على حب فاطِمة_٢٠
كانت تجلس بجانب والدة محمد على الأريكة وهي تستعرض ألبوم الصور ، شاهدت طفولة محمد وصوره المدرسيّة التي أخذت فاطمة تُعلّق على بعضها بمزاح، أمسكت والدته بإحدى الصور ، وأخذت تتأملها وهي تقصّ لغفران حِكاية تلك الصورة :
_التقط محمد هذه الصورة مع زملاءه في الحوزة ، ورغم إنه الوحيد الذي لم يكن يبتَسم إلا أنّ ملامحه الهادئة تشعّ هَيبة وجمالاً.
تدخلت فاطِمة لتفرّق غيوم الحزن التي سيطرت على الأجواء:
_غُفران ، ألن تُريني بعضاً من صوركِ؟
تنهدت بحسرة:_لم أجد شيئاً منها في المنزل، يبدو أن والدتي أخذتها معها وقد ذهبَت بذهابها.
اعتذرت فاطِمة منها فهي لم تكن تريد زيادة الألم.
قالت لها غُفران بإبتسامه:_أليس هناك إحتفال يوم غد؟ أخبريني ماهي تحضيراتكِ لذلك؟
تلهفت فاطِمة لأخبارها فقد نسيت امر الإحتفال تماماً، وأخذت رأيها في كيفيّة ترتيب الزينة وكذلك ترتيب الفقرات ودعوة الناس للحفل.
أشرقت شمس يوم الأربعاء تبعث بالدفئ وتنشر الطاقة على البَشر وكأنها تذكرهم بشمس أخرى ستنقشع عنها السُحُب ليسطع نورها ويعم الخلائِق ، اليوم الخامس عشَر من شَعبان المعظّم ، يوم ولادة صاحب الأمر ، أمير الزمان عجّل الله فرجه .
وغفران تولّت كِتابة عبارات جميلة عن الإمام وتزيين الشموع لتوزيعها على الحاضِرين.
أما فاطِمة وزوجة مصطفى فقد أوكلت اليهن مهمة إعداد الحلوى ، وزهراء التي أصرّت على المشاركة فقد شرعت في تعليق الزينة وترتيب أماكن الجلوس.
وبدأ الحفل على حب بقيّة الله الإمام المُنتظَر ألمؤمّل.
ألقت والدة زهراء التدريسيّة في جامعة كربلاء محاضَرة صغيرة ثم قرَأن انشودة صغيرة ومسرحيّة أقامتها بعض الفتيات الحاضِرات.وجآء دور غفران لتعتلي المِنصّة:
غريب حبّه ذاك الحبيب، لا يوجد في عشقه نقطة ارتواء ولاحدّ للشَبع، فشرط الوصال أن تبدأ مُتعطشاً ثم ظامِئاً ثم صادٍ حتى تأخذ الغلّة منك مأخذاً حينها فقط تكون أهلاً لوصاله، كمن أكل مِلحاً فنام فلم يرَ غير الماء في منامه، هكذا هو عشق هذا المُحمّدي الذي ذخرته السماء.."
والأغرب أن وعاء حبّه رغم أنه لايمتلئ لكنّه يفيض!لايمتلئ ولايكتفي مهما استزدت من العشق لكنّه كلّما ازداد عشقاً كلّما فاض أكثر الى أن يُغرقك، فيتعداكَ سَيلَهُ ليُعدي الآخرين.
فزكاة هذا العِشق أن تُفيض منه على من لم يذُق طعمه.أنا حقاً لاأعرف مالذي يجدر بي قوله لكنّي أسأل الله أن يُذيقَكُنّ هذا العِشق، أسأل الله أن يدلكن عليه، لإن من لايعرف إمام الحب هذا لم يعرف العشق بعد.
كان محمد ينام تحت النجوم ، يتأملها من بعيد ، سالت دمعة من عينه ياتُرى الى متى سيبقى ظلام الليل يخيّم ونور شمس المنتظر لم تُشرق بعد!
متى يابقيّة الله متى.تذكر غُفران وهي تبتسم عندما سمعت إحدى النساء تنادي ابنها بـ مهدي، وعندما سألها عن سر ذلك أجابته:
_عندما جاس قلبي حبّ الإمام لأول مرة ، كنت أردد إسمه طوال النَهار ، شعرت أن لذكره حلاوة خاصّة في فمي ، وذات يوم وبينما كنت مشغولة بترديد هذا الإسم المقدّس اصطدمت بأبي دون أن أشعر فقد كنت مستغرقة فيه كليّاً، ضحك والدي حينها وأشار لي بيده بمعنى "مجنونة"، لذلك تبسّمت عندما تذكرتها.
أغمض عينيه وتخيّل الإمام أمام ناظريه ، صحيح انه لم يتشرف برؤيته لكنّه لطالما رسم صورة لملامحه ، من خلال الروايات التي وصفت شكله.
ماذا سيفعل لو رآه، هل سيحتضنه ، كلا بل سُيقبّل أقدامه شوقاً ، لابل سيمسح وجهه بتراب نَعل الإمام.
أوغر صدره عٍشقاً فقام من مكانه يحدوه الشَوق لإمام زَمانه ،انتابته حالة من البُكاء العَميق ، هو عادةً عندما يشتاق للحُسين يتوجه نحو كربلاء ثم يسلّم على الإمام فيهدأ نبض قلبه ولو قليلاً ، لكن الى أي جهةٍ سيتوجه الآن وهو لايعلم أين صاحب الزمان.
ما لَلبوصلة تُشير الى كل الإتجاهات ماعداك وكل الأسئلة تُجاب إلا أين إستقرت بك النَوى؟!
تذكر الآية الكريمة :{فأينما تولّوا فَثَمَّ وجهُ الله}.اليس الإمام هو وجه الله وبابه الذي منه يؤتى؟
اذن فهو حاضر في كل مكان ، توجه الى الجهة التي دلّه عليها قلبه ، وبدأ بالسًلام على إمام الزمان
الى متى أَحارُ فيكَ يامولاي وإلى مَتى، وأي خِطابٍ أصفُ فيك وأي نجوى.
بات تلك الليلة ودموعه على خده في حالة لايعلمها الا بارِئه.أما غُفران فقد كانت في ذلك العالم الأبيض الذي تملأه صفوف من الشَباب والشَيَبة يتقدمون نحو السيّدة الجليلة الواقِفه ، يقبلون القرآن الذي تحمله ثم يمرون من تحته لاتعلم الى أين ، رأت محمداً يمر أمامها قبّل القرآن ومر من تحته ثم مضى لكنّه توقف قليلاً ليستدير ويؤشر لها بيده أن تعالي، تقدّمت بضع خطوات ، وكأن قوة مغناطيسيّة تجذبها حيّت تلك السيّدة ثم فعلت كما فعل ، مدّ لها يده لتمسكها، استيقظت من تلك الرؤيا على صوت آذان الفَجر ، فقامَت لتتوَضأ وتؤدي فرض الفجر.