أغلق يوسف الخط مع عمه وجلس بجانب زينة الساكنة تماما و كأن على رأسها الطير، بينما عيناها لم تكفان عن ذرف الدموع التى تنحدر فى صمت قاتل، يكاد يخلع قلبه من بين ضلوعه و يقسمه أشطارا، يطالعها باشفاق بالغ و ندم شديد و شعور مضنى بالخذلان من جهته، لانه عجز عن حمايتها و كان السبب الرئيسى فيما حدث فى حقها من جرم صعب الإحتمال.
ظلا على هذا الوضع إلى أن أتى الطبيب الذى أوصلته سعاد إلى غرفة زينة.
استقبل الطبيب برسمية و أخذه و خرج من الغرفة، وقفا على مسافة بعيدة منها حتى لا تسمعهما، و بدأ فى سرد ما حدث لها باختصار شديد قائلا:
زينة مراتى اتعرضت للخطف و المجرم اللى خطفها صورها و هى عريانة بعد ما خدرها بس كانت شايفة اللى بيحصلها و طبعا مش قادرة تقاوم بسبب المخدر اللى وخداه، و من ساعتها و هى لا بتتكلم و لا بتتحرك و لا بترد، دموعها نازلة بس مفيش أى تعبير على ملامحها، مش عارف حصلها حاجة تانية و لا لأ، معرفش إذا كان أذاها جسمانيا أو فى حاجة بتوجعها.. مش عارف.
هز الطبيب الخمسينى رأسه بتفهم و أردف بنبرة مطمئنة:
متقلقش يا يوسف يبنى.. أنا هفحصها فحص شامل، و ان شاء الله خير.. بس اللى فهمته من كلامك انها ممكن تكون دخلت فى صدمة نفسية لسة مش عارفين حدتها هتبقى عاملة ازاى و لا تأثيرها إيه عليها... أنا هدخل دلوقتى أكشف عليها بس يا ريت متكونش موجود علشان ممكن تكون مش عايزاك تشوفها أو تتكلم معاها، ممكن تكون مش قادرة تواجهك بعد اللى حصلها.. بس هاتلى سعاد معايا تساعدنى.
اومأ يوسف بعدما كسا الحزن و الألم ملامح وجهه، و ذهب ليخبر سعاد بحضور الكشف مع الطبيب و مساعدته.
بعد مرور حوالى ساعة و هى مدة كشف طبيب العائلة و الذى يدعى عبد الله الشريف على زينة خرج الطبيب من الغرفة تلته سعاد، فأقبل عليه يوسف متلهفا يسأله بقلق:
خير يا دكتور عبد الله...حضرتك اتأخرت اوى كدا ليه؟!
عدل من وضعية نظارته الطبية و اردف بثبات:
طيب نقعد أحسن عشان عشان نتناقش بهدوء؟!
هز يوسف رأسه عدة مرات بتأكيد:
أيوة طبعا.. اتفضل ننزل نقعد ف المكتب تحت.
جلس يوسف بجوار الطبيب بالأريكة الكائنة بغرفة المكتب فاستطرد الطبيب بعملية:
زى ما توقعت يا يوسف.. زينة دخلت فى صدمة نفسية أفقدتها القدرة على النطق و دخلتها ف حالة اكتئاب حاد، و لازم تخلى بالك منها كويس جدا، لأن مش بعيد الإكتئاب يوصلها للإنتحار...دا بالنسبة للحالة النفسية
كان يستمع للطبيب جاحظ العينين و فاغر الفاه، مشدوه الملامح، نياط قلبه تتمزق مع كل كلمة تخرج من فم الطبيب..ابتلع ريقه بصعوبة مردفا بصوت متحشرج:
و الحالة دى هتطول يا دكتور؟!
أجابه الطبيب بأسف:
و الله يا يوسف أنا رأيى تعرضها على دكتور متخصص ف الأمراض النفسية و تتابع معاه و هو أكيد هيطمنك أحسن منى.
أومأ بتفهم، ثم سأله بترقب:
طيب و الحالة الجسمانية؟!
أجابه بابتسامة:
كويسة جدا.... مفيش اى اصابات و لا جروح أو خدوش حتى.
سأله يوسف بصوت مهزوز يخشى ان يكون كلام على صحيح:
حـ حضرتك متقدرش تحدد إذا كانت اتعرضت للاغتصاب أو لا؟!
رفع الطبيب حاجبيه مستنكرا:
اغتصاب!!
أومأ يوسف بإيجاب دون رد، فاسترسل الطبيب قائلا:
الحقيقة أنا كشفت عليها كشف دقيق، و مكانش فى أى آثار إعتداء.
أجابه يوسف بأسف:
ماهو أكيد مفيش اعتداء لأن مكانش فى مقاومة أصلا.
هز الطبيب رأسه بتفهم و أطرق رأسه مليا بتفكير، ثم رفعها مردفا بعملية:
بص يا يوسف أنا هتصل بدكتورة نسا كويسة جدا و أنا أعرفها معرفة شخصية، هخليها تيجى تكشف عليها عشان تبقى متطمن، بس يا ريت مش قبل ما تاخد الأدوية اللى مكتوبة ف الروشتة دى، لأن الأدوية دى فيها مهدئات و منوم هيرخى أعصابها المشدودة دى شوية، و بعد ما تنام الدكتورة تشوفها، كدا أفضل علشان حالتها النفسية متسؤش أكتر.
أخذ يوسف ورقة الأدوية و هو يومئ بتأييد:
معاك حق يا دكتور عبد الله....
استطرد الطبيب:
أنا هبعتلك ممرضة من عندى تديها الأدوية و تفضل معاها شوية و تروح، و لو احتجتلها تانى اتصل بيا و أنا هبعتهالك، بس هى مبتباتش برا بيتها.
اومأ بالموافقة و أردف بامتنان:
متشكر جدا لحضرتك يا دكتور... حضرتك عملت اللى عليك و زيادة..بس ليا رجاء عندك!!
يا ريت الموضوع دا يفضل سر محدش يعرفه نهائيا.
أجابه الطبيب بتأكيد:
عيب يا يوسف... من غير ما تقول يبنى...دى عشرة طويلة من أيام المرحوم والدك.. و بعدين دى أمانة مهنتى سواء ليك أو لغيرك، حتى الدكتورة اللى هبعتهالك متقلقش منها، هى عارفة ان المواضيع دى حساسة و بتعرف تتعامل مع المواقف اللى زى دى كويس أوى.
أردف بنبرة ممتنة:
تمام يا دكتور... بجد أنا عاجز عن الشكر.
ربت على كتفه مجيبا بابتسامة:
و لا يهمك يا حبيبى دا واجبى... و لو حصل أى حاجة كلمنى و أنا هجيلك فورا.
أومأ عدة مرات:
ربنا ميجيبش حاجة وحشة ان شاء الله.
أردف الطبيب:
يا رب...أستأذن أنا بقى.
نهض يوسف و فتح له باب الغرفة و أوصله إلى باب الفيلا و قبل أن يخرج قال له:
هبعت لحضرتك الفيزيتا على رقم حسابك كالعادة.
أومأ الطبيب بالإيجاب:
ماشى يا بنى براحتك...مع السلامة.
أعطى يوسف الحارس ورقة الأدوية ليصرفها من أقرب صيدلية و عاد أدراجه إلى غرفة زينة.
أنت تقرأ
تائهة بين جدران قلبه"كاملة"
Romanceألقت بنفسها فى طريقه بمحض إرادتها فى مقابل المال و لكنها وقعت فى حبه دون أن تحسب لذلك حساب ، و كيف ﻻ تحبه و هو أنقى و أطهر من رأت من الرجال ، و لكن من تكون هى لتعشق رجل مثله ؟ فهى مجرد فتاة ليل مجهولة النسب ؟ فهل ستجد السبيل إلى قلبه ؟ أم ستظل تائ...