على حُب فاطِمه_١
_أخبرني ألا تزال تعرف المكان؟
_نعم، أحمدُ الله أن منطقتنا بقيت على حالِها تقريباً ولم تتغير كبقيّة مناطق بغداد.
_لقد غبتَ عن بغداد طويلاً، فتغيّرت عليك شوارعها!رد عليها وإبتسامة خفيفة اعتلت زاوية فمه:
_معكِ حق.يتجول برفقة والدته في أحد أسواق العاصِمة وهو ينقل نظره بين الأبنيّة والمحلات وكأنه يروي ظمأ عينيه الى بغداد التي رحل عنها منذ أربع سنوات الى النجف الأشرف ليلتحق بالحوزة الشريفه.
دخلت والدته الى احدى المحلات بينما بقيَ ينتظرها خارجه ، وقف يُراقب حركة السوق الكثيفة ويُحدّق عشوائياً بالمارّة.
وبينما هو كذلك طرق سمعهُ كلمات بذيئة كان يوجهها بعض الشباب القريبين منه لبعضهم، عقد حاجبيه مُستنكِراً فقد أغضبه للتو مرور فتيات سافِرات بكامل زينتهن اخترق عطر إحداهن أنفه وهاهو يسمع هؤلاء الشباب يتقاذفون الكلام البذيء بينهم.
"حقاً ان شرّ بِقاع الأرض الأسواق".
خرجت والدته من المحل فمدّ يده ليساعدها بحمل بعض الأكياس
_أمي، هل بقيت لكِ حاجة هنا؟تقول له بينما تلتقط أنفاسها بسبب الزُحام الذي كان داخل المحل
_بقيَت تنقصنا بعض الحاجيات ، سأكلّف فاطمة بشراءِها فقد أنهكني التعب..
_حسناً ، إذن دَعينا نخرج بسرعه
_ماالأمر تبدو منزعجاً؟_لاعليكِ ، لايوجد شيء.
خرجا من وسط السوق المُزدحِم بعد عناء طويل، وبعد عدّة مجاهدات كي لايصطدم بإحداهن أو تقع الأغراض من يده.وأخيراً وصلا الى الشارع العام فأشر الى احدى سيارات الأجرة لتنطلق بهما الى المنزل.
وفي المساء، عاد الى منزله بعد أداء صلاة العِشاء في المسجد ، أراد الصعود الى غرفته مباشرةً لكنّه توقف قُرب باب الصالة الخشبي فقد رفّ قلبه مُتذكراً جلساتهم العائليّة ومُشاكساته مع أخوته، لقد مرّت تلك الأيّام سريعاً.فتح باب الصالة ودخل ليجد والده يجلس برِفقة "فارِس" ابن عمه وصديقه القريب ورفيق طفولته.
ألقى التحيّة فردّها والده أما فارِس فقد قام اليه واحتضنه بقوة ، احتضنه هو الآخر وهو يبتسم ابتسامة واسعه أظهرت غمازتيه العميقتين.
_آه يافارس لو تعلم كم افتقدت وجودك في تلك الفترة.ردّ عليه فارس بنبرة تفوح منها رائحة العِتاب:
_لو كنت أعرف ان النجف ستأخذك منّا لما تركتك تذهب اليها أو أذهب معك.
_معك حقّ ياأخي، صحيح أن الدراسة شغلتني عنكم لكن أقسم أنّي لم أنساكم أبداً.
يلتفت فارِس الى "الحاج شاكر" ليقول له مازِحاً_انظر الى ابنك ياعمّ، كم يبدو بهيّاً وهو يرتدي العِمامة. ثم أكمل حديثه وهو يُشير بسبّابته نحوه:
_شيخ محمد لن تُفلت منّي ، ستروِ لي مغامراتك الحوزويّة بالتفصيّل هل فهمت؟
في تلك الأثناء دخلت "السيّدة نسرين" الى الصالة وهي تحمل بيديها صينيّة الشاي.
بادرها الحاج بعد ان أكملت تقديم الشاي وجلست على إحدى الأريكات:_أم مصطفى أرجو أن تكوني قد اشتريتِ كل مايلزم اليوم؟
ردّت عليه:
_بقيت بعض النواقص البسيطة ، سأتصل بفاطمة وهي تتكفّل بالموضوع._بل نذهب أنا ومحمد نشتري الأغراض ، ومنها نتجوّل قليلاً كما كنا نفعل سابِقاً، مارأيك يامحمد؟
ماأن أكمل فارِس جملته حتى ضحكت أم مصطفى على كلامه:
_ياليتك رأيته كيف كان يبدو غاضباً اليوم ، لاأظنه سيصل الى هُناك مجدداً._هه حقاً ، هل أصبحت مُعقّداً الى هذا الحد؟
يتدخل والده ليقول بهدوءه المُعتاد:_أنا أعرف ولدي جيداً، لابدّ انه رأى شيئاً أثار حفيظته ،أليس كذلك يا محمد؟
أجابه بعد أن صمت لحظات مُستذكراً مارآه في السوق:_في الحقيقة ياأبي لقد أغضبتني رؤية بعض الفتيات يمزحن بصوت عالٍ مع أصحاب الدكاكين وأُخريات يمشين في وسط السوق بكل أريحيّة غير مُباليات باصطدامهن بالرِجال ، هذا علاوةً على السفور والتبرُّج الذي حدّث ولاحرَج هناك.
أطرق الحاج قليلاً ثم أجابه وهو لايزال ينظر الى المسبحة التي راح يُدوّر خرزاتها بأطراف أصابعه:
_يقول الأمام علي عليه السلام في خطبة له: " بلَغني أن نسائَكم يُزاحِمن الرِجال في الأسواق، أما تغارون؟ ألا إنّه لاخير فيمن لايغار"..ياولدي نحن لانقول انه لايجوز للمرأة الخروج الى السوق فإن للضرورة أحكام، وإذا حدث وخرجت يجب أن تكون مُحتشمة في مَشيتها وتصرّفاتها وحتى ألفاظها وتعود سريعاً بعد قضاء حاجتها، أما ان تذهب لمجرد التجوال والضحك والترفيّه فهذا مرفوض تماماً.يقول محمد الذي لايزال غاضباً وحزيناً أيضاً على حال اولئك الفتيات:
_المُصيبة أنهّن خرجن من بيوتٍ فيها رِجال..
_رويدك يابُني رويدك ، كل فتاة هي مسؤولة عن تربية نفسها وتهذيبها والمُحافظة عليها ولاأحد يُلام على ذلك غيرها.ثم يكمل مازحاً:
_أما أنت فلن تذهب الى هناك ثانيةً وإلا ستُصاب بأرتفاع ضغط الدم.