الخاتمة" الجزء الأول"

9.1K 136 25
                                    

فى منزل مهند...
بعد انتهاء الدوام، عاد إلى منزله و بدل ملابسه و قبع بغرفته على غير هدى، لا يستطيع الانتظار ليوم زفاف شقيقته حتى يفاتحها فى أمر خطبته لها، فهو يخشى ألا تحضر، كما أنه يعلم أن رأسها يابس كالحجر و لن تخضع له بسهولة، لذلك عزم أمره أن يضعها أمام الأمر الواقع و يتقدم لخطبتها من أهلها... أخذ يفكر فى طريقة للحصول على رقم أحد أفراد أسرتها إلى أن اهتدى لأن يتصل بزميله أحمد خطيب رنا صديقتها...
مهند:
ازيك يا أبو حميد... كنت عايز منك خدمة صغيرة.
أحمد:
خير يا حبيبى أؤمر.
مهند:
ممكن تجيبلى من رنا خطيبتك رقم حد من قرايب سهيلة صاحبتها؟!
أحمد:
ايه يبنى اللفة دى كلها... ما تاخده من سهيلة علطول.
مهند:
مش معايا رقم لسهيلة يا فصيح.. و حتى لو معايا انت عارف انى مبكلمش بنات ف التليفونات.
أحمد:
طاب ثوانى يا مهند.. هى أصلا قاعدة معايا.
انتظر مهند عدة دقائق إلى أن عاد له احمد مرة أخرى قائلا:
بتقولك دا رقم خالها اللى هيا قاعدة عنده لأن هى من القاهرة أصلا.
اومأ بتفهم مجيبا:
تمام.. مفيش مشكلة... ملينى..
قام مهند بتسجيل رقم رفعت و اسمه و انهى المكالمة مع زميلة و اتصل برفعت فى الحال، انتظر قليلا إلى أن أتاه صوته قائلا:
السلام عليكم.. مين معايا؟!
مهند:
احم.. حضرتك المهندس رفعت خال الانسة سهيلة؟!
رفعت:
أيوة أنا.. حضرتك مين؟!
أجابه بتوتر ملحوظ:
انا مهند زميلها فى السنتر... أنا كنت عايز آخد من حضرتك ميعاد عشان أزوركم ف البيت... احم.. يعنى كنت عايز أطلب ايد الآنسة سهيلة.
ابتسم رفعت بسعادة:
تشرفنا يا أستاذ مهند... مفيش مشكلة.. تعالى بعد صلاة العشا نشرب الشاى و ندردش شوية.
فرح مهند برده المبشر و أجابه بسعادة:
تمام يا فندم.. ممكن بس حضرتك تملينى العنوان؟!
أملاه رفعت العنوان و اغلق الخط و خرج من غرفته بحال غير الحال الذى دخلها به، و انطلق إلى والديه ليخبرهما بالأمر فتحمسا كثيرا فلطالما انتظرا هذا اليوم طويلا، أخبرهما أنه سيذهب بمفرده اليوم للتعارف، و سوف يصطحبهما فى يوم لاحق إن تم القبول من قبل العروس و أسرتها.

لم يكذب رفعت خبر و أنهى دوامه بمصلحته الحكومية، و انطلق بحماسة باتجاه مركز الترجمة قاصدا مدير المركز و الذى يعرفه معرفة شخصية، فعن طريقه تم تعيين سهيلة به و لكن دون علمها.
رحب به مدير المركز بحرارة، و دخل رفعت فى صلب الموضوع مباشرة ألا و هو الاستقصاء عن مهند و أخلاقه و عائلته و سلوكه...إلخ.
سمع رفعت ما أرضاه و أسعده، و خرج من مكتب المدير فى حالة من الرضا التام و السعادة الغامرة، و تيقن أنها كم هى فتاة محظوظة لكى يرزقها الله بهذا العريس الوسيم قلبا و قالبا، و عزم أن يقنعها به بكل السبل الممكنة إن لاقى منها رفضا.

أثناء سيره بالسيارة فى الطريق المؤدى إلى مدينة بنها، أوقف السيارة أمام إحدى متاجر الملابس النسائية للمحجبات، فقالت له باستغراب:
وقفت هنا ليه يا يوسف؟!
رمقها بابتسامة جذابة مردفا بحب:
هننزل نشترى هدوم جديدة و شيك كدا عشان حفلة بليل.
رمقته بامتنان و ابتسامة عاشقة، ثم نزلا من السيارة و ولجا إلى داخل المتجر فرحبت بهما صاحبة المتجر ترحيبا حارا و سارت معهما إلى القسم الخاص بالمحجبات و أوصت إحدى العاملات بعرض أحدث صيحات الموضةعلى زينة، و اقترحت على يوسف أن ينتظر بمكتبها حتى يترك لها مطلق الحرية فى الاختيار و التجربة، فرحب بذلك الاقتراح بينما زينة رمقته بنظرات تحذيرية بألا يفعل، و لكنه رسم على شفتيه ابتسامة ماكرة و ألقى لها قبلة على الهواء و غمزها باحدى عينيه و أولاها ظهره و سار خلف صاحبة المتجر باتجاه مكتبها.
بعد مرور ما يقرب من ساعة مرت على زينة كأنها دهر، اختارت أخيرا فستان فضفاض كما يحب يوسف أن يكون، و لكنه كان فى منتهى الجمال و الأناقة و اختارت معه حقيبة يد صغيرة و حجاب من نفس ألوان الرداء، و سارت مع العاملة باتجاه مكتب المديرة و نار الغير تتوهج بصدرها كالجحيم المستعر، أخيرا دلفت المكتب بملامح واجمة، بينما يوسف استقبلها بابتسامة مستفزة فردت عليه بابتسامة مصطنعة و هى تتوعد له بداخلها و تصتك أسنانها غيظا من تظاهره بالبرود و الاستفزاز و كأن شيئا لم يكن.
خرجا من المتجر و استقلا السيارة مرة أخرى، و بمجرد أن استقر كل بمقعده، انفجرت به مردفة بعصبية:
من امتى يا أستاذ يوسف يا محترم بتقعد مع ستات فى مكاتب لوحدكم...ها؟
أجابها ببرود يقصده:
الباب كان مفتوح على فكرة.
أجابته بنفس النبرة و هى ترفع سبابتها فى وجهه قائلة:
بردو مهما يكن...ميصحش اللى انت عملته دا...
اصتكت أسنانها بشدة و تحدثت من بين أسنانها المطبقة على بعضها:
و بعدين...و بعدين مكنتش شايفها بتبصلك ازاى...دى كانت هتاكلك بعنيها.
حاول يوسف أن يكبت ابتسامته و أجابها بثبات:
أومال كنتى عايزانى أستنى معاكى أكتر من ساعة و انتى بتقيسى دا و تختارى دا و أفضل أنا بقى كل شوية أقولك انجزى، و انتى تقوليلى استنى بس لحد ما ضغطى يعلى و أنا قاعد مستنيكى؟!
اجابته بسخرية و تهكم:
لا ازاى؟!..تقعد مع الهانم اللى هتاكلك بعينها تسليك و تضحكو و تهزروا شوية بدل كآبة الست زينة بتاعتك...مش كدا بردو؟!
رد بحدة مصطنعة:
لا..لحد الست زينة بتاعتى و ستوب...لو سمحتى متغلطيش فيها...مسمحلكيش تقولى عليها كئيبة...انتى متعرفيش انها خط أحمر عندى محدش يقدر يقربله؟!
كبتت ابتسامتها بصعوبة، فقد استطاع أن ينسيها ما أثار حنقها و غيرتها بسهولة، و لكنه لم يكتفى بذلك و انما استرسل بنبرة عاشقة و ابتسامة عذبة:
زينة دى حبيبتى و بنتى و مراتى و صحبتى و قلبى و حياتى و....أقول كمان و لا وراكى حاجة؟!
لم تستطع كبت ابتسامتها أكثر من ذلك و سقط قناع الجمود و الغضب و انفجرت ضاحكة أخيرا، فضحك هو تباعا، و بعدما هدأت نوبة الضحك أمسك كفها و شدد من قبضته عليه بحب و هو يقول بجدية:
مكنتش أعرف إنك عبيطة اوى كدا...حد يبقى معاه القمر و يبص للنجوم...و بعدين انتى تعرفى عنى كدا...المفروض يكون عندك ثقة فيا أكتر من كدا...أنا بعون الله لو اتحطيت فى وسط حفرة ستات و لا يهزو فيا شعرة...واحدة بس هى اللى ممكن تقلب كيانى كله و تحرك قلبى من مكانه...بتهيألى كدا انتى تعرفيها..و لا إيه؟!
كان صمتها و خجلها الظاهر على محياها جوابها الذى أغناه عن أى إجابة منها، فرد عليها بابتسامة متيمة و عاد مرة أخرى ليركز بطريقه.

تائهة بين جدران قلبه"كاملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن