9

278 38 2
                                    

على حب فاطِمة_٩

ألقت بحقيبتها جانباً ثم ألقت بنفسِها على حافة السرير ، والدمع يتقاطر على وجنتيها مُبللاً أهدابها الكثيفة ،كلّما أغمضت أجفانها يتراءى لها موقف يوم القيامة ،حيث ستُعرض أعمالها يومئذٍ على شاشات عرض عملاقة ولن ينفعها الإنسحاب ، ان كانت مجرد مشعوذة كاذبة ألقت في نفسها كل ذلك الخجل والرُعب فكيف بمن يعلم الغيب حقيقةً؟

كيف بالذي لاتخفى عليه خافية ويعلم ماتُسر وماتعلن وماتُخفي وماتُظهِر، فهل ستُنقذها والدتها أم يخلصها والدها الذي لايضرّ ولاينفع؟!
ومازاد من حدّة بكائها هو اعتلاء صوت الشيخ محمد بــ {ولاتُخزِني يوم يُبعَثون}.

وكأنه اختار هذه الآية وهو يعلم بشعورها ، رفعت رأسها ، نادت معه إي والله لاتُخزني يوم يُبعَثون

لقد سمعت من قبل الكثير من الآيات التي تذكر عذاب جهنم ، وسمعت الآف الكلمات عن هذا حرامٌ وهذا حلال، لكنها لم تؤثر فيها كما أثرت هذه الآية ، وقعت في روحها عميقاً ، ظلّ صدى  كلمة الخزي يتردد بين جُدران فؤادها .
وبعد نوبة حادّة من البُكاء ، نزلت على الارض لاشعورياً  ووضعت خدّها على الارض ، ربّما كان من الأفضل ان تسجد ، لكن هذا مافكّرت به في لحظتها ، تعبيرا منها عن التواضع لله ، هذا الخد الذي عصى الله وتكبّر لابدّ له ان يُصعّر الآن ويمرّغ في الأرض.
وسرعان ما لملمت كلمات الشيخ التي صدح بها شُتاتَ أفكارِها ، كان يلهج بدُعاءٍ عجيب ، لكأنه تقصّدها في هذه المرة أيضاً
{فلو اطلع اليوم على ذنبي احد غيرك مافعلته ، ولو خِفتُ تعجيل العقوبة لاجتنبته، لا لإنك اهون الناظرين اليّ وأخفُ المُطّلعين عليّ؛بل لإنك ياربّ خيرُ الناظرين، ستار العيوب، غفّار الذنوب..}

يالهذه الكلمات التي أشعلت جذوة الخجل في روحها ، إشتعلت خجلاً وذابت حياءاً من ربّ العباد، وجرى على لسانها قولٌ نبعَ من قلبها:
_الهي أناخجِلة منك.
بعد هذا البكاء وهذا الإعتراف، قررت البِدء من جديد ، سُبحان الله لكأن يداً غيبية تدخلت لتُريها حقيقة الدُنيا، حقيقة الدِين وتوجهها بالطريق الصحيح!
لاتدري كيف خرجت أمامها كل تلك الكُتب التي تكفّلت بإعادة بناء ماتهدّم من جِدار القلب، مُحاضرات، أسئلة دينية وأجوبتها، لكأن كل شيء قد سِيق اليها على قَدَر.
أصبحت تُدرك سبب البرود في صلاتها السابقة بعد أن تذوقت لذّة الصلاة الحقيقية ، الخاشعه فهناك فرق جوهري بين الصلاة على علم وأخرى مجرد حركات.
مع مرور الأيام أدركت منبعها ، لم تكن تأتيها صدفه، فلا وجود للصدفه في نظام الله الكامِل، بل  تأكّدت ان " الشاب التائِب يُرسل الحُجة أنواراً على قلبه"
اغلقت الهاتِف بعد ان قرأت تلك العِبارة في أحدالمنشورات
_فدته نفسي، وهل هناك مصدر للنور سوى مولاي.

قالت لها رُقيّة بعد ان رأت الحَيرة في عينيها:
_عندي فكرة، ارتدي الحجاب دون ان تعلم والدتكِ..
_يبدو انه ليس بيدي حيله، سأجتهد في اخفاء ذلك عنها.

من الآن فصاعداً لن تخرج دون حجاب، تضعه في حقيبتها وترتديه قريباً من الباب الرئيسي وتخلعه فور دخولها المنزل.
لم يكن الشيخ محمد يصدق عينيه عندما رآها تمر، لايزال يتذكر كيف دخلت مكتبه بتلك الهيئة التي آلمت قلبه وهاهي الآن بكامل حجابها ، لكن يبدو عليها الإرتباك والقلق ، لكن الله يهدي من يشاء وهو أرحم الراحمين.

على حُب فاطِمة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن