البارت الثاني عشر 💕

906 19 10
                                    

🌻لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين 🌻

*******************
كانت عودة هناء الى الفيلا مثارا للجدل , فما بين مرحب مهتم وشامت متخفى ولائم عاتب تفاوتت ردود الأفعال لدى أفراد العائلة الواحدة ,وانهالت الأسئلة على رأس المسكينة والتى كانت تؤلمها بشدة من جراء حادث ارتطامها بالأسفلت على الطريق ,أنقذها كريم من الموقف الصعب بعد أن قام بالاستئذان منهم لتنال والدته قسطا من الراحة وقد أمر سماح بأن تعد لها حساءا خفيفا وقطعة من اللحم لتتناوله فى غرفتها بالأعلى حتى تسترد عافيتها وبعد عناء اليوم الطويل وأحداثه المرهقة على أعصابها ,ولم تفلح محاولاتها باقناعه بأنها قد تناولت الطعام فى منزل صلاح فهو وابنته قد أكرما وفادتها الى أقصى درجة ,لم يعجبه ما يسمعه من كلمات الشكر والثناء لحسن صنيعهما وبدأت الوساوس تتلاعب فى ذهنه كراقصة لعوب تعرف جيدا خطوتها التالية ,ولكنه أرجأ استجوابه لها الى الغد ,وبعد دقائق صعدت سماح بصينية الطعام الساخن من أجل هناء وقامت بمساعدتها على تغيير ملابسها فقد كانت ذراعها اليمنى مرضوضة وأى حركة لها تجعلها تشعر بالغثيان ,بعد أن أنهت قسما لا بأس به من الطعام ,قامت سماح بحمل الصينية وهى تسألها ان كانت ترغب بأى خدمة فشكرتها هناء وصرفتها باشارة من يدها بعد أن طالبتها بعدم ازعاجها لأى سبب فهى سوف تخلد الى النوم فورا , وقد كانت هذه رسالتها الغير مباشرة الى كل أفراد العائلة وهى متأكدة بأن الخادمة سوف تنقلها اليهم بدون تجميل.
كان الليل كالبلسم الشافى لجراح النهار فنامت هناء ملء جفنيها بعد أن قضت يوما من أصعب ايام حياتها فلم يكفها ما عانته من ظلم وقهر بهذا البيت بل طالها الأذى من اعتراف زينب الصريح بأن ريماس ما هى الا ابنة أخيها ناجى الذى اختفى منذ سنوات طويلة مؤكدا على خبر وفاته بعد الخلاف الحاد الذى نشب بينه وبين عمها الذى اقسم بأن يجعله يدفع ثمن ارتكابه خطأ جسيما بزواجه من فريال بدون علمهم ,واتهمه بمحاولة التلاعب بعواطفها من أجل الثروة ,كل مشكلة بدأت فى حياتها منذ وعت فى هذه الدنيا وانتهت كانت بسبب المال اللعين ,لماذا يقضى الانسان عمره لاهثا وراء الجنيهات يملأ بها جيوبه ثم خزانته ثم تفيض عن حاجاته فيودعها فى البنوك حتى يصير من ذوى الأرصدة الخيالية فيشير اليه الناس ويلقبونه بالمليونير ,هل يستحق هذا اللقب كل الدمار الذى لحق بهذه العائلة بجميع أفرادها , انها متأكدة أن كل ابناء عمومتها قد نالهم حظا وفيرا من هذه اللعنة ,لم يفلت ايا منهم من عقاب القدر فهذا هو ذنب أبيها وعمها عبد الله لأنهما قد سمحا للأخ الظالم الأكبر سنا بالاستيلاء على نصيبهما من ميراث جدها بتخاذلهما عن المطالبة بالحق المشروع والسعى وراء اظهار الحق البيّن ,آثر عمها عبد الله الخروج نهائيا من دائرة العائلة تاركا البيت واكتفى بتوجيه نظرة لوم عاتبة نحو أخيه الكبير كانت أشبه بسهم قاتل يسرى سمّه حتى هذا اليوم ,بينما التزم أبوها الصمت كاتما لصوت ضميره حتى لا يفتضح أمر عائلته وتثار الاقاويل حول سمعة الشرقاوية.
