على حب فاطِمة_١٢
قادتها قدماها لتجد نفسها أمام مكتبة الشيخ محمد ، أغمضت عينيها وأخذت نفَساً عميقاً وكأنها تستجمع قوتها ثم طرقت الباب الزجاجي بخفة ودخلت.
وقف الشيخ ماإن رآها تدخل
_وعليكم السلام، حياكِ الله.جلست أمامه وقد تجمّعت الدموع في مآقيها، لاتعرف كيف تبدأ ، ولاتدري ماذا ستكون ردّة فعله ومابأمكانه أن يفعل ، اتبعت ماأملاه عليها عقلها للقدوم فحسب.
حاولت ان تشرح له كل الموضوع ، وباحت بالسر الذي كسر ظهرها وخيّب آمالها.
_أخت غُفران هل أنتِ متأكدة مما تقولين؟
_أقسم لك بأمي الزهراء ياشيخ، صحيح انني كنت جاهِلة فيما مضى ولكني الآن تغيّرت وصححت كل شيء ، لا أظن اني استحق عقوبة كهذه.
ودخلت في موجة بُكاء عميق، كانت ردّة فعل الشيخ أعمق أذىً منها:
_لاحول ولاقوة الا بالله، أختاه حاولي حلّ الموضوع مع والدكِ.رفعت رأسها:
_والدي؟ ، والدي يسمع كلامه لسبب أجهله ، وثم انه ليس بيده حيلة.طأطأ الشيخ رأسه ولم يُجبها بشيء.
_لما ضاقت بي الدنيا، ولم يكن لفاطمة الزهراء قبر ألوذ به ، لجأت اليك لإنك كنت شاهدا على تغيري والتزامي، أقول لك انه من قيادات داعش ، الله أعلم مالذي سيفعله بي!قال ولايزال مطأطأ الرأس:
_أختاه أقول لكِ ، انه ليس لي حيلة بهذا الشأن، هو ابن عمكِ وحاولي حل الموضوع معه.قامت من على الكرسي تجر أذيال الخَيبة ، صدمتها بالشيخ محمد أكبر من صدمتها بسوء حظها، الى اين ستذهب؟
فهي لم تعد تطيق اجواء ذلك البيت الشيطاني ، ولن تكون زوجة لذلك الارهابي ولو كلّفها ذلك نفسها.
التقت بجارتها أم رُقيّة في منتصف الطريق وماان سمعت صوتها حتى انفجرت باكية ، فسحبتها بهدوء لتدخلها الى منزلها.
بقيَ يقلّب ماقالته في عقله، ربّما كان كلامها صحيحاً ، وهذا يُفسّر غلظة خطيبها وعدم ردّه لسلام الشيخ يوم امس، الله أعلم لكنّه لن يتدخل فالمسأله عائليه من وجهة نظره وليس له حق التدخل.
قطع حبل أفكاره رنين هاتفه، وهاهو فارِس يتصل ليخبره ان الشباب جاهزون للإنطلاق لكربلاء.
_حسنا ، أنا قادم.
قام بأغلاق باب المكتبة وتوجه الى منزله ثم ليلتحق بقافلة زوّار الأربعين.وصلوا الى كربلاء قبل بضعة ايام من موعد الزيارة، انتهى الشباب من نصب "الموكب" بينما جلس الشيخ يرتب الاوراق التي كتب بها أبحاثه ويراجع ماكُتب عليها.
_اذن سترتقي المنبَر هذا العام كما وعدتنا.
أجاب على كلام فارِس بأبتسامه:
_ان شاء الله، سنبدأ من الليلة أليس كذلك؟وبعد أذان العشاء أنهكه التعب فنام في مكانه، كان يجلس على الأرض في غرفة مظلمة، يبكي بحرقة وهي تنظر اليه من طرف عينها دون أن تكلمه بشيء.
لطم وجهه ، وزادت حدّة بُكاءه، صرخ متوسلاً، ماذا فعلت كيلا تتحدثي الي؟
غضّت بصرها عنه ، وتركته في وسط نحيبه وذهبت.
استيقظ وهو ينتحب ، كانت رؤيا مُفزِعه، لقد رأى السيّدة الزهراء ، لم تكن تكلمه ، لقد كان يتوسل !هل ياترى كانت غاضبة؟
بدأ بمراجعة نفسه،وفجأة لمعت أمامه عينا غُفران وهي تتوسله لانقاذها ، تذكّر كيف كانت تستنجد بالزهراء._ياالله، الهذا كانت الزهراء تُدير وجهها عني؟!
كان فارِس وبقيّة الشباب يحاولون ثنيه عن العودة الى بغداد لكنه كان مُصرّا ودموعه لم تكف عن السيَلان ، عاد في نفس الليلة التي ذهب بها.أما "أبو حيدر" فقد كان موقفه حازماً، اذ وجه نظره نحو غُفران التي كانت تضع رأسها على كتف ابنته رُقيّة وتبدو انها تسرح في عالم آخر، وهو يقول:
_والله لن تدخلي ذلك المنزل بعد الآن، ومن اراد ان يزوجكِ بهذا المجرم فعليه ان يعبر جثتي أولاً.
كان ياسر يصرخ بهستيريا ، وهو يحادث عمّه:
_ألا تعرف أين ذهبت ابنتك؟ أقسم اني سأكسر رأسها ماأن أجده.ويبدو انه أدرك رؤية غُفران لجرائمه ، فثارت ثائرته وأخذ يعربد ويصول ويجول في ذلك المنزل وسط صمت الجميع.
والدتها تنتحب بصمت ، وأم ياسر تهزّ قدمها بتوتر بينما كان والدها يجري بعض الاتصالات هنا وهناك علّه يجد لها أثراً.
صفّ سيارته أمام المسجد ، لايعرف كيف يتصرف ، فهو لايستطيع الذهاب الى منزلها وطرق الباب ، بقي هكذا لوقت متأخر من الليل ثم لم يجد بُدّاً من العودة الى منزله.
ثلاثة أيام مرّت في وسط أجواء التوتر تلك ، ولم يرَ احداً من عائلتها في الشارع.
وفي اليوم الرابع كان يُراقب المكان كعادته ، عندما انتبه لوجود قفل زيّن باب المنزل الكبير.
وجد فرصة للاستفسار من حيدر ، فأخبره بأن جيرانه قد رحلوا وتركوا منطقتهم، أو أنهم سافروا الى دولة أخرى.
حطّم حيدر آماله بهذا الجواب الذي حفظه من عائلته في حال تم سؤاله عن عائلة الاستاذ بشّار الذين رحلوا بعيداً.
وبالفعل كان الاستاذ بشّار قد قرر الرحيل الى حيث يسكن أخيه ، مكسور القلب بعد أن تيقن من عدم عودة ابنته.
هجر الشيخ المسجد ، واعتكف في غرفته ،ينتحب ويعاتب نفسه ، كيف تركها تبكي هكذا ،اليس له قلب؟
يبدو انها كانت عزيزة عند الزهراء حتى تغضب بشأنها.