أشرقت شمس يوم الجمعة تتسلل بأشعتها الذهبية بين النوافذ والجدران مقتحمةً الأبواب المغلقة لترى ما لا نستطيع أن نراه , ثم تنسحب بهدوء بعد أن قد حملت بين طياتها الكثير والكثير ولكنها لن تفشى الأسرار فهى ليست من بنى البشر .
فتح فارس عينيه قليلاً ووضع يديه عليها ليحميها من أشعة الشمس , فلقد غفى قليلاً على مقعده فى الشرفة المطلة على البحر , نظر حوله وهو يدعو الله أن يكون ما حدث ليلة الأمس كان حلماً مفزعاً فقط , ولكن وضعه وغفوته أنبأته أنه كان حقيقةً بائسةً فلما نظلم الأحلام معنا دائماً .
أعتدل وهو يشعر بألم فى كل خلجة من خلجاته , مسح على رقبته التى شعر بها تؤلمه بشدة من اثر غفوته تلك , نظر للداخل دون أن يتحرك لم يجد لها اثر وباب غرفة النوم مغلق فعلم أنها مازالت نائمة أو أنها تهرب من مواجهته مرة أخرى.
نهض متثاقلاً وبصعوبة توجه إلى الحمام وتوضأ , خرج من الحمام لتقع عينيه على حقيبته التى مازالت أمام باب الشقة .
شرد ذهنه وهو يتذكر ليلة أمس عندما طلبت منه أن يحمل حقيبتها للداخل ففعل ثم تذكر جرأتها الشديدة , فهى التى تقدمت إليه , حتى أنها لم تدعه يتوضا ليصلى بها ركعتين فى بداية حياتهما الزوجية ولم تنتظره حتى يُدخل حقيبته هو الآخر ليبدل ملابسه
تملكه شعور الدهشه والاستغراب وهو يتذكر أفعالها , كيف تكون مرت بما مرت به وتفعل هذا دون خوف مما ينتظرها , كان من الأولى أن تتمنع وتطلب منه أن يمنحها بعض الوقت ,إن كانت كاذبة كانت ستفعل ذلك, وإن كانت صادقة فيما قالت أيضا كانت ستفعل ذلك , ثم تُخبره بالحقيقة وبما حدث لها دون أرادتها , فهى تعلم أخلاقه وأنه لن يظلمها , أم كانت تتصور لأنه عديم الخبرة أنه لن يكتشف الأمر وستستطيع أن تنهى الموقف لصالحها بعد أن تشعل غريزته دون أن ينتبه .
دارت كل تلك التساؤلات فى عقله وقلبه فى لحظة واحدة وهو مازال مصوب عينيه لحقيبته القابعة مكانها منذ ليلة أمس , هز رأسه بقوة ينفض عنه كل تلك الأفكار التى مازالت به لا تفارقه لحظة واحدة لتشعل النار بقلبه من جديد .
عاد إلى الحمام ليتوضا مرة أخرى ليطفأ ما نشب فى صدره من غل وكره وشعور قوى بالأنتقام وما تبعه من وسوسة الشيطان بأن يثار لشرفه ويقتلها لتهدأ رجولته قليلاً لما فعلته به , توضا وعاد وقطرات المياة تتساقط من يديه وخصلات شعره التى تناثرت على جبينه,
أخذ حقيبته ووضعها على الأريكة وأخرج ملابس أخرى ارتداها فى سرعة وأخذ هاتفه ومفاتيحه وخرج ليلحق بصلاة الجمعة.
أنتهى من صلاته وتناول مصحف من مصاحف التفسير المرصوصة جنباً إلى جنب على أحد الأرفف وقبع بالمسجد يقرأ لعله يجد المرشد له فيما وقع فيه وهو يشعر أن سنوات عمره مضت هباءاً منثورا مع تلك المرأة التى أحبها وخانته ولكن مع الاسف ليس لديه دليلاً على خيانتها, يخاف أن تكون تعرضت فعلا للأغتصاب فيكون بذلك قد ظلمها وحاكمها بما ليس لها فيه شىء, ووسط مشاعره المتلاطمة وقعت عيناه على الآية الكريمة فى سورة النور :
أنت تقرأ
"مع وقف التنفيذ"
Mistério / Suspenseجميع حقوق الملكية والفكرية للكاتبة الدكتورة "دعاء عبدالرحمن "