الفصل الثالث

11.1K 226 41
                                    

فى الملهى الليلى ....
مازالت السهرة مستمرة بين علي و سهام ، فقد قصت له حكاية زينة قائلة:
ـــ كان زمان فى بت اسمها هدى كانت بتشتغل عندنا هنا ف الكباريه جرسونة ، بتخدم ع الزباين و تنزلهم مشاريب و كدا يعنى ، بس البت هدى دى كانت بت مزة ، كان زباين كتير بيطلوبوها بس مكانتش بترضى أبدا و كانت علطول مصدرة الوش الخشب للزباين ، دا حتى أبويا الله يرحمه كرشها كذا مرة ، بس كانت بتصعب عليه و يرجعها تانى ، كان بيقول غلبانة ملهاش حد ، أنا أبويا آه قرنى بس كان قلبه طيب قوى .
أثارت عبارتها الأخيرة سخريته فضحك مردفا باستهزاء :
ـــ اه انتى هتقوليلى ، الله يرحمه عم سيد ابوكى كان بيصعب عليه البنات الغلابة ؛ فيقوم جايبهم عشان يشغلهم هنا أهو يكسب فيهم ثواب ..
أومأت بالايجاب مؤيدة حديثه الساخر :
اومال يا باشا ؛ اهو يكلو لقمتهم من عرق جبينه
أردف بنبرة أكثر سخرية :
ـــ من عرق جبينهم و ﻻ من هز وسطهم ؟!
أجابته بحنق من جداله العقيم من وجهة نظرها :
ـــ مش أحسن ما يمدو ايدهم للى يسوا و اللى ميسواش ؟!
أومأ لها بعدم اقتناع لينهى الجدال فى هذه النقطة قائلا :
ـــ مش موضوعنا .. كملى
استرسلت بحماس :
ـــ المهم يا باشا ضحك عليها شاب حليوة أوى من اللى كانو بييجو هنا ، كان غنى أوى بس مكنش بييجى كتير ، المهم البت هدى حبته و سلمت نفسها ليه ، يمكن دى الغلطة الوحيدة اللى غلطتها هدى ، ﻻ غلطت قبلها و ﻻ بعدها ، المهم قعدت تتحايل عليه عشان يتجوزها ، و هو يقولها على اخر الزمن اتجوز ريكﻻم ؟
لما مارضيش يتجوزها سلمت أمرها لله و رجعت كملت شغل جرسونة برضو ، لحد ما ف يوم عرفت انها حامل ، كانت هتموت نفسها بس انا قولتلها روحيله عرفيه يمكن قلبه يرق و يرضى يكتب عليكى عشان خاطر الواد حتى !!
ـــ راحتله يا باشا و قالتله ع الحمل ، فصعبت عليه و فهمها بالهداوة كدا إن أبوه راجل شديد اوى و ﻻ يمكن هيوافق ع الجوازة دى ، و يمكن يأذيها كمان لو عرف ، فقالها أحسن حل إنها تنزل الجنين و هو هيفتحلها حساب ف البنك باسمها و يحولها عليه فلوس تصرف منها و تسيب الشغل ف الكباريه لحد ما يشوف صرفة مع أبوه .
تسائل على بفصول:
ـــ و الشاب دا اتجوزها فعلا ؟!
قبضت على رسغه تحثه على الانصات مردفة :
ـــ ما انا جايالك ف الكلام اهو يا باشا ؛ هى قالتلى طالما ما نكرش الجنين يبقى اكيد هيتجوزها بعد ما يتصرف مع أبوه ، و مرضيتش تنزل الحمل و كملته ، مع إنى قولتها يا بنتى نزليه ؛ إفرض خلى بيكى و مرضيش يتجوزك ؟ قالتلى مش مهم هصرف عليه من الفلوس اللى هيحولهالى على حسابى ، بعدها ييجى بشهر كدا بعتلها مرسال انه ابوه هيسفره برة البلد و تنساه خالص و تعيش حياتها ، المهم أبويا عرفها على راجل كبير ف السن كان حاطط عينه عليها و عايز يتجوزها ، ابويا كان حاكيله على كل حاجة و هو وافق يتجوزها و يكتب المولود باسمه ، البت هدى ماكانتش موافقة ، بس انا قولتلها اهو هيسترك و يبقى البت بنتك ليها أب حتى لو ع الورق بس ، اهو حتى تعرف تدخلها المدرسة من غير مشاكل ، المهم وافقت يا باشا عشان خاطر البت زوزة و عاشت معاه و اشتغلتله خدامة و ممرضة لحد ما مات بعد سنتين من الجواز ، و رجعتلنا تانى بالبت بنتها و اشتغلت جرسونة برضو لحد ما جالها المرض الخبيث و ماتت و البت زينة كان عندها خمس سنين .
سكت قليلا يستوعب هذه القصة ثم سألها بفضول : ـــ كدا عرفنا حكاية زينة و أمها .. إيه بقى حكايتها مع جلال ؟
أجابته:
ـــ ماهو يا باشا هدى رجعتلنا و زينة كان عندها سنتين و الواد جلال كان عنده ييجى عشر سنين كدا ، ما كانش فى قدامه اﻻ هى ، فبقى هو اللى بيخلى باله منها على ما امها تخلص شغل و كانت بتكبر قدام عينيه و هو بيكبر معاها ، ماكانش بيروح ف حته أﻻ ما ياخدها معاه ، و كان بيوديها المدرسة و يجيبها ، ابويا قالى سيبيها تتربى معاه ، مسيرها هتكبر و تبقى مزة حلوة و هتنفعنا ف شغل الكباريه ، بينى و بينك يا باشا كلام أبويا جه على هوايا ، و البت لما كبرت كدا و ادورت و احلوت ، بقى الزباين هيموتو عليها ، قولت يلا اهو جه وقتها بقى و نسترزق من وراها نظير تربيتنا ليها..
سكتت تحرك شفتيها المضمومتين يمينا و يسارا بحسرة و أسف ثم أردفت:
ـــ قام ايه يا باشا؟!
أجابها مكملا بدﻻ منها بتخمين :
ـــ قام جلال واقفلك و مرضاش يشغلها ضمن البنات اللى ف الكباريه ؟
أجابته مؤيدة لتخمينه:
ـــ لله ينور عليك يا باشا ، و من ساعتها و هو محرّج عليها تنزل من قوضتها من غير إذنه و ﻻ حتى تنزل الصالة ؟
سألها باستخفاف:
ـــ و انتى يعنى بجبروتك و قوتك دى مش عارفة تمشّى كلامك على حتة عيل زى جلال ؟
أجابته بحنق من استهانته بولدها:
ـــ عيل مين يا باشا؟!... دا جلال عنده ييجى 33 سنة ، دا غير كدا ما بيهموش حد اياكشى يكون مين حتى !! دا ممكن يقتل القتيل و يمشى ف جنازته و بالذات بقى لو حد هوب ناحية زينة ؟
ضيقت عينيها متعجبة من جهله بهذا الأمر :
ـــ يعنى انت يا باشا مكنتش بتشوف خناقاته كل يوم و التانى مع الشباب اللى بيعاكسو زينة هنا ؟
مط شفتيه و هز كتفيه لأعلى بجهل:
ـــ انا كنت فاكره بيتخانق عشانها باعتبار ان هى اخته  مش أكتر، متوقعتش ابدا انه يكون بيحبها.
أخرج سيجارة من علبة سجائره المعدنية و أشعلها و اكمل حديثه مضيقا عينيه بتركيز :
ـــ أﻻ قوليلى يا سوسو ، زوزة عندها كام سنة دلوقتى ؟
سهام :
ـــ ييجى 25 سنة .
رفع حاجبيه متفاجئا مما سمع :
معقول ؟! .. دا انا كنت فاكرها اصغر من كدا بكتير .
أشاحت بكفها مردفة بغيرة لم تستطع إخفائها :
ـــ ماهى المزغودة مش باين عليها سن .
انعزل عما حوله بفكره يبحر بمستنقع شره من جديد، يلتقط فكرة قاحلة ملطخة بوحل حقده و غله، و هو يدخن سجائره بشراهة مضيقا عينيه بتركيز شديد،
راقبته سهام بتوجس  و فهمت ما يدور برأسه، فحاولت أن تثنيه عما يفكر به :
ـــ يا باشا اللي انت بتفكر فيه دا مش هينفع ؟ ..
ثم أردفت برجاء:
ـــ الله ﻻ يسيئك يا باشا ابعد عن زينة و اتقى شر جلال .
لم يُلقِ لرجائها بالا فقد أخذ قراره و حسم أمره و قال بحزم و هو ينفث دخان سجائره :
ـــ بقولك ايه ، انا هاجى بكرة أقعد مع زينة و أنا هعرف ازاى اقنعها و اخليها توافق ..
اردف و عينيه زائغتين فى اللاشيئ مضيقا جفنيه بتفكير :
ـــ أما جلال بقى سيبيهولى انا هتصرف معاه .
اضطربت سهام من نية علي لولدها و جحظت عيناها هلعا من أن يلحق به أذى فى سبيل تنفيذ انتقامه فضربت صدرها بكف يدها مستنكرة :
ـــ يالهوى !! .. انت ناسى ان جلال دا يبقى ابنى اللى محلتيش غيره ف الدنيا و ﻻ ايه ؟.. انت ناويله على ايه بالظبط يا باشا...سألته بشيئ من الحدة و العصبية .
أجابها سريعا مصححا ظنها بحدة:
ـــ انتى اتهبلتى و ﻻ ايه يا سهام ؟! .. بقى انا هأذى ابنك برضو ؟ ..
ثم اردف بنبرة لعوب مقربا وجهه من أذنها :
ـــ دا انتى عِشرة عمر يا سوسو و بير أسرارى ..
أشاح بوجهه عنها متصنعا الحزن:
ـــ ﻻﻻﻻ يا سوسو ماكانش العشم تبقى هى دى فكرتك عنى ..
سرعان ما هدأت بعدما وصلها حسن نيته و أردفت باعتذار :
ـــ مش القصد يا باشا بس أصل كلامك برجلنى و مخى حدف شمال علطول.
اقتربت منه مردفة بغنج و هى تبتسم بدلال :
ـــ متزعلش منى بقى يا باشا، قلبك أبيض ..
لم يرد، فتحولت ملامحها للجدية مستفسرة:
فهمنى بس هتعمل معاه ايه  ؟  بس من غير أذية .. أه .. دا مهما كان ابنى سندى و عكازى .
ضحك من هيئتها و هى تتحدث مردفا :
ـــ ماشى يا سوسو هفهمك .....

تائهة بين جدران قلبه"كاملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن