*الفصل الخامس والعشرون "

28.1K 753 33
                                    


كيف تنام العيون وقد فقدت كل الأحبة فى ليلة واحدة , كيف ترتاح القلوب بين الصدور اللآهجة ..ألتف الجميع حول النساء الثكالى فى بيت أم فارس محاولين أن يخففوا عنهم ولكن كيف السبيل لذلك ..دفنت مُهرة وجهها فى صدر أم فارس تبكى وهى تستمع لكلام عزة وعبير عن ما حدث معهم هم أيضا فى بيوتهم قبل الفجر , كل منهن تبكى دماً بعد أن جف نبع دموعهن ..الناظر إليهن لا يعلم من يواسى من , ومن يطمئن من , ومن يربت على كتف من .. الجميع مكلومين فى أحبائهم , كل منهن تحتاج إلى صدر حنون يضمها ويطمئنها على رفيق دربها
ولقد كانت مُهرة هى ملهمتهم فى ذلك عندما ألقت نفسها بين أحضان أم فارس تبكيه وتخفف عنها فى نفس الوقت..كذلك فعلت عبير عندما ألقت نفسها فى حضن أم بلال وكذلك فعلت عزة وهى بين ذراعى أم عمرو وكأنهن بهذه الأحضان يتساندون ويشدوا أزر بعضهم البعض فالمفقود واحد .. ألتف حولهن بعض الجارات يستمعون لماساتهم محاولين التخفيف عنهن ومواساتهن ببعض كلمات الصبر ...بينما ذهب الرجال يبحثون عنهم فى كل الأقسام وبنايات أمن الدولة المبعثرة فى كل مكان , وفى النهاية عادوا بخفى حنين ..لاشىء ..غير موجودين فى أى مكان بشكل رسمى
وقف والد عمرو على باب شقة أم فارس من الخارج هو وبعض الرجال وقال بغضب وهو يكاد يمنع نفسه من البكاء بصعوبة هاتفاً :
-  لفينا الاقسام كلها وروحنا كل مبنى بيقولوا عليه بتاع أمن الدولة.. وبرضة مفيش حس ولا خبر عنهم هما التلاتة هيكونوا ودوهم فين يعنى
رد والد عزة بحنق :
- للدرجة دى أى حد يتاخد من بيته بسهوله كده ويختفى ومالوش أثر ..أحنا فى مصر ولا فى شيكاغو
تدخل محمود أخو عمرو قائلا :
-  أنا عارف كل ده ليه علشان اصحابه مربين دقنهم
أجابه يحيى :
- طب وأيه المشكله يعنى
قال محمود :
-  المشكلة ان أى واحد مربى دقنه يبقى أرهابى وش
هتف مينا أبن العم عامر جارهم قائلا:
-  يا سلام طب ما أحنا عندنا القس مربى دقنه هو الموضوع بالدقن يعنى
تمتم محمود حانقاً :
- يا عم انتوا مسيحين أحنا بنتكلم على المسلمين دلوقتى
قال عامر بحزن :
-  يابنى انتوا جرانا من زمان وعمرنا ما شوفنا منكم حاجة وحشه .. فارس وعمرو وصاحبه بلال اللى زى المرهم ده.. يتعمل فيهم كده ليه ..أرهاب أيه وبتاع أيه .. الأرهاب ده مبنشفهوش غير فى الافلام والمسلسلات
ربت الحاج عبد الله على كتف عامر وهو يقول مؤكدا :
- معاك حق والله يا عامر متزعلش من محمود ميقصدش
قال والد عمرو مقاطعاً :
-  طب دلوقتى هنعمل أيه.. هندور فين ولا هنلاقيهم ازاى بس يا ناس
أنتبه يحيى فجأة وقال :
-  هى مش مرات الأستاذ فارس محامية.. أكيد هى ممكن تعرف تتصرف هى والمحامين اللى فى مكتبه
تقدم والد عمرو بسرعة وطرق باب الشقة المفتوح وهو يقول :
-  يا ست أم فارس أومال مرات الأستاذ فارس فين ..أكيد هى محامية وهتعرف تتصرف
رفعت عزة رأسها من صدر أم عمرو وقالت بلهفة :
-  ايوا يا طنط الله يخليكى هى فين يمكن تعرف تلاقيهم
صوب الجميع نظره إليها , حتى مُهرة رفعت رأسها تنتظر جوابها فقالت وهى تمسح دموعها بكلتا يديها :
-  مرضتش أتصل بيها وهى لوحدها وابلغها.. أتلهيت فى اللى حصل وخفت اقولها وهى لوحدها يحصلها حاجة ..كلمتها بس وقولتلها تيجى ضرورى ومش عارفة اتاخرت ليه لحد دلوقتى ؟!
أستندت عبير إلى ظهر أريكتها وأغمضت عينيها المتورمتين من البكاء فى حسرة وقد لاحت صورته فى عقلها وومض به قلبها وهى تستمع إليه وهو يقول لها بمرح :
-  أوعى تاخرى الصلاة مرة تانية فاهمة ولا افهمك بطريقتى
وجدت الأبتسامة المتألمة طريقها إلى شفتيها وهى ترى ملامحه المداعبة لها وهى تتذكره وهو يداعب أطفاله بشغف طفولى ويجرى بينهم وهم يحاولون أمساكه ولا يستطيعون فيقفز ليعبر واحدا ويلتف حول الآخر بخفة ويجرى من الطفلان الآخران بسرعة ليدور حول المائدة وهم يدورون خلفه ويسقطون من فرط ضحكاتهم المجلجلة قبل أن ينجحوا فى الأمساك به أخيرا فيتكاثروا عليه ويتصنع هو السقوط فيتكالبون فوقه وهو يصرخ بمرح مستنجداً بها أن تنقذه من بين براثنهم .
فرت دمعة من عينيها واعتصر قلبها من الألم ..دخلت دنيا شارعهم وهى ترتدى نظارة سوداء تخفى بها عينيها وجزء كبير من وجهها ومرت بين نظرات الناس حولها المشفقة عليها ومما حدث لزوجها فجراً .. صعدت الدرج فى اضطراب وهى ترى الرجال مجتمعين أعلى الدرج أمام شقة زوجها..  تنحوا جانباً عندما رأوها وهم يقولون :
-  قلبنا معاكى يا بنتى
عبرت من بينهم ودخلت الشقة لترى هذا الجمع الغفير من النساء وترى مُهرة بين ذراعى أم فارس وعيناها تكاد تختفى من كثرة البكاء ودموعها التى لا تجف  ..كان الوضع أشبه بمأتم أجتمعت فيه النساء فقالت فى تلعثم :
-  خير فى ايه يا طنط ايه اللى حصل
نظر لها الجميع بإشفاق حتى مُهرة نظرت لها برحمة وشفقة وهى تتوقع رد الفعل بعد علمها بما حدث ..وقفت أم فارس واقتربت منها وهى تبكى وقالت :
- فارس خدوه يا دنيا.. دخلوا علينا قبل الفجر وخدوه من وسطينا
قالت باضطراب وهى متوترة :
-  هما مين دول؟
نظر لها الجميع بدهشة كبيرة فرد فعلها لا يتواكب مع ما تسمع من والدته بينما قالت أم فارس :
-  بيقولوا أمن الدولة يابنتى.. ومش هو وبس لا كمان خدوا عمرو وبلال معاه
كان لابد أن تظهر بعض رد الفعل وإلا شك بها الجميع فتصنعت البكاء ولكنها لم تخلع عنها نظارتها السوداء حتى لا يعلم الجميع بخداعها ..أستندت إلى الحائط وأخذت تشهق بقوة وهى تضع يدها على فمها ..ربتت أم فارس على كتفيها وهى تقول :
- امسكى نفسك يابنتى ده انتِ اللى المفروض تقوليلنا نعمل ايه أحنا مش لاقينه فى أى حته
تماسكت دنيا سريعاً وتناولت منديلاً لتجفف دموعها التى لم تنزل أصلاً وهى تقول :
- معاكى حق يا طنط ..أنا هدور عليه فى كل حته لحد ما الاقيه عن أذنكم

"مع وقف التنفيذ" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن