على حب فاطِمة_١٥
خرجت من الغرفة لتجد الدكتور مُحاطاً بأهل الجَريح وبينهم امرأة باكية تنشده عن حال محمد ، يبدو انها والدته،
_هل أنت والده؟
_نعم.
_تعال معي قليلاً لو سمحت.ومضى الدكتور ثامر برفقة والد محمد وأخوه مصطفى تاركاً لها مهمة شرح حالته لوالدته.
في غرفة الطبيب كان الحاج شاكِر يجلس على الكرسي المقابل لمكتب الطبيب ، يقف مصطفى خلفه بتوتر وهما ينتظران تشخيص الطبيب، فانبرى قائلاً بعد أن قام بخلع نظارته:_يمكنني أخبارك ان نسبة نجاح العملية كانت مرتفعه والحمد لله وقد تجاوز ابنك مرحلة الخطر.
يجيب الحاج بلهفة :
_وهل سيستغرق وقتاً كبيراً ليتعافى؟_لاأُخفيك ان اصابته بالغه ، فقد اخترقت إحدى الرصاصات عضلة صدره لكنها كانت عرضية ولم تصبه بسوء ،أما الأخرى فاخترقت الظفيرة العضديّة في ساعد يده اليسرى ويؤسفني أن أخبركم انه سيصاب بشلل مؤقت وربّما دائمي في عضلة يده.
ويبدو ان الشلل الذي اصاب يد محمد قد أصاب قلب والده أيضاً فأجاب بعين دامعه:
_الحمد لله المهم انه لايزال حيّاً._وليس هذا فقط، فعندما أصيب سقط من أعلى التل لذا أشك بوجود كسر في كاحل القدم الأيمن ، هذا بالإضافة الى الخدوش والجروح التي أصابت وجهه.
كان أول ماميّزه محمد عندما فتح عينيه هو وجه والدته التي كانت تقف عند رأسه ،نطق بصوت ضعيف:
_سامحيني
أخذت تلثم وجهه ويده وهي تنتحب:_فدتك أمك لاتقل هكذا بُني.
احتضنه بعدها مصطفى ثم فارِس ،ثم هاشِم الذي بدا وكأنه أصيب بالهستيريا فقد كان ينتحب بصوت عالٍ قطعه صوت دخول الدكتور ثامر والكتورة زهراء الى الغرفه.
داعب الطبيب شعره :
_كيف حالك أيها البطل؟وأخذ يشرح له عن حالته وأخبره انه سيتم تجبير كسر كاحله بعد قليل.
وقبل أن يخرج ،أشار بيده الى الدكتورة زهراء ليقول موجهاً نظره نحو محمد:
_هذه الدكتورة زهراء وهي التي ستكون المسؤوله عن علاجك.أدار نظره بأتجاهِها ، ليجد فتاة متجلببة بعباءة سوداء وقد أحنَت رأسها خجلاً.
حمد الله بداخله إذ وكّل به طبيبة محترمة كهذه لاتشبه بقيّة الفتيات اللاتي رآهنّ في المستشفى.وفي المساء دخلت الطبيبة الى صالة المنزل وهي تحمل صينيّة الشاي ، لترى والدها جالساً أمام التِلفاز وهو مشدود بمتابعة الأخبار ، وأخذ يكرر كلمة "أبطال..والله أبطال" كلّما سمع خبرا عن الحشد الشعبي.
ناولته كوب الشاي وجلست بجانبه لتقول له :
_لقد أحضروا اليوم أحد منتسبي الحشد كانت اصابته خطرة ، أقسم أنه كان يبتسم طوال العمليّه.تمتم والدها بـ هنيئاً له ألله أعلم مالذي كان يراه.
ورفعت والدتها كفيّها بالدعاء له.
أما غُفران التي كانت تستمع لما تقوله بإصغاء فقد سألت بأهتمام :
_هل إصابته خطرة جداً؟ هل سيبقى على قيد الحَياة!وأخذت زهراء تقص عليها حِكاية هذا المجاهد الجَريح وأماكن إصاباته ختمتها غُفران بـ:
_أتمنى له الشفاء العاجل ، لابدّ ان لديه عائله بانتظاره.وفي منتصف الليل صعدت زهراء الى غرفة غُفران لتوقضها :
_هل انتِ مجنونه؟ ماذا تريدين في هذا الوقت.
ضحكت زهراء بخفّة لتقول لها:
_نعم جُننت عندما رأيت هذا الخبر ، وستجنين انتِ أيضاً ماأن ترينه.
ثم فتحت هاتفها لتقرأ لها :
_يقولون أن الست بتول علي ستأتي من لبنان لإقامة ندوة في كربلاء بمناسبة الأيام الفاطميّة ، هذا يعني أنها ستكون هنا في صبيحة الغد.
عانقتها غُفران بفرح
_وأخيراً سأرى الست بأم عيني..وفي اليوم التالي عندما عادَتا الى المنزل دلفت زهراء الى داخل المنزل،أما غُفران فقد قررت الجلوس في حديقة المنزل قليلاً لإستنشاق الهواء.
أرهف سمعها صوت أذان المغرب يرفع من مرقد سيّد الشهداء، فعادت بها الذكرَيات ، ياتُرى هل لازلت المدينة تستيقظ على صوته كما بالأمس؟
لابدّ انه يستعد ليؤذّن الآن أيضاً.وتوالت الذكريات التي أنهتها بكفكفة دموعها التي سالت وهي تتذكر كلام الست بتول اليوم ، لقد قالت بأنه بعد وفاة النبيّ(ص وآله) كلّما رفع الآذان ووصل الى أشهد أن محمداً رسول الله، يقول الإمام علي للمؤذن بلال إسكت يابِلال فقد أُغمي على فاطِمة.
بالرغم من أن صوت الأذان هو أجمل شيءٍ تسمعه يومياً، إلا أنه يفتح جُرحاً عميقاً في ذاكرتها.
بالنسبة لمحمد فاليوم هو موعد فتح الجبيرة بعد أن تعافى كسر كاحله ، لكنّه لايزال راقداً على السرير ، لأن ذِراعه اليسرى قد أصيبت بالشلل كما قال الطبيب ، مايؤدي الى إختلال التوازن اذا أراد المشي
أنهى قراءة القرآن ثم وضعه جانباً والتفَت الى فارِس الذي بقي معه بعد ان غادر والده ووالدته وفاطمة.
_فارِس ، يبدو الجو لطيفاً بالخارج أليس كذلك؟
لم يجبه فارِس بشيءً بعد أن عرف مقصده واكتفى بالإبتسام.أكمل بأحتيال:
_لكن مع الأسف ليس لدي صديق يأخذني لأتمشى قليلاً، آه فقط لو كان لدي صديقاً.