البارت التاسع 💕

984 22 20
                                    

🌻لا آله الا الله محمدا رسول الله 🌻

أخذت فريال تذرع غرفتها ذهابا وايابا وهى قلقة كنمر حبيس لا يستطيع السيطرة على رغبته الفطرية بالانقضاض على من حوله لتفرغ طاقتها السلبية التى سيطرت على الأجواء المحيطة بها , كانت لا تفكر الا بما قام به حازم صباح هذا اليوم , فبعد أن أخذ يلقى على مسامعها خطبة عصماء ليجعلها تشعر بالدونية اذ أنها تدبر المكائد مع مجدى فى حين أنه يلعب بطريقة غير شريفة فيصطحب معه ريماس الى الشركة بدون أن يخبر أيا من الموجودين بالمنزل , متجاهلا تحذيرها له بعدم التعرض للفتاة اليتيمة التى لا حول لها ولا قوة , ولكنه سيدفع الثمن غاليا على ما سببه لها من رعب وهى تتصور أن هناء قد تجرأت وآذتها فى هذه العزيزة الغالية على القلب , فوجدت أنه لا بد من محادثة مجدى حتى تعلمه بما استجد من الأمور وتطلعه على نيتها التى عزمت عليها ولن تتراجع عنها مهما كلفها الأمر , فها هى تحارب من جديد لأنها وجدت سببا لتتعلق بالحياة كانت كالغريق الذى يتعلق بقشة , وكانت ريماس هى هذه القشة.
اتصلت بمجدى الذى كان دوما خير سند لها حتى وهى بعيدة عنه بمشاعرها نائية عن عواطفه الجيّاشة التى كانت تفيض حولها لم يتخل عنها حتى وهى تعتقد بأنه قد وقف الى جانب والدها بعد خلافهما القاسى تأكّد لها أنه الوحيد الذى اتخذ موقفا ايجابيا وحافظ على جوهرتها الثمينة من الضياع.
سمعت صوت المحامى الرزين وهو يجيبها بوقار: آلو .. عاملة اي يا فريال؟
فريال: بخير , كنت عاوزة اتكلم معاك في موضوع ضرورى.
مجدي: احنا مش اتفقنا نأجل الكلام اللي زي ده لبعدين؟
فريال: في جديد ولازم تعرفه.
مجدي: ماشي . قولي اللي عندك, انا سامعك اهو.
ترددت فريال قبل أن ترجوه أن يلتقيا , وعلى الرغم من سعادته العظيمة بهذا الطلب الا أنه أصر على الرفض لظروف خاصة
مجدي: وليه متقوليليش في التليفون؟
أطاعته فريال وأجابت بقهر: اتخانقت انا وحازم , هو عرف اننا بنتقابل ومش عارفة مخبي لينا اي؟
مجدي: اممم, بقي كدا بيتجسس علينا, ولا يشغلك الحوار دا أنا هفهمه الحقيقه.
فريال : لا . لا متعملش كدا يا مجدى
مجدي: وانتي رافضة ليه ؟ مش احسن بردو انه يبقي في صفنا؟
فريال : حازم بدأ يخطط لنفسه , تعرف أنه أخد ريماس معاه من غير ما يكلف خاطره ويقول لحد مننا ؟
صمت مجدى برهة يفكر فى أهمية الأخبار التى تلقاها للتو ثم عصر ذهنه ليقترح عليها برفق: لو هو ميال ليها , يبقي اي المانع من اننا نشجعهم على العلاقة دي؟
صرخت فريال وكأنما لدغتها حيّة: مستحيل مش هيحصل مش هسمح لدا انه يتكرر تاني , مش هحط البريئةةدي قُربان عشان أضحى بيها عشان أنول شرف الاتحاد مع فريق محمد اخويا ضد فريق عادل ؟ ما في داهية كل دا .
اعترض الرجل بهدوء على انفعالها: ملوش لازمة كل الانفعال دا يا فريال , انا مطلبتش منك تضحي بيها ولا تنضمى لفريق ضد التاني, مش انا الراجل دا , أنتي بتشبهيني بواحد تاني .
أعادتها كلماته المؤنبة لذكرى مؤلمة مضت منذ زمان واعتقدت أنها صارت طى النسيان الا أنها ما زالت تتأجج يوما بعد يوم منذ أن وطأت قدماها أرض هذا البيت من جديد , فها هو مجدى الرجل الذى كان يعشقها بجنون وهى ما زالت فتاة صغيرة تجرى بسعادة فى أنحاء المنزل تاركة جدائلها الحريرية تتمايل فى زهو وغرور فيفتتن ببهائها كل عابر سبيل,يتبارى مع الزمان فى ادماء الجراح القديمة التى لن تندمل أبدا.
فريال : ليه مننساش اللي فات يا مجدى ؟ ليه بتحب تقلب عليا المواجع ؟
(علي رأي ليلي صحبتي ليه بتقلب المواجع انا بحبها كده😂😂💔)
مجدي: انا بردو اللي بعمل كدا , فريال ,,, لو لسه مصرة تقلبي في اللي فات وترجعي لورا يبقي أرجوكي ابعدينى عن الحوار دا , أنا فيا اللي مكفيني عندي مشاكل معقدة اد كدا , أما بقي لو عاوزة تفتحى صفحة جديدة وتسامحى الكل فأنا موجود جنبك علطول , ومش هأتخلى عنك ابدا .
ما زال يؤثر بها بدماثة خلقه ورقة مشاعره ورهافة كلماته التى تتغلغل فى أعماقها لتشق طريقا وسط الآلام المدفونة فتسرى كالبلسم الشافى بسحر ساحر تهدئ وتلطف من النار المستعرة بداخلها , هل تستطيع التجاوز عما حدث ؟ والأهم هل تستطيع الغفران؟
فريال : هشوف الدنيا هتعمل فيا اي , يمكن في يوم أقدر أسامح زي ماقلت.
مجدي: يبقي ندي نفسنا فرصة ونحاول , وأنا لسه على رأيى بأننا لازم نقول لحازم الحقيقة , متروديش عليا دلوقتي , بس فكرى في الأحسن لمصلحة ... البنت.
ابتلعت ريقها وهى تشعر بالأشواك الجافة تتنازع فى حلقها حتى تكاد تزهق روحها وجاهدت لترد عليه بأسى ومرارة: أنا واثقة فيك يا مجدى , أنت اللي باقيلي في دنيتي , أرجوك متتخلاش عنى ولا عنها, هى وحيدة في الدنيا زيي .
مجدي: متقلقيش أنا مبرجعش في وعودي.
تذكرت الآخر الذى نبذها وحيدة وسبّب لها ولصغيرتها المفقودة كل هذه الآلام التى عاشت لسنوات طوال تحفر ذكراها فى مجرى العمر فصارت هى والألم كيانا واحدا ثم خاطرت لتسأله ثانية: هو لسه مجاش الوقت المناسب عشان نقولها؟
كان يعرف مدى لهفتها وشوقها فلم يجرؤ على احباط آمالها العريضة ولكنه كان يائسا مثلها ويتشبث بأمل ضعيف فقال: بس لازم نستني شوية , على الأقل عشان نعرف مين هو الصاحب ومين اللى هيبقي عدو.
فريال: صح معاك حق أنا نفسى بقيت مشوشة في تفكيري.
مجدي : لازم تصبري وتعقلي يا فريال لسه قدامنا حرب شرسة هندخلها وهنحتاج لكل قوتنا وثباتنا, فريال انا اسف بس معايا مكالمة مهمة فى الانتظار, سلام .
فريال: سلام يا مجدى.
وضعت هاتفها جانبا وهى ترى أمها تدخل الى غرفتها وربما للمرة الأولى منذ أمد بعيد , لم تشعر باقترابها الا بعد أن أنهت المحادثة وقالت فى نفسها يا ترى ما مقدار ما سمعته والدتها من حديثها السرى , وتيقنت من نظراتها المدققة أنها لا بد عرفت شخصية المتحدث فقد بادرتها بالسؤال: هو انتي كنتي بتكلمي مجدى .. المحامى بتاعنا؟
كانت أمها تصر على الصاق هذه الصفة به , انه بالنسبة لها مجرد مجدى .. المحامى المختص بالمعاملات القانونية , وكانت تنكر عليه صداقته لابنها المتوفى - حمدي رحمه الله - وبالطبع كانت تنكر عليه مشاعره الوليدة تجاه ابنتها , لقد دفعتها بايمانها العميق من هذا المنطلق بأنه لا يرقى لمستوى العائلة العريقة التى تنتمى لها نحو اتجاه خاطئ تماما كلّفها الكثير , ولم تجد بدا من أن تعترف لها بالحقيقة فما الداعى وراء اخفاء صلتها به ؟ وهى لم تعد الفتاة القاصر التى تخشى من أهلها اذا عرفوا عن علاقتها برجل غريب ؟
فريال: ايوة , عندك اعتراض اعتراض؟
شريفة: لا معنديش , كمان انتي بقيتي راشدة بما فيه الكفاية عشان تاخدي قراراتك بنفسك يا بنتى.
فريال: ياريتك اقتنعتي بدا زمان , مكنش الحال وصل بينا لكدا.
شريفة : كنت غلطانة, كلنا غلطنا زمان ودفعنا التمن غالي.
فريال: محدش فيكم دفع التمن زيي.
شريفة : عارفة انك بتتوجعي ومجروحة اوي , انتي ضيعتي مني زي ما بنتك ضاعت منك . ضاعت منك وأنتي عايشة.
فريال: وحشتني اوي ياماما , نفسي احضنها احس انها في حضني وقريبة مني ,بس كل يوم بيمر بيتسرب الأمل بعيد عنى.
انطلقت كلمتها من بين شفتيها بدون ارادة منها , لقد مر وقت طويل منذ أن نطقت هذه الكلمة .. أمى ,حتى السيدة شريفة نفسها كانت مذهولة فها هى ابنتها قد لقبتها بأمى بعد طول حرمان , وقد كان لها فعل السحر فى مشاعرها المتصلبة فلانت وتلهفت لاحتضان فلذة كبدها بين ذراعيها الضعيفتين بفعل كبر السن ففتحت ذراعيها لها لتحتويها بحنان طالما تاقت له فريال واستجابت لأمها فى غريزة فطرية حتى تنهل من نبع العطاء.
شريفة: تعالى لحضن أمك يا أميرتي .
فريال: وحشتيني اوي يا ماما , ليه ؟
كانت تعرف مغزى سؤالها الناقص ,لم تشعر الا بعبراتها تنساب على خديها وهى تضم ابنتها بقوة وتصميم خالفت الوهن الطبيعى الذى تشعر به دائما ولكنها مسحتهم بأطراف أناملها الرقيقة غير سامحة للضعف بأن يتسلل اليها من جديد .
شريفة : مكنش بايدي يا بنتي , أقسم بالله أنى دورت عليها كتير اوي بعد ما مشيتي , وبس ملقيتلهاش أثر.
ربتت على كتف فريال بعطف بالغ وهى تحايلها: مش هتسامحي امك علي ضعفها قدام جبروت ابوكي - الله يرحمه - مش فات الأوان لدا بردو ؟
هزت فريال رأسها بعنف رافضة الاستسلام للمشاعر الانهزامية التى تغلبت على والدتها: لا . مفاتش الأوان لسه.
ثم استطردت بعد أن ابتعدت قليلا عن أحضانها الدافئة :
صدقينى يا ماما , كل اللي ساعد في اني اتحرم من بنتى هيدفع التمن غالي اوي , وربنا يقويني علي دا .
وكان هذا وعدا قاطعا صممت على تنفيذه حتى ولو دفعت فى مقابله كل نفيس وغالى تملكه.

(عشقت صيادي)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن