مقتبسات من الرواية الجديدة

2.8K 42 17
                                    

امتعضت ملامحه و تقلصت أمعاءه من القلق كلما خطر بباله علم شقيقه الأكبر زيدان بتلك المصيبة فأردف بقلق:
أنى كل اللى خايف منه..إن زيدان يعرف و يچرسنى و يسمعنى من المنجى يا خيار، و قليل إن ما خلانى أجدم استجالتى و أنزل أشتغل معاه ف الأرض.
هزت رأسها بتأكيد:
دا أجل واچب يعمله معاك.
نهض من جانبها و أولاها ظهره يسألها برجاء:
ياما أبوس يدك أنى مش ناقص تعتيت عاد.
حركت رأسها يمنة و يسرة بيأس و استدارت فى مواجهته مردفة بتأنيب:
إيه اللى نابك من الچرى ورا البنات غير الفضايح و جلة الجيمة وسط الخلج يا يزيد؟!..و لا شغلك اللى حفيت علشان توصله؟!...ها؟!...إياك تتعظ أومال و تبطل تسبيل لبنات الناس.
رد بحدة نوعا ما:
ياما انتى خابرة زين إنى عمرى ما جريت ورا بت، و لا سعيت عشان أكلم واحدة، هما اللى بيچرو ورايا و بيتمنو كلمة و لا حتى نظرة منى.
أتى زيدان من خلفه يرد عليه بنبرة مجلجلة تليق بشخصيته الحادة:
أومال إيه يا روميو عصرك و أوانك....و انت عامل زى الكلب اللى لما كلبة تشاورله يدلدل لسانه و يروحلها طوالى...مش إكده يا حضرت الظابط؟!
حبست أنفاسه و انحشر صوته فى حنجرته و لم يعد قادرا على إخراجه، فقد كانت كلمات شقيقه كنصل سكين حاد نفذ إلى صدره حتى اخترق قلبه و ذبح ما تبقى من كرامته على مرئى أعين الحاضرين، و لكنه ليس لديه الحجة للرد على أخيه و استرداد كرامته التى استباحها لتوه، فهو يعلم أنه محق بكل كلمة او بالأحرى بكل جمرة ألقاها عليه فأفحمته و ألجمت لسانه.
قطع زيدان المسافة بينهما فى خطوتين و قبض على كتفيه بقوة و راح يهزه و هو يزئر به كالأسد الجائع:
ما تنطج با بيه... سكت ليه عاد؟!... و لا الجطة كلت لسانك؟!...
لم ينبس ببنت شفه و إنما أطرق رأسه فى خذى، و نار الندم تتوهج بصدره حتى أصبح دميم القلب، و مشوه السريرة ، فأفلت زيدان كتفيه بعنف و أولاه ظهره و هو يهز رأسه بخيبة أمل مردفا بحسرة:
يا خسارة يا ولد الوزير... أخرتها!!... بدل ما تتنجل بترجية، تتنجل بفضيحة؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جحظت أعينهم جميعا و فغرت أفواههم من الصدمة، يطالعون رئيسهم مشدوهين الملامح و كأن على رؤوسهم الطير، فتعجب العميد لهيئتهم المشدوهة تلك و قال لهم:
مالكم مذمهلين كدا ليه؟!
رد خالد بعصبية طفيفة:
ازاى يافندم ظابط فاشل و متعاقب زى دا، يقوم بمهمة خطيرة زى دى..المفروض تختار ظابط كفئ، و أظن حضرتك مش هتلاقى أكفأ مننا.
تعالت همهمات الضباط بتأييد لرأى زميلهم، فانتظر العميد حتى انتهوا من همهماتهم ثم أردف بحدة نوعا ما:
يا بهوات أنا مش هختار أى ظابط و السلام، و أكيد ليا أسبابى و دوافعى فى إختيار الظابط دا بالذات.
رد ضابط آخر و يدعى أحمد:
إحنا آسفين يافندم... اتفضل حضرتك كمل إحنا سامعين معاليك.
تنهد بتعب و هز رأسه بعدم رضا، ثم استرسل حديثه قائلا بجدية:
أولا الظابط دا مش معروف لأنه من أسيوط أساسا و من يوم ما اتكلف و هو شغال ف السياحة ف شرم، يعنى من الآخر كدا وجه جديد و هيبهد عنه الشك.
ثانيا يملك وسامة و شخصية جذابة، و عنده القدرة إنه يوقع أى بنت ف غرامه.
وصل إلى سمعه بعض الضحكات المكتومة، فطالعهم بغيظ و أردف بغضب:
بتضحكو على ايه؟!.. انتو مستهونين بنقطة الشكل و الشخصية؟!... على فكرة بقى دى أهم نقطة، لأن أى حاجة تانية هنقدر نأهله ليها، إنما الشكل و الجاذبية لو مش موجودين هنأهله فيهم ازاى... ها؟!... سكتو يعنى دلوقتى؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تسير فى رواق الشركة بصحبة ابنة خالتها و مديرة أعمالها نادين، تسير بخطوات واسعة كعادتها بحلتها الزرقاء ذات البنطال الطويل و القميص النسائى الحريرى الأبيض يعلوه سترة نسائية بأكمام طويلة، بينما نادين تحاول أن تلاحقها بصعوبة نظرا لضيق تنورتها القصيرة و حذائها ذو الكعب العالى تناديها بتأفف و تتوسل إليها أن تقلل من سرعة خطواتها فتقول لها بضجر:
يا بنتى هدى العجل اللى انتى مركباه ف رجلك دا شوية...حرام عليكى نفسى تمشى زى البنى أدمين...الدنيا مش هتطير.
وقفت فجأة و التفتت لها تحدثها بجدية تامة:
انتى عارفة يا نادين إنى مبعرفش أمشى غير كدا...مبحبش المياصة.
عادت لمشيتها السريعة مرة أخرى تاركة نادين تنظر فى أثرها جاحظة العينين و هى تقول باستنكار:
مياصة!!.....أوف... يا ربى أنا تعبت منها.
ثم أسرعت خطاها لتلحق بها لتركب معها سيارتها متجهين إلى القصر بعد انتهاء يوم طويل من الجهد و العناء مع تلك الأثير التى لا تكل و لا تمل من العمل، فهى تتنقل بخفة بين مختلف أقسام الشركة بطوابقها المتعددة و دائما ما تصطحبها او بالأحرى تجرها خلفها شاءت أم أبت.
لحقت بها بمرفأ الشركة، حيث وجدتها تقف مع شقيقها فادى، اقتربت منهما فقالت لها أثير بحدة:
هتركبى معايا و لا مع أخوكى؟!
نظرت لها تارة و لشقيقها تارة إلى أن قالت:
مالكم شكلكم غلط كدا ليه؟!
تأففت أثير بضجر و أجابتها بنفاذ صبر:
أنا هستناكى فى العربية.
و تركتهما و انصرفت إلى سيارتها و ركبتها و قامت بتدويرها و استقرت خلف المقود فى انتظار نادين.
بينما انتظرت نادين حتى ابتعدت عن ناظريهما و وجهت حديثها لفادى متسائلة:
فى ايه يا فادى.
أجابها و قد بلغ منه الغضب أقصاه:
كالعادة الهانم سايقة عليا الدلال... أنا مش عارف لو كانت حلوة شوية كانت عملت فينا إيه أكتر من كدا... نفسى أعرف بتتنك على إيه؟!.. دى المفروض تحمد ربنا إن فى شاب وسيم زييى بيرضى يبص ف وشها و بيعبرها أصلا.
رمقته بنظرة تحذيرية و راحت تشدد على كفه ليصمت بينما هو لا يبالى، فقالت له بخفوت:
هشش... اهدى شوية.. ممكن تسمعك على فكرة.
أشاح بيده بعدم اكتراث و قال بغيظ:
ماشى يا أثير... بكرة لما أكوش على كل اللى عندك... هندمك على كل كلمة قولتهالى معجبتنيش و هشردك نظير اهانتك و رفضك ليا و ابقى خلى التناكة تنفعك.
هزت نادين رأسها بيأس مردفة بعصبية:
مفيش فايدة فيك.. اللى ف دماغك ف دماغك مش هتتنازل عنه أبدا... مسكينة بجد يا أثير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند العشاء اجتمع الجميع حول طاولة الطعام، يتناولون وجبة العشاء فى صمت تام، فكل شارد فى عالمه، لا أحد يهتم لشأن الآخر، من يراهم من الخارج يظن أنها أسرة مترابطة و لكنها أبعد ما يكون عن ذلك الأمر، فمنهم من يحمل حقد و ضغينة للآخر، و منهم من يخطط للإستيلاء على أموال الآخر، و منهم من لا يفكر إلا بنفسه و حسب، أجساد متراصة بمحاذاة بعضها البعض، و لكن عقد المحبة منفرط، و الأرواح هائمة فى ملكوتها الخاص.
انتهت أثير من طعامها و استأذنت من الحضور و غادرت سريعا إلى غرفتها، فهى قد سئمت صمتهم و غموضهم حتى أصبحت تشعر أنها غريبة بين أفراد عائلتها.
دخلت غرفتها متلهفة لدفترها الغالى الذى تخط فيه بأناملها كل ما يفيض به صدرها من هموم و أوجاع و أحياناً مواقف سعيدة، أتعلمون!!... إنها تكتب لأمها المتوفاة و تحدثها كأنها أمامها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل يزيد غرفته و خلع جلبابه الصعيدى و ألقاه باهمال على الفراش و جلس على حافته يتأفف بضجر، فقد سأم ملاحقة النساء له بكل مكان، كان يفرح بذلك فى بادئ الأمر عندما كان مراهقا، انما الآن يشعر و كأن وسامته لعنة قد أصابته حتى أودت به الى الهلاك و الشماتة من زملائه، لا يعلم متى سيتخلص من تلك اللعنة التى تداهمه أينما ذهب، و ياللعجب؛ أصبح يتمنى أن يعيش فى أرض خالية من النساء، أو على الأقل يسير بينهن دون أن يشعر أنه محاصر بين نظراتهن الهائمة.
استفاق من شروده على رنين هاتفه، التقطه من جيب الجلباب الملقى بجانبه و نظر بشاشته فوجده رقم غير مسجل و لكنه فتح الخط مجيبا بتوجس:
ألو..مين معايا؟!
بمجرد أن أتاه جواب الطرف الآخر تحولت نبرته الى الرسمية قائلا:
أيوة أنا يافندم...
الطرف الآخر:
معاك المقدم قاسم من شؤون الظباط بمديرية أمن القاهرة...بنبلغك بنقلك رسمى لادارة البحث الجنائى بالقاهرة و مطلوب منك الحضور بكرة ان شاء الله ف الادارة علشان تستلم شغلك.
يزيد:
تمام يا فندم....ادارة البحث الجنائى ف القاهرة.
الطرف الآخر:
يا ريت تجيب معاك شنطة هدومك و كل أغراضك اللى تكفيك فترة كبيرة لان احتمال تطول شوية على ما تاخد أجازة
يزيد:
اوامر حضرتك يا فندم.
الطرف الآخر:
تمام يا حضرت الظابط...مع السلامة.
أغلق يزيد الخط ثم تمتم بذهول:
يا بوووووى...ادارة البحث الجنائى!!...دا انا شكلى داخل على أيام فل...عقاب عقاب مفيش كلام..اشرب يا يزيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زفرت بعنف و هى تشيح بوجهها للجهة الأخرى، فهى قد سئمت من أكذوبة حبه لها، فنهض من مقعده و وقف بجانب مقعدها و انحنى عليها قليلا قائلا بنبرة رقيقة خافتة:
أثير أنا بحبك.. و مش هتنازل أبدا عن حبى ليكى و مسيرك فى يوم هتحبينى زى ما بحبك و يمكن أكتر كمان... امتدت يده لتقبض على كفها المستند على سطح المكتب و لكنها سحبته سريعا و هى تصيح به بغضب:
كفاية... كفاية بقى يا فادى... قولتلك ميت مرة بلاش الحركات دى.. و بردو قولتلك كتير انى لا بحبك و لا بحب غيرك و لا ناوية أحب من الأساس... ابعد عنى يا فادى أرجوك و كفاية كلام ف الموضوع دا.
رد عليها بحدة و حزم:
لا... لا يا أثير مش كفاية و مش هبطل أقولك انى بحبك.. شئتى أم أبيتى بحبك و مسيرنا هنكون لبعض...
ثم التقط الملف من أمامها و غادر سريعا صافعا الباب خلفه و هو يسبها و يلعن تمثيله عليها و يتمنى أن يأتى اليوم الذى سيريها فيه العذاب ألوانا جزاء ما تفعل به الآن.
بينما أثير تنظر فى أثره بريبة و حيرة، فأخذت تحدث نفسها قائلة:
" يا ترى يا فادى بتحبنى بجد و لا بتمثل عليا!!.. لو كان دا تمثيل يبقى تستحق جايزة أوسكار ف التمثيل... أحيانا بصدقك و أحيانا... أنا مبقتش فاهمة حد و لا عارفة مين حبيبى و مين عدوى"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فى النادى الرياضى الذى يتردد عليه زايد و صديقه ماجد، كانت ليلى تسير بمطبخ المقهى على غير هدى، تخرج كل حين و آخر لتبحث عن زايد حتى ترد له النقود التى أعطاها لها فى الأمس، فبعد أن غادر الصديقان، ذهبت لتعطى ثمن المشروبات لرجل الكاشير فاكتشفت أنه ترك لها من البقشيش أكثر من ضعف ثمن العصير، فقد كان الحساب يبلغ ثلاثون جنيه و أعطاها مائة جنيه، أى يتبقى لها سبعون جنيه، مما أغضبها ذلك الأمر كثيرا و جعلها تشعر بالذل و المهانة من قبله، و زادها هذا الشعور اصرارا على رد صدقته له كما أسمتها، و لكن لسوء حظها أنه لم يأتى للنادى، و لكنها عزمت فى قرارة نفسها ان ترد له المال و لو بعد حين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هز يزيد رأسه بذهول، و سأل العميد بهجت مستنكرا:
إزاى يافندم بنت أعتقد يعنى انها لسة شابة صغيرة تبقى بالجبروت و الشر دا، و بعدين حضرتك قولت اسمها ايه؟!
بهجت:
أثير
ردد اسمها باستغراب:
أسير؟!... ايه الاسم الغريب دا؟!
بهجت مصححا:
أثير يا يزيد... أثير بالثاء.
قطب جبينه باستنكار و قال بتهكم:
يعنى أنا كل ما اتكلم معاها أطلع لسانى و انا بقول اسمها.. أثير.
حاول بهجت أن يكبت ضحكته على ذلك الأبله و صاح به بحزم:
خلاص يا حضرت الظابط.. قول اللى تقوله.. أثير أسير مش هتفرق.
سأله يزيد بمرح:
احم... طاب يافندم هى... حلوة؟!
رفع الآخر حاجبيه باستنكار قائلا بحدة:
هو انت هتناسبها با بنى ادم انت... دى مهمة سرية يا بيه و بمجرد ما تنتهى، كل حاجة هتنتهى معاها و هترجع لحياتك الطبيعية.
أومأ يزيد قائلا بجدية:
طبعا يافندم انا عارف الكلام دا كويس... أنا كنت بس عايز أفك القعدة شوية.
جحظت عينى العميد باستغراب من مرحه رغم جدية الموقف و لكنه لم يستطع كتم ضحكته أكثر من ذلك و انفجر ضاحكا و هو يقول:
يخرب عقلك يا يزيد... انت فعلا شخصيتك فظيعة و بجد فعلا تتحب من اول نظرة.
أومأ و ابتسامة من الثقة و الغرور مرتسمة على ثغره و هو يقول:
عارف يافندم.
هز بهجت رأسه بيأس ثم قال:
طيب يا لمض... تعال بقى نتكلم ف المهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رأيكم يهمنى جدا
تم  اعادة نشرها تانى بعد حذفها على حسب رغبتكم
هستنى رأيكم
دمتم بخير وصحة وسعادة يارب 😍

تائهة بين جدران قلبه"كاملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن