلس أمامها يحدثها لتبتسم له وتبادله الحديث
ويصدح صوت الشيخ .:
"بطاقة العريس "
فيمرر نظره حول الموجودين ليجد الجميع ينظرون له نظرات غريبة هيأ له انه لاحظ ابتسامتهم الشامتة على وجههم فيزداد اختناقه ليدور حول نفسه بتيه محاولا التنفس والهروب منهم مع محاولة فك ربطة عنقه..حتي ربطة عنقه تعانده ليجد يد أخيه تسنده بقوة قائلا بخوف ظاهر:
"يوسف !!..انت كويس ...؟.حاسس بايه؟"
تتخاذل قدمها لم تستطع تحمل جسده اكثر من ذلك يشعر بالبرودة الشديدة مع تعرقه وصعوبة تنفسه فيسقط أرضا مع محاوطة ذراع اخيه ..ليسمع أصوات شهقات وأصوات متداخلة لايميزها ..أين هي الان ؟...لما لم تطمئن عليه ؟...نعم انها تكرهه بشدة...تتمنى موته السريع ...
ليسمع صوت ملك اخته تصرخ ببكاء ...منادية باسمه ..مع تداخل صوت أنثوي يعلمه جيدا وصوت قستانها الثقيل ليعلو صوتها بنبرة شبه باكية:"يوسف !!!...فوق ......يوسف !!..يووووووسف!!!!!"
فتصدر منه شهقة عالية مع فتح أعينه على وسعها ويمرر نظره من حوله ....ليعقد حاجبيه بتعجب قائلا لحاله:
"أين ذهبوا ؟!....لما هو بحجرته ...؟..أين ذهبوا ..وقبل ان يسأل حاله لما هو بفراشه وكيف وصل اليه ...انتفض بذعر عندما واجهت عينيه عيون رمادية ناعسة تعلو وجهه ...فتهتز حدقته بتوتر من وجودها بجواره بشعرها الذي استطال لكتفيها وملابس نومها فيسمع صوتها اللائم :"حرام عليك كل يوم أقوم مفزوعة من كوابيسك"
ليقول لنفسه "كوابيس ..اي كوابيس....؟!....انه بحلم جميل لانها موجودة به"
فيراقبها وهي تنحني فوقه لتجلب كوبا من الماء تقدمه له ...فينظر للكوب بارتياب منه ...
غزل بنعومة:"اشرب يايوسف ..انت كنت بتحلم كالعادة ...أنا جنبك وهفضل جنبك "
"أنا بحلم ..اكيد بحلم ...اطلعي من حلمي "
فتصدح ضحكة أنثوية منها على حديثة وتقوم بقرص وجنته بقوة مؤلمة ليصرخ ألمًا ويسمعها تقول:
"ها...صدقت أني حقيقة ..واني جنبك في حضنك "
ليبدأ في نفض النعاس ويجمع شتات نفسه ليزفر بقوة يقول:"كان كابوس بشع ..بتمنى الموت فيه كل مرة الا أني اشوفك بتتكتبي علي اسم راجل تاني"
"أنسى بقى يايوسف ..الموضوع عدي عليه سنة وأنت لسه لحد دلوقتي بتحلم بيه ..اعتقد محتاج دكتور نفسي تستشيره ..."
ليحذبها بقوة لصدره العاري مقربا وجهها لوجهه
"انتي علاجي ياغزل ..من غيرك اموت ..أنا كل ماافتكر ان كنت هسلمك بايدي لغيري بتجنن ..."
فتصدر منها تأوه عالي لينتفض جالسًا يضع يده فوق بطنها المنتفخة
"حاسة بحاجة ..في حاجة بتوجعك؟.."
تغمض عينيها بقوة مع وضعها يدها فوق بطنها المنتفخ تقول من بين أسنانها بغيظ:
"ابنك مش مبطل خبط من الصبح ...هلاقيها منه ولا من ابوه"
ليزول المرح ويحل الوجوم على ملامحه
"ياريت مايطلع زي ابوه "
تفتح عينيها تواجهه وترفع كف يدها تلامس وجنته بحنان وتتعمق بالنظر اليه
"انت احسن راجل في الدنيا ..مش معنى انك غلطت تبقى دي نهاية الدنيا ..كلنا بنغلط عشان نتعلم من اخطائنا ..وأنا وأنت عاهدنا نفسنا ننسى اللي فات عشان ولادنا ولا ايه؟!.."
يرفع كفه يريحه فوق كفها الملامس لوجهه
"ربنا يقدرني ..وأقدر اعوضك واسعدك عن الأيام اللي عدت "
فتهديه قبلة فوق ثغره بحنان قائلة وهي تتحرك بقميص نومها الأسود القصير مبتعدة عن الفراش :
"هروح اشوف بيسان لحد ما تأخذ شاور ....وماتتأخرش انهاردة عيد جوازنا عشان نلحق نجهز الحاجة "....
فتتركه شارد بها وفيما حدث يوم زفافها ....
.......
ليتذكر عندما هاجمته نوبة الاختناق والأغماء سمع صوتها ينادي عليه بلوعة :"يوسف ....يوسف رد عليا....فوق ارجوك ...."
فيجد من يحاول إفاقته بزجاجة عطر ويربت على وجنته يقول بخشونة:"يوسف انت سامعني ...يوسف"
يفتح عينه بثقل ليواجه وجوههم المذعورة الخائفة ويجدها تجلس أرضا جواره بفستان زفافها والدموع تغرق وجهها ...ليجد يامن يحاول مساعدتها في الجلوس على المقعد ويسأله بخوف ظاهر :
"حاسس بحاجة تحب نوديك المستشفى؟!.."
"لا أنا كويس بس حسيت أني مش قادر آخذ نفسي. مش اكتر"فينظر اليها وهي جالسة فوق مقعدها أمامه ليجد النظرات الباردة تحولت لخوف جلي..
"يلا ياشيخنا كمل كتب الكتاب"
قالها يامن باستعجال غريب ..فما كان منه ان يحاول التحرك ليخلي مقعده لعامر ..وعند استعداده للتحرك وجد يد أخيه تربت فوق كتفه بحنان بالغ
"خليك ماتتحركش ..احنا عايزينك"
فيصدح صوت المأذون متسائلا
"من وكيلك ياعروس"
فيجيبه يامن بمرح :"وكيلة نفسها ياشيخنا "
ليأمرها الشيخ بمد يدها لتمسك بيد عريسها فترفع كفها أمامه باتجاهه منتظرة تبادل كفه معها بابتسامة صافية
عند رفعها لكف يدها باتجاهه ظل ينظر لكفها برعب واهتزاز ..ليمرر نظره بين كفها وبينها لايعلم ماتقصده ..فيصدح صوت الشيخ آمرًا إياه
"يلا ياعريس مد أيدك امسك أيد العروس"
يعقد حاجبه بتعجب واضح ليتلفت خلفها ليبحث عمن يوجه له الشيخ الحديث لعل عامر يقف خلفه ولكنه قبل ان يسأل وجد يامن يجذب يده بقوة اتجاه غزل فتمسك بكف يده قائلا بمداعبة:"يلا يايوسف ...عروستك مستنياك"
لم يستوعب مايحدث لينظر لمن حوله بصدمة فيجدهم ينظرون له بعيون دامعة مشجعة يؤكدون له مايحدث ..فتهتز شفتاه بابتسامة بلهاء وعيون تجرى منها الدمع غير مصدقا لما يحدث ليقول متلعثما
"أأأنا.....تقصدوا أنا ..."
فيصدح صوت المأذون يلقي خطبته ...ولكن لم يستمع لكلماته كأنه انفصل عن الموجودين كل ما اراده ان يتأكد انه ليس بحلم سيستيقظ منه ..فيضغط علي كفها لعله يتأكد من وجودها فيلمح ابتسامة شقت وجهها ..ويشعر بعدها بأناملها الناعمة تضغط على كفه ..تقول له أنا معك ..معك دائما ..حقيقة ولست حلمًا.....
فيسمع خلال ذلك صوت الشيخ يحثه على ترديد عباراته ..فيكررها خلفه كالتلميذ الأبله بتلعثم وتوتر ..حتى اضطر لتكرار الكلمات اكثر من مرة لتصحيحها ...حتى سبب في نوبة ضحك من الموجودين على حالة ..
حتى أنهى الشيخ كلماته
"بارك الله لكما وبارك عليكما "
ليندفع أخيه باحتضانه بقوة ولكنه كان مغيبا يتلقى التهاني بجسد بلا روح من الموجودين وعينه مسلطة عليها لا يريد مفارقتها أبدا
ويلاحظ اقترابها وبثبات حتى استقرت أمامه ممسكة بجوانب فستانها لقد كانت مهلكة بطلتها لتهمس له:
"كنت طلبت مني طلب من شوية فاكر ولا نسيت؟!"
وقبل ان يستوعب كلماتها البسيطة اندفعت كالصاروخ لصدره تحتضنه بقوة تقول :"دلوقتي اقدر إسمحلك تحضني"
ليرفع يده ببطء يضمها لصدره بقوة تملكية ويغمض عينيه يريد التأكد من موجودها بحضنه ..ولكن صوتًا مزعجًا قطع عليه تمتعه صوت اخته ملك المزعج تقول بسعادة وهي تجذبها من بين يديه :"اجلوا العواطف دي لبعدين ..الليلة ليلتكم ...يلا....."
فيراها تجذبها وتجري بها وسط القاعة وماكان منه الا تتبعهما حتى لا تضيع منه مرة اخري مستندا على عكازه
ليجد انخفاض الإضاءات من حوله لتصدح الموسيقى وتقف وحيدة منتظرة اقترابه ..فيخطو خطواته اتجاهها بسعادة ..رغم انه ليس اول زفاف لهما الا انه كان زفافا مميزًا عن ذي قبل
لتقول بثقة "مستعد ترقص معايا ولا ادور على حد تاني؟!.."
"انتي مجنونة ..صح ؟!..اكيد مجنونة..استحالة اخلي حد تاني ياخد مكاني"
ليضمها بقوة ويبدا بالتمايل معها على انغام الموسيقى المختارة التي اختارتها خصيصا له:
أنت تقرأ
صماء لا تعرف الغزل (بقلم وسام الأشقر)
Romanceتضحيات صغيرة تصدر منا تشكل فارقًا كبيرًا في حياة الآخرين ..ولكن عند تقديمها يجب معرفة هل ستستطع مواصلة حياتك بهذه التضحية ام ستظل عقبة لاستمرارها....فعليك ان تختار!.....