على حب فاطِمة_١٦
ضحك فارِس على كلامه ، ثم قال وهو يؤشر بسبّابته:
_حسناً سآخذك الى الخارج قليلاً، لكنّي لن أتحمل المسؤوليه أمام الدكتورة زهراء ، تعرف أنها لن ترضى بذلك.مدّ يده لفارِس ليساعده على النهوض بينما يقول:
_لن تعلم الدكتورة زهراء بذلك إلا اذا أخبرها أحدا ما .ثم رفع نبرة صوته محذراً:
_واذا تجرأ احد على اخبارها فســ..
قاطعه فارِس ضاحكاً:
_لاتقلق لن أخبرها بشيء..هيّا انزل من على السرير.كان يتكئ على كتف فارِس وهو ينزل السلّم ، فصادفته مرآة الباب الخارجي ، توقف قليلاً ، وأخذ يحدّق بها، لقد تغيّر شكله كثيراً طال شعره وكذلك لحيَته ونحل جسده أكثر من ذي قبل ، تحسس أثر الجرح الذي زيّن جبينه بيده ثم وجه نظره الى يده التي كان يضعها في جيب بنطاله بعد أن أخبره الطبيب أن لاأمل في عودة الحياة اليها لكنّه نصحه بالإستمرار على العلاج الطبيعي لعلّها تتحسَن.
وضع فارِس يده على كتف محمد مواسياً بعدما رأى غيوم الحزن ارتسَمت في عينيه:
_هوّن الله عليك ايها البطل ، لاتقلق سيعود كل شيء لوضعه الطبيعي.أغمض عينيه بتعب فلم يكن منظر الجروح هو ماآلمه، بل لإنه تذكر رؤيته في تلك الليلة ، لقد عبروا كلّهم ، إلا هولم يكن مسموحاً له ،لم تُكتب له الشَهادة وهذا مايحرق قلبه.
ابتسم لفارِس ثم انطلقا يسيران ببطئٍ نحو حديقة المستشفى.
كانت زهراء تقف مكتوفة الأيدي في باب الحُسينيّة وهي تنظر لغُفران التي تجمّعت حولها عدد من الفتيات وهي تقوم بترديد بعض آيات القرآن الكريم وهنً يرددن وراءَها.
عجيب أمرها هذه الفتاة فبالأمس كانت بعيدة جداً وهاهي اليوم تقوم بتدريس القران ، عشق صاحب الزمان هو السبب ،هكذا كانت غُفران تجيبها كلّما سألتها زهراء عن سبب هذا الإنقلاب العجيب.
انتبهت غُفران لوجودها فأشرت لها بيدها تدعوها للدخول.
_ها ، أيتها الكسوله ، ظننت أنكِ لاتزالين نائمة.
_لم أكن لإستيقظ لو لا إتصال الدكتور حسن.
ردّت عليها غُفران بتعجب:
_ولماذا يتصل؟ أليس اليوم عطله؟_نعم لكنّه قال ان الأمر ضروري، مارأيكِ هل تأتين معي؟
أجابتها وهي تقوم بأغلاق حقيبتها :_ولم لا ، فقد انهيت درسي وليس لدي شيء.
وانطلقتا نحو المستشفى ، وهناك فضلت غُفران البقاء في الحديقه رَيثَما تكمل زهراء عملها.
وبعد ربع ساعه خرجت زهراء لتجد غُفران بالإنتظار ، ثم توجهتا نحو الباب الرئيسي للخروج ، وهناك لمعت أمام محمد تلك العينين الباكيتين اللتان طالما رآهما في منامه، لوهلةٍ لم يكن يصدّق انها هي
ولكن ماذا تفعل في كربلاء؟وقف وكأنه انتبه من نومه، لم تسعفه قدمه الضعيفه على السير ، كان يصرخ بفارس:
_انها هي، برفقة الدكتورة زهراء.
_من تقصد؟_ارجوك قم باللَحاق بها، اسرع ارجوك اوقفهما.
وعندما راى حالة صديقه اسرع فارِس الى اللحاق بالدكتورة رغم عدم فهمه لما يجري لكنها كانت اسرع منه فقد استقلّت سيارتها مُبتعدة عن المستشفى بأكملها.عاد ليجده جالسا يغطّي وجهه بيده وهو ينتحب.
جلس أمامه :
_محمد حبيبي مابك؟ من هذه الفتاة.لم يجبه بشيء إلا انّه أصيب بنوبة ألم حادّة أفقدته وعيه ولم يستعِد وعيه الابعد حقنه بأبرة من قبل الطبيب.
كان ممدداً على السرير الأبيض وهو يفتح عينيه بصعوبة إذ كان تحت تأثير الإبرة المهدئة، التفت نحو فارِس الذي كان يجلس قربه ينظر له بعينين دامعتين، ونطق بصوت ضعيف أشبه بالهمس:
_عندما أنهيت دِراستي الجامعيّة واتجهت لدراسة الحوزة شعرت بمثل هذه الآلام التي تصيبني الآن في جهة قلبي تماماً، إلاأنني كنت سعيداً بتلك الأوجاع ، لقد ظننت أنها آلام استبدال القلب يعني بعدما عرفت ربّي اكثر وديني اكثر شعرت أن الله ابدلَني بقلبٍ جديد لذا كان لابدّ من الشعور هكذا، أتعلم يافارِس..
لم يكُمل جملته وغطّ في نومٍ عميق .
ليترك فارِس يغرق بدموعه .في اليوم التالي كان فارِس يساعده على النزول الى غرفة الدكتورة زهراء ، وقف في الطابور منتظراً دوره ، وعندما رأته الدكتورة يدخل وقفت على قدميها متعجبة:
_محمد؟ اخي مالذي جاء بك الى هنا ،كنت سأصعد اليك بعد قليل._ارجوكِ دكتورة هل تسمحين لي ان اتحدث معكِ قليلاً.
أشفقت على حاله وارتجاف جسده الضعيف:
_نعم نعم أخ محمد، تفضل بالجلوس.
رفع رأسه ليقول بخجل:
_الفتاة التي كانت معكِ البارحة..هل اسمها غُفران ؟
ردّت بدهشة :
_بلى غُفران هذه قريبتي ، من أين تعرفها!وانبرى يقصّ لها حِكاية تلك الفتاة التي ارتكب جريمة خِذلان بحقّها حسب رأيه.
_ثم بحثتُ عنها طويلا، وبعدما أخبرني أحد الجيران ان عائلتها سافرت خارج البلاد ، تركت المسجد وكل الحياة الى ان جاءت الفتوى المقدّسة لتنقذني
بصراحة لم اتوقع رؤيتها ، وهنا في كربلاء؟