وها هم الأحفاد يجنون ثمار ما زرعه الأجداد ,ومن قبلهم الآباء ,ولكن القدر كان رؤوفا بها فى خضم هذه الأحداث المتتالية كلطمات معول مثابرة على تحطيم الصرح العظيم الذى انشأه جدها الأكبر بالحفر فى الصخر بيديه العاريتين ,أرسلت لها العناية الالهية رجلا من ماضيها ,ذكرى مضت وخبى توهجها وفجأة يظهر أمامها مجددا يحيطها برعايته واهتمامه ,نعم رأت الشغف القديم يعاود تألقه فى نظرات عينيه الآسرة ,وتساءلت اذا كانت قد اختارته بدلا من حمدي هل كان حالها قد تبدّل غير الحال الآن ؟ أم أنه قدر لا بد أن يؤول اليه مصيرها مهما حاولت الفرار من طريق مرسوم لها بخط واضح مستقيم اذا حادت عنه أعادها اليه بصبر وجلد ,ولكن ما باله كريم ؟ هل شعر بما يجرى تحت السطح فى غفلة منها, وهل ثارت شكوكه فى صلاح وطبيعة علاقتها به ؟ولكنها عادت لتطمئن نفسها بنفى هذا الاحتمال البعيد فهو لا يعرف الماضى أبدا وهى ستعمل جاهدة على أن يظل مجهولا بالنسبة له, فلا أمل من محاولة احياء الماضى الدفين.
**************
غادرت ريماس حجرة فريال بعد أن اطمأنت الى استغراقها فى نوم عميق ,وتأملتها بعيون حائرة لا تدرى لمَ تشعر بلهفة نحوها ؟ ان هذه المرأة تمثل لها لغزا يستعصى عليها فك شفراته ,كانت مشاعرها تجاهها مختلطة متعثرة , بداية وجدتها باردة المشاعر تنأى عن الآخرين تختبئ بقوقعتها اللؤلؤية بعيدا عن أعين الصيّادين مترفعة عما أسمته المشاركة فى مهزلة الميراث ,واكتفت بالمتابعة الصامتة تراقب سعيهم اللاهث وراء المال ,وربما اعتقدت أنها واحدة منهم على الرغم من حرمانها من أى مميزات تمتع بها الأحفاد الآخرون فهى لا تشبه أيا منهم فى ظروف نشأته ولا العز والجاه الذى ترعرع فيه ,بيد أنها كانت راضية مرتاحة البال لا يشغلها سوى أن تعيش فى هدوء مع من تحب , جاسر زميلها السابق ,هل كان ما بينهما حب حقيقى كالذى رأته مزدهرا بين والديها بالتبنّى , أم أنه مجرد وهم أخذت تؤمن به حتى تصنع منه أحاسيسا غير واقعية ,لا تدرى أنه بين ليلة وضحاها قد تخلى عنها هذا الحبيب بل واساء اليها باتهامه الصريح لها بالتلاعب والخداع ,ظلت تسعى حتى تصل الى سبب تغيّر مشاعره بالنسبة لها وفى النهاية آمنت بأنه انسان حقير يتسلّى بعواطفها , حاول ملاحقتها فى بداية علاقتهما حتى ملّ منها وربما ارتبط بفتاة أخرى ,حتى كان يوم رحيلها عن المكتب فوجدته متألما يتابعها بنظراته المريرة وهو يراها متأبطة ذراع حازم وكأنه يتهمها بخيانته ,وهى لم تبذل جهدا لتصحيح مثل هذا التصوّر الخاطئ ,بل زادت الطين بلّة حين أكدت على شكوكه بهذه العلاقة المزعومة حتى تثأر لكرامتها التى بعثرها من قبل ,فتجاهلت وجعه كما أنكرها يوم فراقهما الذى ما زالت نيران ذكراه تتأجج بداخلها تحرق قلبها ويتحول الى حقد ورغبة مسيطرة بالنيل منه ولو على حساب مشاعرها ,فهى لم تسعَ يوما لأن تجرحه ولم تتخيل أن يتحول حبهما الى بغض وكراهية ,وأين هو الآن ؟ انها تشتاق للمسته الحانية ودفء عينيه حين يبثها هيامه وعشقه الأزلى لها فتنسى الدنيا وما فيها , وما أبعدها عن هذه اللحظات التى كانا يختطفانها من عمر الأيام.
