فى شركة أل سليمان ...
عندما وصلت زينة الى الشركة انتابتها رغبة شديدة فى رؤية يوسف، فهى قد اشتاقت اليه منذ آخر لقاء بينهما عندما تركها و ركب سيارته و انصرف، ظلت تفكر بحجة لكى تراه عن طريقها.
خطرت ببالها فكرة أن تذهب لعمها إبراهيم لكى تراه و تطمئن على صحته و أن تساعده، و ربما تسنح لها الفرصة بتقديم القهوة ليوسف بدلا عنه.
بالفعل دخلت لعمها ابراهيم و ألقت عليه السلام و جلسا سويا يتحدثان..
أدارت دفة الحديث بذكاء لتصل لمبتغاها بعد قليل من المقدمات، مردفة:
صحتك عاملة ايه يا عم إبراهيم؟!
هز رأسه بابتسامة ممتنة:
رضا يا بنتى الحمد لله، و أقل من كدا رضا.
زينة:
ربنا يديم عليك نعمة الصحة و العافية يا رب،
إبراهيم:
تعيشى يا بنتى.
سكتت لبرهة ثم باغتته تسأله بتحمس و لهفة:
تحب أساعدك يا عم إبراهيم؟!
إبراهيم:
متشكر يا بنتى مش عايز اتعبك.
زينة:
تعبك راحة، أؤمر انت بس.
إبراهيم:
ربنا يسعدك يا بنتى.. هقولك على فكرة حلوة.
اقتربت منه و أجابته بابتسامة متحمسة:
قول.
إبراهيم:
ايه رأيك تودى القهوة للأستاذ يوسف و بالمرة تباركيله.
قطبت ما بين حاجبيها متعجبة :
أباركله على ايه؟!
رفع حاجبيه باستغراب مردفا:
انتى متعرفيش انه هيخطب و لا ايه؟!
اتسعت عيناها على آخرها، زادت وتيرة تنفسها، و تحجرت الدموع بمقلتيها من الصدمة، لا تصدق ما أُلقى الآن على مسامعها، فقالت بصوت متحشرج خرج منها بصعوبة:
هيخطب مين؟!
تعجب من تغير حالتها،لكنه لم يبالى و أجابها بعدم إكتراث:
الانسة سهيلة بنت عمه.
هذا ما كانت تخشى سماعه، أحست بانسحاب روحها، و انهارت أحلامها و أمانيها التى بنتها فى مخيلتها، فنهضت منتفضة كمن لدغها عقرب و هرولت الى مكتبه.
لم تنتظر أن تأخذ الاذن من رامز بالدخول و إنما فتحت الباب مباشرة، و دخلت اليه بوجه متجهم من الصدمة.
بينما يوسف تفاجأ من دخولها بهذه الطريقة و نهض سريعا من مقعده، و تكهن من ملامحها المصدومة أنها قد علمت بأمر خطبته، و لكن عليه أن يتحلى بالجدية و أن يصمد أمام حالتها المذرية المثيرة للشفقة، فهذه اللحظة ستكون حاسمة فى انهاء طريقهما الذى لم يبدأ من الأساس.
يوسف بحدة:
انتى ازاى تدخلى كدا يا انسة؟!
ردت بملامح جامدة وشفتيها ترتجف من الصدمة المفجعة:
زينة...، رفعت حاجبيها وهى تسأله باستخفاف:
و لا نسيت اسمى؟!
حاول ان يتحلى بالصرامة، احتدت نبرته يصيح بها: عايزة ايه.. انا ورايا شغل كتير؟!
سألته و هى تستجديه أن يُكذّب ما سمعت:
انت صحيح هتخطب؟!
أجابها بصرامة زائفة :
اسمها حضرتك؟!
تقدمت خطوتين حتى وصلت لمكتبه الحائل بينهما و استندت بيديها عليه و مالت اليه قليلا و سألته بحزم و عينيها متسعة على آخرهما :
رد عليا يا يوسف.. انت صحيح هتخطب؟!
تعجب يوسف من القوة و الجرأة التى تتحدث بها، ولكنه يعلم أنها مجروحة و الجريح يهذى بما لا يدرى فأجابها بعصبية أشد ربما تستفيق من هذيانها:
الزمى حدودك.. انا مديرك و مسمحلكيش ترفعى الالقاب.
سألته و كأنها لم تسمعه:
ليه؟! .. انت بتحبنى أنا.. ليه تعذب نفسك و تعذبنى معاك؟!
أجابها بحدة مصطنعة:
ايه التخاريف اللى بتقوليها دى؟!
طرقت على المكتب بكفها الأيمن بعصبية زائدة :
دى مش تخاريف.. دى حقيقة.
قطب جبينه متعجبا من العصبية التى لم يعدها فيها من قبل، لكنه سكت قليلا ينظم أنفاسه المتلاحقة حتى يستطيع الصمود أمامها بقناع البرود و الجمود الذى تَقنّع به.
لاحظت صمته فدب بداخلها أمل جديد فى امكانية استعادة حبها الذى أصبح على حافة الهاوية، اقتربت منه بشدة و نظرت بعينيه بعمق و قالت بخفوت و عاطفة جياشة :
أنا بحبك.
أغمض عينيه بألم و أحس بانهيار قلبه و كيانه، فبم سيرد عليها بعد هذه الكلمة التى أصابته بما يصعب عليه تحمله بعد ذلك، لم يعد قادرا على خداعها أكثر من ذلك، فأولاها ظهره عله يستعيد رباطة جأشه قليلا و يستطيع أن يستمر فى التحلى بالجمود و الصرامة فقال لها و نياط قلبه تتمزق:
امشى.. امشى دلوقتى يا زينة.
وقفت خلفه و أمسكت ذراعه بكفيها و أخذت تهزه و تصيح و هى تبكى و شلال الدموع ينهمر من مقلتيها: انت كمان بتحبنى... انا بحبك.. و انت بتحبنى.. صح؟! .. انت بتحبنى يا يوسف.. قول ان انت بتحبنى.
كان يوسف مستسلما للمستها، يستمع لها بقلب يبكى دما، فقال بصوت متحشرج و ملامح منكمشة من فرط الألم:
امشى.. عشان خاطرى امشى دلوقتى.
أجابته و هى تشهق من البكاء بعدما استحال لون جفنيها الى الأحمر الداكن و تحشرج صوتها:
همشى.. بس قولى انك بتحبنى، انا مش عايزة منك حاجه، انا عشمانة بس ف كلمة حب منك، عارفة ان انا مش من مقامك و عندك حق ف اللى بتعمله معايا، عارفة ان احنا مننفعش لبعض او بمعنى أصح، أنا منفعكش و ان انت تستاهل واحدة زى بنت عمك مش زيى، بس ريح قلبى... أوعدك همشى و مش هتشوفتى تانى بس قولها... قول ان انت كمان بتحبنى زى ما بحبك.
استدار فى مواجهتها و أجابها بنبرة منكسرة و ملامح منكمشة من الحزن و الألم الذى فاق احتماله:
اللى انتى عايزة تسمعيه مش هيغير فى واقعنا حاجة...طرقنا مختلفة يا زينة، و عمرها ما هتتقابل.
أجابته برجاء و استجداء:
اللى بيحب بيضحى عشان يوصل لحبيبه.
هز رأسه يمنة و يسرة بنفى و أجابها بحسرة و هو يؤكد على كلماته:
تمن تضحيتى غالى اوى، مش هقدر عليه.
قطبت جبينها باستنكار و أجابته بمزيد من الحسرة و الالم :
ياااه... للدرجادى؟!
أجابها بصدق و تأكيد:
انتى مش عارفه حاجة يا زينة، و عمرك ما هتقَدَّرى الدوامة اللى انا فيها، عشان كدا بقولك امشى و مش عايز أشوفك تانى.
كانت تستمع اليه بقلب جريح و الدموع تنهمر من مقلتيها فى صمت، لا تصدق أنها خسرته للأبد.
أشفق عليها و لكنه استرسل حديثه بجدية:
استمرى ف شغلك عادى،بس حاولى تتجنبينى، لو شوفتينى، كملى طريقك و متبصليش... كأنى مش موجود.
لم تعد تتحمل الوقوف أمامه و سماع كلماته اللاذعة فغادرت سريعا و تركته ينظر فى أثرها بقلب قد مات لتوه من كثرة الألم، اختنق صدره و أصبحت وتيرة تنفسه عالية فنزع ربطة عنقه و خلع سترته و ارتمى على الأريكة دافنا وجهه بين كفيه ينعى حبيبته بحسرة و يتألم لألمها و فراقها الأبدى.
بعد فترة ليست بالقليلة قام من مكانه و التقط هاتفه و اتصل على شقيقه..
يوسف بصوت متحشرج:
انت فين يا يحيى؟!
يحيى:
ف البيت... مال صوتك متغير كدا ليه؟!
يوسف بضيق و عصبية:
مخنوق... مخنوق و مش قادر أقعد ف الشركة دقيقة واحدة كمان.
يحيى:
خلاص هجيلك بعربيتى نخرج شوية، مسافة السكة هتلاقينى عندك.
يوسف:
هستناك ف الكافيه اللى قدام الشركة.. متتأخرش.
يحيى:
اوكى يا حبيبى مسافة السكة.
أنت تقرأ
تائهة بين جدران قلبه"كاملة"
Romanceألقت بنفسها فى طريقه بمحض إرادتها فى مقابل المال و لكنها وقعت فى حبه دون أن تحسب لذلك حساب ، و كيف ﻻ تحبه و هو أنقى و أطهر من رأت من الرجال ، و لكن من تكون هى لتعشق رجل مثله ؟ فهى مجرد فتاة ليل مجهولة النسب ؟ فهل ستجد السبيل إلى قلبه ؟ أم ستظل تائ...