العمر سنوات أما الموت فلحظة، لحظة واحدة تمر بها سنوات العمر أمام عينيك بتسارع مخيف؛ وكأنها تودعك، تخبرك أن هناك أخطاء لم يعد بالإمكان إصلاحها، لحظات لم تعشها بعد ولكن وقتك قد أزف وحان موعد الرحيل، لحظة ينحني لها الكبرياء وتمحى كلمة الأمل من قاموس حياتك الذي خط به للتو سطر النهاية، لا سبيل للعودة ولا مكان للندم، لا شمس ستشرق من جديد على عالمك ولا قمر يستمع بصبر لشكواك، لحظة تودع بها عشق صامت وكلمات لم يُكتب لها أن تقال، والويل كل الويل لنفس حرمت على نفسها السعادة التي كانت لتكون أنيسها الدائم في وحشة المجهول
شعور رهيب بالألم ينخر عظامها، وطعم بمرارة العلقم جعلها تجد صعوبة في ابتلاع ريقها الجاف، بصعوبة فرقت بين جفنيها الثقيلين وهي تتأوه ممسكة برأسها، لتتسع عينيها فجأة وقد عاودتها الذكريات المرعبة لليلتها الماضية، صرخة مرتعبة صدرت عنها وهي تتراجع بحدة للخلف فوق الفراش الذي احتضن جسدها الساكن للساعات الفائتة عندما شعرت بيد توضع على كتفها،،،
- " شششش اهدي ده أنا خالد، إهدي انتي بخير متخافيش "
رمشت بأهدابها عدة مرات وهي تتعرف على الصوت المألوف لأذنيها لتتضح الرؤية أمامها دفعة واحدة وقد كان لصوته فقط مفعوله السحري على الضباب الذي غلف بصيرتها، انه هو خالد معشوقها السري، يرمقها بحنانه الذي لمسته من قبل في موقف مشابه، منقذها الذي لا تعلم كيف أتي بها إلى هنا، أين هي ؟ ... وهل يهم؟ يكفيها فقط وجوده حولها لتشعر بالأمان الذي افتقدته طوال سنوات عمرها، لم تشعر بنفسها إلا وهي تندفع بسرعة لتحتضنه دافنة وجهها في صدره ثم ما لبثت أن أطلقت لدموعها العنان، تتحدث بسرعة وهي تشدد من إحتضانها له، تشكو له من بين دموعها مرارة ما عايشته بالأمس دون قدرة على التوقف، بينما سيطر هو بشق الأنفس على صدمته من ردة فعلها الغير متوقعة والتي جعلته يقف عاجزًا أمام هجومها المباغت، هل يبادلها العناق؟ لا لا يصح، ولكنها تحتاجه هو يدرك ذلك جيدًا وإلا لما لجأت طواعية لرحابة صدره، رفع ذراعيه بتردد ليطوقها بدوره بأحدهم بينما يربت بالآخر على رأسها، متجاهلًا أسرته التي إجتمعت حولهم فور سماعهم لصراخها، اعتصر عينيه وهو يتذكر لحاقه بها بالأمس كي يطمئن على وصولها سالمة لمنزلها، محافظًا على مسافة آمنة كي لا تنتبه له؛ فتلك الغبية التي تظن نفسها قادرة على حماية نفسها بالطبع لم تكن لتسمح بذلك، كما انه قد عاهد نفسه على التوقف عن إزعاجها فيكفيها ما عانته من قبل، ليفاجأ بالسيارة التي توقفت أمامها قاطعة عليها الطريق، أوقف سيارته على مسافة بعيدة بعض الشئ ثم ترجل عنها مسرعًا وهو يشهر سلاحه، لا يريد أن يلاحظه مهاجميها كي لا يؤذوها أو يلوذا بالفرار دون أن يعرف سبب ملاحقتهم لها، عندما وصل لها أخيرًا كان أحدهم يحاول حملها على كتفه ولكنه عندما رآه تركها على الأرض وهو يركض خلف صديقه نحو سيارتهما، لم يسرع خلفهما فمن الغباء ان يفعل وكلاهما مسلحان بكل تأكيد، كما انه يخشى ان يصيب تلك الغائبة عن الوعي ضرر وسط تبادل إطلاق النيران، استل هاتفه من جيب سترته وهو يطلب رقم ما ثم أملاه رقم لوحة السيارة وعاود إغلاق الخط من جديد، حملها بين ذراعيه كطفلة أنهكها اللعب بدُماها ثم تحرك بها نحو سيارة وانطلق الى منزله كي لا يخيف والدتها، اتصال آخر سريع بحيدر أطلعه به على الأمر في عجالة ثم طلب منه ان يبلغ والدتها بمبيتها في منزلهم وبعدها أغلق الخط، لحظات من الصمت لا يتخللها سوى صوت انفاسها المضربة قاطعها إتصال وارد من زميله يخبره بالقبض على المشتبه بهم في أحد الكمائن القريبة من مكان فرارهما وباستجوابهما اعترفا بانهم مستأجرين من قبل ابن عمها لإختطافها وطلب فدية هائلة من والدتها، أي ديوث قد يفعل ذلك في عرضه !!!
أنت تقرأ
معزوفة كبرياء ( الجزء الخامس من سلسلة ألحان حوائية )
Romantizmالجزء الخامس من سلسلة ألحان حوائية، سلسلة تخص قضايا المرأة وتطرحها في إطار درامي رومانسي كوميدي