ومنذ اقتحم حازم حياتها أصبحت كل خيوط مصيرها بين يديه , وصار يحركها كيفما يشاء فيتلاعب بعواطفها الساذجة , فتارة هو قريب جدا يشعل بها نارا ظنت أنها خمدت بعد أن هجرها جاسر بل وتختبر معه قوة مشاعرها التى لم تصل لهذا الحد مع أى شخص من قبله , وتارة أخرى هو متباعد متكبر لا يهتم لأمرها مثقال ذرة يعذبها ويقلق مضجعها ثم يعاود هجومه الساحق على قلبها فتتمتع برقته وحنانه حتى تكاد تذوب بين يديه القويتين ,وحينما تهوى فتظن بأنها ستتحطة بهاوية النهاية يلتقطها بآخر لحظة فتتعلق به وتتمسك بما يقدمه لها وكأنه طوق النجاة الذى سيسحبها من دوامة غرقها ,فتصل معه الى بر الأمان ولكنها تتلفت حولها فتراه قد اختفى مرة أخرى ,وتصير وحيدة تشعر برغبة حمقاء فى السعى ورائه حتى آخر الدنيا ولو كلفها عمرها كله ثمنا لملاحقتها الشغوفة ,حتى تذوب بنظرات عينيه القاتلة ويضمها بأحضانه والتى تجد فيها ملاذها الآمن , فلا مهرب منه الا اليه ,ولكنه أخبرها بارتباطه بأخرى , من هى هذه الفتاة ؟وهل هى خطيبته ؟أم أنها مجرد نزوة عابرة بحياته , يكاد الشك يقصمها ولا تجرؤ على اختراق اسواره العالية التى يحيط بها قلبه فيمنعها من الوصول اليه ، وبينهما تقف الثروة حائلا ,وتتكاتف العائلة بأسرها لافساد ما بينهما ,تتضرع الى الله بأن ينجيها من ورطتها ويهفو قلبها الى عدم الخلاص ,تسعى بقدميها نحو حتفها ,وهل تملك لؤلؤة تائهة مقاومة شباك صيّادها الآسر ؟
انه يحاصرها من كل صوب فيمنع عنها مدد العون حتى تصير سبيّته وحده ,وبقرارة نفسها أحبته وتاقت الى أن تصبح أسيرته مدى الحياة , فهل يحقق لها القدر أحلامها البعيدة ؟ أم أنها ستظل حائرة شريدة ؟
***********
رنين هاتف متواصل أقلق راحته ونزعه من شروده بالتفكير فيها ,نظر بتكاسل الى شاشة هاتفه المضيئة وهو يفكر بهوية المتصل ,ضاقت عيناه الرماديتان بغضب وهو يجيب على الرنين الملح بصوت فاضت منه الخشونة والجفاء: أنت ؟ اي الحاجة الحقيرة اللي متصل بيا عشانها ؟
- حازم ... اي اللي يخليك تكلمني بالأسلوب الوحش دا ؟
أجابه صوت رزين واثق اللهجة وهو يحاول تمالك أعصابه ليمنعها من الانفعال استجابة لهذا الهجوم الغير متوقع.
حازم: مجدى .. بطل ألاعيبك الزبالة دي ومفيش داعى تجربها معايا .
مجدي: أنا مبعملش الاعيب يا حازم , وأنت أدرى الناس بيا.
حازم: كنت .. كنت أدرى الناس بيك انا صدقت اهتمامك المزيف وأنك عاوز تساعدنا ,والأسوأ أنك خنت ثقتى فيك.
مجدي: أقسم بالله أنا مش خاين , ليه بتوصفني بس بالصفة دي , عملت اي ؟
حازم: بتسألنى! دي خطتك الحقيرة يا متر اتكشفت للأسف , ليه؟ عاوز اجابة شافية على سؤالى , انا قصّرت معاك ؟
مجدي: اهدي يا حازم وحاول تشرحلى حصل اي عشان تتهمني كدا ؟
حازم:أنا فى منتهى الهدوء , مفيش حد ولا حاجة ممكن تخليني أقلق , بالذات امثالك.
مجدي: أرجوك بطل ياحازم , مش هينفع نتفاهم في التليفون , ممكن تقابلني دلوقتي ؟
تعجب حازم من تماسك أعصابه ,فقد ظن بأنه بعد أن كشف لعبته الحقيرة سوف يخشى لافتضاح أمره وأنه سيحاول ايجاد مبررا معقولا لا أن يطالبه بلقاء فى منتصف الليل , شعر مجدى بالترقب فقد طال صمت محدثه على الطرف الآخر وتخيل لوهلة أنه سيرفض رؤيته.
أتاه صوت حازم يفيض هدوءا وثباتا بعد أن خمدت ثورته الفائرة وهو يفرض عليه ارادته: هقابلك يا مجدى ,ودلوقتي زي مانت عاوز , ونشوف اي الحدوتة اللي عاوز تألفها , هجيلك في بيتك , انت هناك ؟
مجدي: طبعا , هكون فين في الوقت دا غير في البيت.
حازم: تمام , مسافة السكة نص ساعة واجيلك .
ثم أغلق هاتفه بعنف وهو يتوعده هادرا: واذا كنت بتكدب ,مش هتفلت من العقاب.
*********
كانت مها مسهدة بأرق تستعيد ذكرياتها البعيدة حين اسر قلبها جارهم الشاب الوسيم بالحى القديم ,خالد المرهف الحس الذى عرفت معه أنقى احساس بالحب , الحب الأول الصافى البرئ ,بلا أغراض ولا أسرار ولا تعقيد.
جمع العشق بينهما وربط قلبيهما سويا برباط اعتقدته قويا لا ينفصم , وتصورت حياتها معه فى عش هادئ صغير ,تنعم فيه بحنانه واهتمامه السخى ,وكانت أقصى طموحاتها أن يتزوجا على جناح السرعة وينجبا الكثير من الأطفال حتى يملأوا عليهما الحياة بهجة وسعادة ولم تكن تسعى كغيرها من الفتيات بمثل عمرها الى الثراء ولم تحلم يوما بعريس غنى ينشلها من ضيق الحال الذى تنغمس فيه حياتها , والشقة الضيقة التى تداعت جدرانها وتحول طلاؤها الى ألوان باهتة ,وكانت خاوية الا من بقايا اثاث متداعٍ ,وأجهزة قديمة بالية .
كانت وحيدة أبويها , مدللتهما الصغيرة التى لم يبخلا عليها بأى شئ , وكان والدها يعمل بمجال التصدير والاستيراد مديرا لشركة صغيرة ببداية طريقه ليشق الحياة بمثابرة وعناد لا يتزحزح ,أما والدتها فكانت تؤازر رفيق دربها بكل ما تملك فهى تنتمى لعائلة ثرية ذات نفوذ واسع فوضعت ارثها بالكامل تحت تصرفه ,لتسانده فى رحلة كفاحه ,فازدهرت أعمال زوجها وصعد بسرعة الصاروخ ليرتقى سلم المجد , حتى صارت شركته من أقوى الشركات وباتت تنافس بشراسة فى سوق العمل ,بل صار الجميع يحسب له ألف حساب ,وانتقلوا الى فيلا واسعة بحى راقى وألحقها أبوها بمدرسة دولية للغات وصار يغدق عليهما بالهدايا وكل ما تتوق له النفس فانتعشت حياتهم بدرجة كبيرة ,وكان هذا حلما قصير الأمد فقد انتزعتهم منه الحياة بقسوة لتلقى بهم فى جحيم بلا قرار ,حين دبر له منافسه مكيدة لتحطيمه ,وتدمير سمعة شركته ,فقد اشترى ذمة مدير أعماله بالمال الوفير وأغراه الشيطان بخيانة أقرب الناس اليه ,ليصدّق على المثل القائل ( اتق شر من أحسنت اليه ) ويتحقق بحذافيره.
فتهوى شركته الى القاع محطمة معها حياتهم المستقرة الى أشلاء ,خسر كل رأس ماله واضطر الى بيع شركته التى أسسها بعرقه وجهده بثمن بخس الى غريمه , ولم يكتف الظالم بما أثمت يداه فقد أمعن فى اذلال ابيها وحطّ من قدره أمام جميع العاملين بها ليعود يومها الى منزلهم القديم مكسورا مهزوما منكس الرأس ,لا يكاد يرى أمام عينيه ,أخذ يحطم كل ما يقع تحت طائلة يده وأمها أخذتها بين أحضانها بغرفتها الصغيرة مغلقة الباب من الداخل بالمفتاح ,وهى تحاول أن تهدئ من روع صغيرتها المذعورة من صراخ أبيها الجهورى وصوت تحطيم الأشياء بالخارج ينتزعها نزعا من السكينة التى تحاول أمها أن تبثها فى نفسها الخائفة ,وهى تناجى ربها بأن يهوّن على زوجها مصيبته ويمن عليهم بالسلام والأمان , فجأة ران عليهم الصمت فهدأت ثورة ابيها ولم يعد وقع أقدامه يتردد ,فحاولت أمها ازاحتها قليلا عن حضنها لتطمئن على زوجها الا أنها تشبثت بطرف ثوبها القطنى بتعلق مستميت لا تستطيع الفكاك منه فحادثتها بصوتها الرخيم الحنون وهى تربت على كتفيها بلمسة أمومة خالصة: اهدي يا بنتى ,ومتخافيش من حاجة مش هسيبك لوحدك ,بس هأخرج أطمئن على بابا وأحاول أواسيه في محنته.
