الفصل الخامس عشر

7K 165 13
                                    

استقل يوسف سيارته و جاب بها الطرقات، كان يقود على سرعة عالية على عكس عادته فى القيادة لا يأبه لشيئ إلا لها.
استمر على هذا الحال و الأفكار السيئة تعصف به، حتى أنه لم ينتبه لذلك الملف بالطريق، و سار باتجاه مستقيم و لم ينتبه إلا عندما وجد نفسه منحرفا عن الطريق، و لحسن حظه أن الطريق الجانبى كان أرض زراعية. حاول كبح جماح سرعته، و لكنه لم يستطع أن يسيطر على السيارة، حتى انقلبت على جانبها على الطريق الجانبى و غاب يوسف عن الوعى بعد ارتطامه بتارة القيادة بعنف.
توقفت بعض السيارات التى كانت آتية خلفه، و نزل منها بعض الشباب، و بعد محاولات استطاعوا ان يُخرجوه من السيارة، و نقله احد مالكى السيارات الى أقرب مشفى استثمارى بالمكان.
تسلمه العاملون بقسم الاستقبال و بعد الكشف السريع نقله الطبيب فورا إلى غرفة العمليات.
قام أحد موظفى الاستقبال باستلام أغراضه التى كانت معه بالسيارة، و من ثم استطاعوا التعرف عليه من هويته الشخصيه، و قاموا بالاتصال على عمه راشد، فأسرع فورا و معه سهيلة بالذهاب الى المشفى و هما فى حالة من الهلع و القلق المفرط.
وصلا المشفى، و صعدا إلى غرفة العمليات و انتظروا قرابة الساعتين حتى خرج يوسف و نُقل لغرفة العناية المركزة.
استوقف راشد الطبيب لكى يطمئن على حالته، فقال له الطبيب:
الحقيقة فى جرح عميق ف الراس و فى ارتجاج فى المخ مأثر طبعا على درجة وعيه، و احنا هنسيبة تحت الملاحظة فى العناية المركزة، و لو لقينا مفيش أضرار تانية حصلت بسبب الارتجاج هيخرج لغرفة عادية.. المسألة مسألة وقت مش أكتر ، و بالمناسبة فى دراع مكسور، تقريبا اتكسر و الناس بتحاول تخرجه من العربية.
بدت علامات الصدمة و الألم على وجهيهما، فشكر راشد الطبيب و جلسا على مقعد أمام غرفة العناية لأن الدخول ممنوع لغير العاملين.
أخذو يتضرعون الى الله أن ينجيه و أن تمر الساعات القادمة على خير.

أخيرا وطئت قدماه أرض الوطن، بعد غياب أكثر من عام لم يحاول فيه النزول حتى يتجنب رؤية من كان يظن أنه يعشقها، و لكن قلبه الأن ينبض لديما ليس غيرها و كأنه لم ينبض لأخرى من قبل.
كان يجر حقيبته خلفه، و عينيه تجوب أنحاء المطار، مشتاقا لوطنه الغالى، ينتظر رؤية أخيه و عمه بفارغ الصبر.
خرج من المطار و استقل سيارة أجرة أوصلته الى الفيلا و كان الليل قد حل بذلك الوقت.
عبر البوابة الكبيرة و سار بالحديقة حتى وصل للباب و قام بقرع الجرس.
فتحت له سعاد الباب و تفاجأت من وجوده، فرحبت به ترحيبا حارا و بعد السلامات سألها باستغراب و عينيه تدور بأنحاء المكان:
اومال فين يوسف و عمى؟! ... هو البيت فاضى كدا ليه؟!
أجابته سعاد بحزن بالغ:
للاسف يا أستاذ يحيى، يوسف بيه عمل حادثة بالعربية النهاردة و محجوز ف المستشفى دلوقتى.
صدم يحيى و جحظت عيناه هلعا، و انتابته حالة شديدة من القلق على أخيه و قال لها بصوت فزع: قوليلى بسرعة مستشفى ايه؟!
انطلق مسرعا الى المشفى بعدما ترك حقيبته على الباب  مستقلا سيارة أجرة.
وصل يحيى الى المشفى، و سأل على غرفة أخيه، و صعد له بسرعة البرق، فوجد عمه و سهيلة جالسين على المقاعد أمام غرفة العناية المركزة مطرقين الرأس فى حزن شديد، فوقف أمام عمه قائلا بهلع متناسيا طول مدة غيابه عنهما:
عمى ايه اللى حصل ليوسف.
انتفض عمه من المفاجأة و سهيلة أيضاً فاحتضنه بحرارة :
يحيى حبيبى حمد الله على سلامتك يا ابنى.. جيت امتى؟! .. و مقولتش انك جاى ليه؟!
أجابه بحرج:
أنا آسف يا عمى.. قلقى على يوسف نسانى انى أسلم عليكو.. ازيك يا سهيلة!!
أجابته بوجوم حزنا على يوسف:
الله يسلمك يا يحيى .. حمد الله ع السلامة.
سأله راشد باستغراب:
انت ازاى لحقت توصل بعد ما عرفت؟!.. دى الحادثة مافاتش عليها خمس ست ساعات!!
يحيى:
انا حاجز بقالى اسبوع تقريبا و عرفت بالحادثة لما وصلت البيت... انا كنت كداكدا جاى... بس كنت حابب اعملها مفاجأة ليوسف.. قالها ببالغ الحزن و الأسف.
ربت راشد على ظهره بحنو و أردف بنبرة مطمئنة: حمدالله على سلامتك يا حبيبى.. ان شاء الله يوسف هيبقى كويس و هيقوم بالسلامة.
أردف يحيى بقلق:
احكيلى يا عمى اللى حصل.
حكى له عمه تفاصيل الحادث و ما نتج عنه من إصابات ليوسف، و ما قاله الطبيب عن حالته.
كان يحيى يستمع له بقلب منفطر حزنا و ألما لأخيه و صديق عمره، فانكمشت ملامحه بأسى و حزن و هو يقول  :
حبيبى يا يوسف.. ربنا يقومك بالسلامة و يطمنا عليك. جلس بجانبهما، و كل منهم يتضرع الى الله و يدعوه فى صمت، يدعون له بالنجاة.
انتصف الليل و مازال الحال على ما هو عليه بالمشفى، فشعر يحيى بأن التعب و الارهاق حلَّ بعمه فقال لسهيلة بجدية و إصرار:
سهيلة.. تعالو يلا انتى و عمى عشان اوصلكو الفيلا تستريحو شويه.. عمى شكله تعبان.
اعترض الاثنان و قالت سهيلة:
لا.. انا مش همشى من هنا الا ما اطمن على يوسف.
و قال راشد:
انا كويس يا يحيى متقلقش.. انا مش هقدر أمشى غير لما اطمن أنه فاق.
يحيى بنفاذ صبر:
عمى أرجوك ميصحش سهيلة تفضل قاعدة كدا طول الليل، و بعدين قعدتكو ملهاش لازمه دلوقتى.. انا هوصلكم و هرجع بعربية حضرتك و هبات انا مع يوسف، و انتو أول ما تصحو من النوم تعالو علطول.
و بعد كثير من الجدال بينهم رضخوا أخيرا لرغبة يحيى، و أوصلهم و عاد مرة أخرى.
اتخذ من المقاعد المثبتة أمام غرفة العناية مخدعا له، يحرس شقيقه بغرفة العناية.
وقف أمام النافذة الزجاجية الصغيرة، ينظر لأخيه بشوق جارف و هو يقول ببالغ من الحزن:
وحشتني اووي يا يوسف... ربنا ما يحرمنى من نعمة وجودك فى حياتى يا حبيبى..
مسح الدمعة التى فرت من عينه، و عاد مرة أخرى الى المقعد، يقوم من الحين للآخر ليراه من النافذة و يحدثه قليلا ثم يعود مرة أخرى الى المقعد و ظل على هذا الحال الى أن حلَّ الصباح

تائهة بين جدران قلبه"كاملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن