أغلق فارس باب شقة والدة دنيا خلف المعزيين وعاد ليجلس بجوارها منهكاً من شدة التعب , نظر إليها فوجدها تدفن رأسها بين كفيها وتنساب عبراتها المنهمرة على وجنتيها لتبلل كفيها ووجهها , أقتربت والدته منها ومسحت على ظهر دنيا بحنان قائلة:
- كفايه يا بنتى هتموتى نفسك من العياط .. أدعيلها بالرحمة
ثم نظرت لـ فارس وأردفت :
- قوم يابنى خد مراتك وادخلوا ارتاحوا شوية.. أنتوا منمتوش من امبارح
نهض فارس بتثاقل , فكم كان محتاجاً لقسط من الراحة لبعض الوقت, بعد نهار طويل من اجراءات الدفن والوقوف لاستقبال المعزين , أمسك يدها وساعدها على النهوض وهو يقول بإشفاق:
- تعالى جوه يا دنيا.. قومى يالا
نهضت وهى تجفف دموعها وقد أطرقت رأسها إلى الأرض وكادت أن تسقط من فرط أجهادها وحالتها النفسية السيئة, لولا أن أسندها بيديه ومضى بها إلى غرفتها , ساعدها فى الجلوس على طرف فراشها قائلاً:
- نامى شوية علشان أعصابك تهدى
رفعت رأسها إليه ببطء ونظرت له من بين دموعها وقالت بصوت مبحوح من كثرة البكاء:
- أقعد لو سمحت
جلس بجوارها على الفراش والتفت إليها مشفقاً لحالها فارتمت على صدره وأخذت تبكى وتشهق بقوة وهى ترجوه قائلةً:
- متسبنيش يا فارس .. أنا ماليش غيرك دلوقتى .. أرجوك متسبنيش لوحدى ..أنا بعتذرلك عن كل اللى عملته معاك وكل اللى غلطته فى حقك.. بس أنا عارفة انك شهم ونبيل ومش هتتخلى عنى .
وشهقت بقوة أكبر وهى تقول بانهيار:
- آخر حاجة ماما قالتهالى أقولك تفضل جنبى علشان ماليش غيرك ..علشان خاطرها يا فارس مش علشان خاطرى انا..أرجوك يا فارس أرجوك
رفع رأسه لأعلى وتنفس بقوة ثم ربت على كتفها مطمئناً وقال :
- متخافيش يا دنيا متخافيش
ولمعت عينيه من التأثر وهو يردف قائلاً:
- أنا جنبك متقلقيش من حاجة أبدًا
أعتدلت ونظرت إليه بلهفة قائلة:
- بجد يا فارس يعنى مش هتطلقنى
ربت على يدها وقال بهدوء :
- متفكريش فى الكلام ده دلوقتى.. أنا عاوزك تنامى وترتاحى ..أنتِ مش شايفة نفسك عامله ازاى
أستلقت فى فراشها مطمئنة وأغمضت عينيها , ظل جالساً بجوارها حتى ذهبت فى سبات عميق , ألقى عليها نظرة مشفقة ونهض بهدوء وخرج وأغلق الباب خلفه , خرج فوجد والدته قد غفوت على الأريكة الخارجية , حاول إيقاظها ولكنها لم تستجب له من شدة الإرهاق , هوى بجسده على المقعد جانبها واستند إلى ظهر المقعد وأغمض عينيه وهو يحاول استيعاب الأمر من جديد .
أنت تقرأ
"مع وقف التنفيذ"
Mystery / Thrillerجميع حقوق الملكية والفكرية للكاتبة الدكتورة "دعاء عبدالرحمن "