وابتسمت لها على الرغم من آلامها المريرة وهى تحاول اقناع طفلة لا يتجاوز عمرها التسعة سنوات بأن كل شئ سيكون على ما يرام ,الا أنها هى نفسها كانت ترتجف بعنف وتشعر بالتردد لرؤية ما لا يحمد عقباه ,فوضعت ابنتها بسريرها الخشبى وربتت على شعرها العسلى الناعم ثم توجهت بعزم نحو باب الغرفة المغلق لتفتحه على مصراعيه فتلقت صدمة رؤيتها لمشهد زوجها وهو ملقى على الأرض فاقدا للوعى لا تبدر منه أية دلالة تشير الى انتمائه لعالم الأحياء ,فصرخت بفزع وهى تهرع نحوه لتهزه بقوة واصرار تحاول افاقته: سامى , رد عليا , قوم يا سامي , متسيبنيش لوحدي .
فيما غادرت مها سريرها ووقفت بباب غرفتها تنظر الى هذا المشهد الرهيب وهى تشهد سقوط أبيها وانهيار أمها ,التى تصارع من أجل اعادة أبيها الى الحياة التى فارقت جسده المنهك فتقوم باعطائه قبلة الحياة بلا جدوى, ولم يفارقها بحياتها , هذا المشهد الذى صار يتكرر بصورة يومية كل ليلة وهى تحاول أن تغفو ولو قليلا فى الليل المظلم الطويل ,الا أنه يكبر ويتضخم حتى يملأ كيان غرفتها الضيقة ,ويتمكن من واقعها فلا مفر منه ,وهى تجد أمها سليلة الحسب والنسب كريمة الأصل عزيزة النفس ,تقاتل بشراسة حتى تكفل لها قوت يومها وثيابا تسترها من عوز الفقر والحاجة ,فلم يبقَ لها سوى حب خالد , نسمة عليلة تلطف من الأجواء الخانقة التى صارت تحيط بها من كل اتجاه مطوقة ايها تسجنها بذكرياتها المؤلمة فلا تعى الا وهى تقسم على الانتقام ممن سعى لخراب حياتهم واغتيال لحظة فرحتهم القصيرة , وما زاد عليها الوجع وفاة والدتها بعد معاناة طويلة مع المرض اللعين , السرطان ,فكانت بحاجة الى المال للتخفيف عليها من آلامه القاتلة وربما لو امتلكت الوفرة منه لزاد عمرها بضعة أيام تقضيها بلا أطباء ولا جراح , ومرارة العجز تطاردها فتذكرها بضيق ذات اليد ,وتنكأ جراح مصيبتها السابقة فتقرر التخلى عن أحلام الحب والسعادة لتبدأ مشوارا جديدا تسعى فيه الى أن تكون مها أخرى لا تمت بصلة الى الفتاة التى أشقتها الحياة وأتعست ايامها ,بدون شفقة وبلا رحمة.
*****************
ارتدى حازم ملابسه على عجل واستقل سيارته استعدادا للقاء مجدى بمنزله الكائن بحى قريب من بيتهم ولم ينتبه لمن رأته وثارت بنفسها الشكوك لخروجه من المنزل خفية بعد انتصاف الليل ,أخذ يفكر بالمحامى الذى عرفه طوال عمره رجلا أمينا موثوق الجانب ولم يخطر بباله يوما أنهما سيتبادلان الاتهامات القذرة كما حدث اليوم ,بداية اللقاء كانت جافة فيما التمعت نظرات الاحتقار بعينى حازم وهو يكيل له الاتهامات بلا هوادة: جيتلك زي ما طلبت اهو ,قولي بقي من غير لف ولا دوران اي هى خططك القذرة اللي ألفها عقلك القذر ؟وهتوصل لفين مع عمتى ؟
ثارت ثائرة مجدى حين ألمح حازم الى فريال فى عرض حديثه فأجابه بعنف محتدم: اسمعني كويس , لو عاوز تتهمني هيبقي حربك معايا أنا وخرج فريال فى من دايرة حساباتك ,كفاية اوي اللي العذاب والآلام اللي محدش يستحملها , مش صعبانة عليك ؟
اتكأ حازم على مسند مقعد مرتفع بغرفة المكتب الخاصة بمجدى وهو يعقد ذراعيه أمام صدره بتحدى سافر: لو كانت تهمك زي ما بتقول سيبها في حالها , ومتجرهاش معاك في اللعبة القذرة دي ومتحاولش تستغل ضعفها لان زي مانت قولت أنها اتألمت بما فيه الكفاية.
رد عليه مجدى بحدة وانفعال: أنا أكتر واحد مهتم بيها وبموضوع بنتها من أى حد تاني.
حازم: بنتها ؟ ومال بنتها بموضوعنا دلوقتي ؟
أشار له مجدى بالجلوس ثم اتخذ هو مجلسه قريبا منه ولم يبد على حازم أنه سوف ينصاع لرغبته فظل واقفا كما هو وان أخذ ينقل ثقله من قدم لأخرى,فهز مجدى كتفيه باستسلام وقال: زي ماتحب , عاوز أفاتحك في موضوع خطير ميستحملش التأجيل أكتر من كدا ,ت اترددت شوية قبل ما اقولك عليه لأنها كانت رغبة عمتك.
لم تتغير ملامح وجه حازم ولم يبد عليه أنه قد تأثّر بلهجة المحامى الخبيرة ولكنه نجح فى اثارة فضوله بشكل مستنفر ,ولكنه مط شفتيه باحتقار وهو يستحث مجدى على اكمال حديثه: ادخل في صلب الموضوع يا مجدى , مليش خُلق استحمل ألاعيب المحامين والمماطلة التى انتو شاطرين فيها دي .
نظر له مجدى مؤنبا على كلامه الجارح بحقه ,تفادى حازم النظر الى عينيه مشيحا بوجهه بعيدا فرفع مجدى يديه مستسلما وقال بلهجة افتعل فيها المرح ولكنها خرجت متجهمة صادمة: طيب براحتك , خد المفاجأة الكبيرة انا لقيت بنت عمتك , ومش هتصدق هيا مين !
قاطعه حازم بسخرية قاسية: وياتري بقي كنت بتدور عليها طول السنين اللي فاتت دي ؟وياتري لقيتها فين ؟
زم مجدى شفتيه بقوة وهو يهز رأسه دلالة النفى: لا مكنتش بدور عليها , أنا كنت عارف مكانها من الأول .
بدأ حديث المحامى يجذب انتباه حازم اليه بقوة فأخذ ينصت له باهتمام واضح ,وهو يعقد حاجبيه بتكشيرة فيما استطرد المحامى: بنت عمتك تبقي ريماس , بنت عمك , ريماس هيا نفسها أميرة بنت فريال.
مش مستغرب من اللي سمعته يعني ؟ كأنك كنت متوقع كلامي دا.
شعر حازم بأن هذا ليس الوقت المناسب لاعلام المحامى بالحقيقة التى يعرفها وأراد ألا يحرق كل بطاقات اللعبة بيديه قتصنّع الاندهاش وحاول مجاراة مجدى بلعبته فسأله بهدوء: وازاي وصلت أميرة الى عمى حمدي ؟ وازاي خبي الحقيقة دي عن الكل واعتبرها بنته ؟ والأهم ازاي انت عرفت الموضوع دا ؟
اعتدل مجدى فى جلسته وأعاد ضبط هندام ثوبه المنزلى كأنه مقدم على مرافعة هامة بالمحكمة, فقال بصوته الرزين : هأشرحلك كل حاجة بالتفصيل الممل.
وسرد على مسامعه أغرب قصة يمكن لعقل أن يصدقها ,ولأول مرة يرى آثار الصدمة بادية بوضوح على وجه حازم الجامد.
*****************

البارت اهو يا قلوبي بعتذر عن التأخير غصب عني بجد متنسوش تقولولي رايكم وتقيموا البارت🤗💕💕😍

(عشقت صيادي)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن