على حب فاطِمة_١٣
لم يجد الحاج شاكر مخرجاً لأبنه مما هو فيه سوى اجباره على الذهاب الى الشيخ حسن .
جلس بين يديه باكياً، وقد خلع عمامته ووضعها أمام الشيخ حسن:
_خذها ياشيخ لم أعد أستحقها..
_أخبرني هل أنت يوسف الصدّيق كي تكون رؤياك حقّ؟كيف علمت انها السيدة الزهراء!
_ليست المرة الأولى التي ارى سيدتي في المنام،لكنها لم تكن تكلّمني
ثم أكمل وهو يغصّ ببكاء مرير..
كانت غاضبة ، سيدتي غاضبة._لااله إلا الله، ولمَ تركت الخدمة في كربلاء وعدت؟
_الحسين لايريد خطيبا أغضب امه الزهراء، كيف تريدني ان أدخل لضريحه.
وبعد عدّة محاولات من قبل الشيخ حسن لردعه عن التخلي عن العمامه، ثبت على موقفه قائلاً:
_ألم تعلمني الحديث النبوي القائل{ ان الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها }؟اذا كانت السيدة فاطِمة غاضبة مني فذلك مؤدٍ لغضب الله.
ولن استريح الا بتصحيح ذلك الخطأ والا فلا استطيع وضعها مجدداً.
ترك العمامة في مكانها ، ثم ترك بيت الشيخ حسن بأكمله ودلف خارجاً.
ستة أشهر تغيّر خلالها الكثير، فقد باتت المدينة تسمع الأذان بصوتٍ غير الذي أعتادت عليه، العم أبو نبيل ينسى غياب الشيخ محمد أحيانا فيناديه عندما يحتاج الى المساعدة لكنه سرعان مايتذكر أنه لم يعد موجوداً بجانبه ولايزال يجهل السبب.
أما والدته فقد اعتادت رؤيته شاحِب الوجه مكسور الخاطر وقلبها يحترق لذلك لكن ليست بيدها حيله.
سمعته مرّة يناجي ربّه بكلمات من دعاء أبي حمزة الثمالي:{ أنا الذي عصيتُ جبّار السماء ، أنا الذي على سيّده إجترَأ}
لم يُطاوعها قلبها ان تتركه بهذه الحالة، فدخلت الى غرفته لتجده جالساً على مُصلّاه غارِقاً بدموعه
انتهى من الدعاء وجاء ليتمدد على الأرض ويضع رأسه على حِجرها، مسّدت شعر غرّته بيديها وأخذت تحدثه بحنو بصوت أشبه بالهَمس:_ماأجمل ماكانت تزين العِمامة رأسك يابُني، لقد أرضيتنا انا ووالدك طوال عمرك ، لاأعلم من اين ظهرت تلك الفتاة في حياتك هكذا ، ليتها لم..
قاطعها وهو يُمسك بكف يدها :
_لقد كانت اختباراً ياأمي، وأنا فشلت فيه.
_ومالذي كان بإمكانك فعله؟
_لاأعلم ، ولكن كان هناك شيئا بالتأكيد ، ألا تسمعين بما يفعله أولئك المجرمين؟
هل تسمعين صوت تشييع جثامين الشهداء القادمين من سوريا كل يوم؟تخيلي ماذا فعل بتلك المسكينة ووالديها ، ربّما اجبرها على ان تصبح "جهاديّة" مثله!
آه ياأمي لو كان بأمكاني أن اعود الى الوراء.
وفي عصر ذلك اليوم ضجّت مواقع التواصل بفتوى هزّت التاريخ وظلّت تتردد كأنها صدى لثورة الحسين بن علي عليه السلام.
كانت بمثابة المُنقذ لمحمد ، ألم يكن يتمنى قبل قليل ان يعود بالزمن ليصحح مامضى منه؟جلس امام والده معلناً رغبته بالأنضواء تحت جيش فتوى ذلك المقدّس.
الصمتُ يخيم على المكان ماعدا صوت خرزات مسبحة الحاج شاكِر وهي تتصادَم مع بعضها أثناء مايدوّرها بأناملهِ، الشيخ محمد جالس على الأرض ناكِساً رأسه الى الأسفل ونبَضات قلبه تتصاعد خوفا من منع والده ، رفع رأسه لتصطدم عيناه بنظَرات أبيه التي كان يوجهها نحوه من خلف زُجاج عويناته الطبيّه:
_أخبرني مِمَ تهرب؟_أنا لاأهرب من أحد ياأبي ، بل على العكس أنا ذاهب لأواجه أولئك القَتلة الكَفَره.
_هل أنت متأكد انك تذهب لأجل هذا؟!
_كل ماأعرفه أنّي لن أتخاذَل مجدداً.وتدخلت الحاجّة أم مصطفى لتعلن مُساندتها لمحمد وبكل حزم لتُعطيه قوة معنوية وتشجيعاً كبيراً بموقفها الصامد.
وهاهو يقف مودعاً بعد أن تطوّع في إحدى الفصائل المُسلّحه للجيش العقائدي الذي سيُسمى بــ" الحَشد الشَعبي".
ودّع أهله ثمّ الحي الذي يسكنه ثمّ بغداد بأكملها ، تذكر كيف ودع بغداد للمرة الأولى بأتجاه النجَف الأشرف وهاهو يودّعها مرة أخرى متوجهاً نحو المجهول وليقف قِبالة أشباه بشر لاقلوبَ لهم ولاعقول.
كان يرى عينيها الباكيتين في منامه كلّ ليلة ثم يستيقظ في الصباح مملوءاً بالعزيمة ليحطّم الأعداء لَكأنها أصبحت حافزاً له ليتقدّم ويستبسِل في الجهاد.
لقد رأى غُفران التي خيّب أملها في كل شخص أنقذه من براثِن التنظيم ، وفي كلّ قرية أو مدينة حرّرها برفقة بقيّة مُقاتلي الحَشد.