٦

303 41 8
                                    

على حب فاطِمة_٦

لقد تأخر محمد بالعودة الى منزله هذا الصباح ، دقّت أميال الساعه السادِسة والنصف صباحاً وهو لايزال يمكث في المسجد ، لقد قرر أن يبقى هذا اليوم ليطّلع على أحوال المدينه فلم تكن مهمته أن يُقيم الأذان ثم ينصرف بل ليكون رِسالياً مبلّغاً ينثر ذكر إمام الزمان كما وعده، صادف خروجه من المسجد مرور السيارة التي تستقلها غُفران ورُقيّة الى الجامعه ، لكزت رُقيّة صاحبتها وهي تقول:

_انظري هذا هو إمام المسجد الجديد.

إستدارت لتراه ، لتتفاجئ بشاب بمقتبَل العمر عليه سيماء الوِقار والجلال ، عدّل "العباءة" التي كان يرتديها ثم سار بإتجاه الأسواق.

ظلت مبهورة فما حدسته يختلف عن الواقع تماماً ، فبالأمس تخيلته عجوزاً واليوم ترى شاباً يكاد يُماثلها سِناً.

_ولكن هذا لايزال شاباً، فكيف يكون إمام مسجد!

_وأين المشكله؟
_أعني ، أليس من المفترض أن يكون إمام المسجد شيخاً عجوزاً قد فرّغ حياته للعبادة ، يعني هذا الشاب أليس لديه عمل او سفر أو التزامات أخرى؟

قالت رُقيّة ألتي فهمت مقصد غُفران :
_عبادة الله يجب أن تكون في كل مفاصل حياتنا وليس أن نفرّغ لها مساحة عندما نكبر ، ثانياً لقد اختار هذا الشاب هذا الطريق بنفسه ودرس وتعلم حتى أصبح ماترينه الآن وهو يمارس حياته بشكل طبيعي اضافة الى إمامة المسجد، فعبادة الله لاتمنع أحدا أن يعيش.

ثم سكتت قليلاً لتواصل بعدها بإبتسامه:
_أتعلمين بأن الله يُباهي الملائكة بالشاب العابِد؟

تزاحمت في رأسها الأفكار، لاتزال لاتستوعب مارأته فكيف لشاب كهذا أن يأتي في الرابعه فجراً فقط ليصلّي بينما يتعاجز الكثيرون عن أداء الصلاة وهم في منازلهم، تود لو تسأله كيف لم تغرّه كل أغراءات الحياة وبقيَ ثابتاً خصوصاً في مدينة كمدينتها يُستهزَء فيها بالمتدينين وتشيع فيها المظاهر والسفور كثقافه عامّة!

كان محمد يتجول في أسواق الشارع العام، مرّ على الدكاكين القريبة من المسجد ، ليكون قريباً من الناس ، جذب نظره رجل يبدو بعمر والده كان يقف قرب كُشك متنقل لبيع الطعام، أشار له بيده فتقدّم اليه محمد وحيّاه بأدب:

_وعليكم السلام ، تفضل ياشيخ ، أهلا وسهلا

_أهلا بك ياعم، هل كنت تقصدني بذاك النِداء؟
ويرد العجوز الذي أحنى ظهره وهو يعمل في هذا الكشك الصغير:

_نعم، فقد شرحت رؤيتك صدري ، ملامحك ذكرتني بولدي

تبسّم له محمد:
_إذن سأتناول فطوري عندك اليوم.

وبعد عدّة دقائق، أخذ محمد يتأمل حال هذا الرجل الذي أخبره بأنه يقدم من منطقه أخرى كي يسترزق على هذا الكشك البسيط فقال له وهو يأخذ رشفةً من كوب الشاي:
_لمَ لايأتي ابنك ليساعدك ؟

قال العجوز بحسرة جسّدت ألم السنين:
_لو كان حياً لما توانى عن مساعدتي ، لكنّه عند بارِئه الآن.

ردّ محمد وقد امتزج ردّه بالحزن :
_لابأس عليك ياعمّ فليرحمه الله
ثمّ نهض من مكانه واستدار خلف كشك الفطور وهو يقول:

_لكن ابنك الآخر لايزال حياً، إسمح لي بمعاونت

وهكذا أصبحت مساعدة العم " أبونبيل" من مهام الشيخ محمد اليوميه ، وقد أتيحت له الفرصه بأن يتعرف على معظم سكان الحي وهم يتناولون فطورهم من هذا الكشك.
وكما هي عادة طالب العلم يدورمعه العلم والنصيحة حيثما دار فلم يبخل على سائلهم بالجواب ولابالتذكرة والنصح.
وبمرور الايام أصبح هذا الكشك مجتمعاً صغيرا وملتقى للناس حيث أضفت أحاديث الشيخ النافعه وأخلاقه الدمثة حلاوة على تناول الطعام هناك.

على حُب فاطِمة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن