18

253 43 9
                                    

على حب فاطِمة_١٨

خيّم الصمت على المكان لدقائق كسرها إصفرار وجهه ، أحسّت بضغط يده على حافة المقعد الخشبي بقوةٍ فالتفتت له، يبدو انه يمرّ بنوبة ألم حادّة كما أخبرتها زهراء نتيجة لإصابة عضلة الصدر الكبيرة بأحدى الرصاصات.
أشفقت على حاله لتقول له:

_حمداً لله على سلامتك.
أجاب وهو يُمسك بجبينه من الألم وتحدّث وكأنه يلتقط أنفاسه بصعوبة :
_شكراً لكِ.

غسل وجهه بزجاجة ماء كانت بيده ، ثم وجد فرصة لِبدء الكلام:
_أنا آسف على ماحصل لكِ ولوالديكِ، لقد فقدتِ كل شيءً بسببي اعلم ان كلامي هذا وأسفي لن يُغيّرا شيئاً ممافات،لكنّي جئت طالباً منكِ السماح، في الحقيقة لاأعرف ماأقول..
قاطعته :

_بل أنا من عليها أن تتأسف ، لقد سببت لك الأذى والإحراج كنت أعلم انك لاتستطيع فعل شيء مع ذلك جئت الى مكتبك ، أنا من عليها أن تطلب السماح وليس أنت.

صمت قليلاً ، ثم استجمع قوته ليقول وهو يسرح بنظره في العُشب الأخضر الذي زيّن الأرض تحت قدميه:
_هل تقبلين بي على سُنّة الله ورسوله؟!

لم تتفاجئ من طلبه ،لأنها ظنت انه يريد ان يستريح من عذاب الضمير ويُبرِئ ذمته فقط ، فردت ببرود:

_صدقني أنت لستَ مضطراً لفعل هذا ، قلت لك إني أنا المخطِئة ، ولكي تتأكد فأنت مبرء الذمة أمام الله ، هل هذا يكفي؟

_انا لم أطلب منكِ الزواج بسبب ذلك، بل لإني أتشرف بالإقتران بفتاة مثلكِ وصلت الى تلك المكانة لدى حضرة الزهراء التي وصل اليها أُناس قليلون جداً، ثم أنني ...

سكت ولم يُكمل فقد صعُب عليه اكمال جملته والبوح بما يعتمر صدره تجاهها.
أجابت بإندهاش :

_ماذا تقصد؟
وانبرى يقص عليها رؤياه التي قضّت مضجعه لشهور ، وجعلته يتخلّى عن عمامته وعن إمامة المسجد ، ثم أكمل وغصّة واضحة ملأت نبرة صوته:
_أتعلمين أنه لم يُسمح لي أن أرحل في تلك الليلة ، كنت قريباً جداً إلا أنتي لم أوفق لذلك ، لازلت بين قُضبان الدنيا بسبب تخاذُلي..
أما هي فقد أختلط عليها الشعور ، لاتزال لاتستوعب ماقال ، الزهراء تأتي لإمام المسجد لتؤنبه لأجلها!

ماأرحمكِ يامولاتي ، لقد كانت رعايتها تُحيطني كل تلك الفترة وأنا لاأشعر !.

تركها في وسط حيرتها وذهولها ، تُكفكف دمعةً أفلتت من مُقلتها ، تقدّم قليلاً ثم توقف ليقول لها دون أن يستدير:
_على حب فاطِمة ، هل تقبلين بي؟!

ذهب دون أن يسمع جوابها ، ليجد فارِس ينتظره عند نهاية السلّم ، احتضنه بتعب ، طبطب هو الآخر على ظهره ثم أستند الى كتفه ليصعد السلّم باتجاه غرفته.

وفي غرفتها كانت جالسة على مُصلّاها ، وقد أنهت زيارة عاشوراء بصعوبة فقد كان فكرها مُشوشاً، فهاهو الإنسان الذي شارك بجزء من تغيرها يطلب يدها الآن وينتظر ردّها ، تنفّست بعمق وأخذت تُناجي ربّها :

_ربِّ انت أعلم بحالي ، ان كان في ذلك رِضاك وصلاحي فأهدنِ اليه.

ثم أغمضت عينيها تُخاطب أباها الغائِب والدمع يسفح على وجنتيها:
_أبه ، ياوليّ أمري ، أنت تعلم انه لم يبقَ لي أحد في هذا العالم غيرك ، أنت أبي وعشيرتي وأهلي ، ان كنت تراه مناسباً وان كنت ستبتسم عند رؤيتي بجانبه فسهل لي ذلك ، أسألك الدعاء كثيراً يابقيّة الله.

دخلت عندها زهراء ووالدتها، وبدأت والدة زهراء بالحديث معها ، ونصحتها بأن تتروى قليلاً وتصلي صلاة الإستخاره ، ثم تقرر بعد ذلك.

وفي صَبيحة اليوم التالي زفّت الدكتوره زهراء خبر الموافقة الى محمد الذي احتضنته والدته فرحاً، وأفرغ مصطفى كيساً من الحلوى فوق رأسه مازِحاً.

اتفقت العائِلتان بعد ذلك على ألتحضيرات، ثم انطلقت والدة محمد برفقة فاطِمة وزوجة مصطفى الى منزل غُفران.

وقبل الخروج للتسوّق ، سلّمتها ورقة صغيرة ، قائلة بأن محمد هو من أرسلها، اخذتها غُفران لتقرأها بينما تدخل الى المطبخ حاملة صينيّة الشاي والأكواب الفارِغه، لتجد فيها:

_سلامٌ عليكم ، أنا أعلم انكِ مؤمنة ونقيّة ان شاء الله ولكن أقول لكِ مايأتي من باب التذكير فقط .

أولاً أود أن تكون الملابس التي ستختارينها لحفلة عقد القِران مُحتشمة ، أنا أعلم ان الحاضرات هُن فتيات فقط لكن لابأس فاأنا أحب أن تكوني هكذا دائِماً.

ثم حبّذا لو كانت الحفلة خالية من الموسيقى ، فلاأحب ان نبدأ حياتنا بما لايُرضي الله ويؤذي صاحب الزمان.

وأخيراً اقرأي سورة يس واهدي ثوابها الى أهل البيت لإتمام العقد بالبركة واليُسر.

رفعت رأسها الى السماء ثم سجدت شاكرة لله تعالى ، الذي أهداها هذا الإنسان الفريد الذي يعرف قيمتها.ثم تناولت قلماً لتكتب في الجهة الأخرى من الورقه:

وعليكم السلام ، اما الملابس فلن تكون الابمايُرضي الله تعالى ويرضيك.

وأما الموسيقى فقد تم استبدالها بإحدى قصائد الحاج باسم الكربلائي الخاصة بالأفراح.

أما عن سورة يس فسنقرأها سويةً إن شاء الله .

على حُب فاطِمة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن